اللاجئون السوريون في الأردن بين أمل العودة وشح المساعدات الأممية

في ظل صلابة منقطعة النظير تحاول تركيا مؤخرا التقرب من الرئيس السوري بشار الأسد من أجل مصالحها الشخصية، وأول تلك المصالح متمثلة في عودة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا.
الثلاثاء 2024/09/03
العودة إلى سوريا لا تبدو قريبة

كأنه أمس! يعيش اللاجئون السوريون في مخيم الزعتري في الأردن، الذي مضت 10 سنوات على افتتاحه. يقع المخيم على بعد قرابة 16 كيلومترًا من الحدود السورية. تطور المخيم من سلسلة من الخيام إلى ما يشبه أحياء في مدينة، ومثل العديد من المدن، كان لأزمات العامين الماضيين تأثير كبير عليه، من الجائحة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.

في الفترة الأخيرة ساءت ظروف المخيم بسبب شح المساعدات الأممية، فأصبح اللاجئ السوري الذي ترك بلاده يعاني الأمرين، بسبب ظلم ذوي القربى، وابتزاز المؤسسات الدولية. فلا أحد يقف على حقيقة محدودية المساعدات الأممية. الأردن اليد الواحدة لا تصفق، لقد فرض تدفق اللاجئين السوريين إلى المملكة تحديات ضخمة على القطاعات المفصلية والمهمة في ظل تشارك الخدمات الأساسية والبنى التحتية ما بين المواطنين الأردنيين واللاجئين، الأمر الذي ألقى بمزيد من الأعباء على كاهل المؤسسات الرسمية.

لا تبدو العودة إلى سوريا قريبة، وهذا يضاعف حجم المعاناة، في الصيف حيث الحر الشديد، وفي الشتاء البرد القارس، وانعدام التدفئة، وهو ما يساعد على انتشار الأمراض المختلفة. ويبدو أن كل ذلك لا يشكل ورقة ضغط على الأمم المتحدة، وكأنها مغيبة عن إيجاد حلول سياسية وتسوية ملف اللاجئين السوريين.

◄ المناخ السياسيّ لتسوية ملف اللاجئين السوريين غير متوفر في ظل غياب إستراتيجية دولية للبت فيه، كما أن من مصلحة الرئيس الأسد الاستمرار في تشدده بعدم حله من أجل تخفيف الضغوط المالية عن كاهله

لقد اكتفت الأمم المتحدة بالمساعدات الإنسانية وكأن ذلك هو دورها ورسالتها التي انبثقت عنها، والمتمثلة في سياستها السامية، وقد أعطت لنفسها الحق في التدخل السلمي والعسكري إن اقتضى الأمر لحل النزاع الدولي، ولإحلال الأمن والسلم الدوليين، الذي يعد من أهم أهدافها التي وردت في ميثاقها، لا بل إن مقاصد الأمم المتحدة في تحقيق التعاون في المجالات الاقتصادية والاجتماعية ما هي إلا مبادئ مكملة لهدف حفظ السلم والأمن الدوليين، كل ذلك عبارة عن حبر على ورق.

أما عن عدم عودة السوريين إلى سوريا فقد اختزله الرئيس السوري بشار الأسد في واقع الأحوال المعيشية في البلاد، وأوقف هذه العودة قائلا “كيف يمكن للاجئ أن يعود دون ماء ولا كهرباء ولا مدارس لأبنائه ولا صحة للعلاج. هذه أساسيات الحياة، هذا هو السبب”. بالنظر إلى هذا التصريح نجد أن الحكومة في سوريا تعارض بشدة عودة اللاجئين إلى مناطق سكناهم، وكأن سوريا أصبحت مزرعة لا يطرق بابها إلا من تنطبق عليه مواصفات معينة. لقد تناسى المسؤولون في سوريا أن هؤلاء اللاجئين كانت لآبائهم وأجدادهم صولة في مقارعة الفرنسيين زمن الانتداب.

هذا يقودنا إلى السؤال الأهم، والمنبثق عن تصريحات الأسد، وهو: في حال توفر الماء والكهرباء والسكن هل يسمح لكل من غادروا سوريا منذ عقد من الزمن بالعودة إلى ديارهم؟ للأسف حجة الأسد غير منطقية فسوريا أولى بشعبها من أي دولة احتضنت اللاجئين السوريين على مدار عقد من الزمن.

وفي ظل صلابة منقطعة النظير تحاول تركيا مؤخرا التقرب من بشار الأسد من أجل مصالحها الشخصية، وأول تلك المصالح المتمثلة في عودة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، وهذا بحد ذاته عنصر مقلق للأسد ويحاول قدر الإمكان التهرب من تسوية هذا الملف في المدى المنظور. لكن المساعي التركية لإعادة تطبيع العلاقات، تعثرت بعدما زعم الأسد أن “هدف أردوغان من الجلوس معه هو شرعنة وجود الاحتلال التركي في سوريا”، قائلا إن الإرهاب في سوريا “صناعة تركية”، ومطالبا بسحب كافة القوات التركية من البلاد قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

◄ تدفق اللاجئين السوريين إلى المملكة فرض تحديات ضخمة على القطاعات المفصلية والمهمة في ظل تشارك الخدمات الأساسية والبنى التحتية ما بين المواطنين الأردنيين واللاجئين

تركيا من جانبها تلح على أية تسوية مصحوبة بإعادة العلاقات التجارية بين البلدين. مصلحتها المباشرة تكمن في استثمار حاجة السوق السورية إلى السلع بعد خروج آلاف المنشآت والأراضي الزراعية عن الإنتاج بسبب الحرب. وتبقى فرصة التطبيع بين النظامين السوري والتركي بعيدة، فرغم ضغط الجانب الروسي في هذا الاتجاه مازالت هنالك عقبات لا توجد بوادر لتذليلها في الوقت الراهن.

وهناك جنوح نحو تحليلاتٍ خاوية في هذا السياق، فالمناخ السياسيّ لتسوية ملف اللاجئين السوريين في الوقت الراهن غير متوفر في ظل غياب إستراتيجية دولية للبت فيه، كما أن من مصلحة الرئيس الأسد الاستمرار في تشدده بعدم حله من أجل تخفيف الضغوط المالية عن كاهله، فضلا عن أنه يتيح إخفاء حالة التفكك التي تعيشها الساحة السورية.

موجز القول، إعادة بناء سوريا لن تكون مهمة سهلة، وستواجه تحديات كبيرة بسبب تمسك الطبقة الحاكمة الحالية بمصالحها. قد تكون المصارحة في تشخيص الواقع مؤلمة، في المحصلة يستشف بأن ما يجري للاجئ السوري هو أخطر من ذلك، وهو تذويب هؤلاء اللاجئين في الدول التي لجأوا إليها، ويندرج ذلك ضمن إعادة تشكيل الديمغرافيا والجغرافيا في الشرق الأوسط.

9