"الكل لديهم ساعات لا أحد لديه وقت".. طرح فلسفي مرح

مسرحية تجريدية للأطفال تبتعد عن سطوة الخرافة والوعظ المباشر.
السبت 2020/10/03
أسئلة حارقة عن الوقت وماهيته

يواصل المخرج والممثل المسرحي العراقي كريم رشيد رحلته في الفلسفة الوجودية عبر خشبة الفن الرابع، فيطرح في كل عمل جديد له مسألة جديرة بالتفكير والتحليل، وها هو يبحث في آخر أعماله المسرحية من مدينة مالمو السويدية في مسألة الوقت من منظور طفولي بحت.

مالمو (السويد) – يناقش الكاتب والمخرج العراقي السويدي كريم رشيد، في تجربته المسرحية الجديدة “الكل لديهم ساعات لا أحد لديه وقت”، مجموعة أسئلة فلسفية تدور في أذهان الأطفال، من بينها: ماهو الوقت؟ لماذا يكون سريعا أو بطيئا؟ هل يمكن لنا رؤيته أو الإمساك به؟ لماذا هو غامض ومتنوع؟ متى ينتهي ومتى يبدأ؟ هل يمشي أم يزحف أم يطير كما يقول الكبار؟

وتتعدّد الأسئلة الفلسفية التي جرت دراستها وتحليلها لتكون قريبة من وعي الطفل وإدراكه: هل الوقت ثقيل أم خفيف؟ هل هو ذاته موجود هنا وهناك وفي كل مكان؟ أين يذهب كل يوم؟ هل يمشي بمسارات مستقيمة أو دائرية؟ لماذا يشعر الكبار دوما أنهم على عجل؟ هل يمكن أن يكون هناك عالم دون ساعات؟ ماذا يحصل للوقت حينها وكيف يكون شعورنا به؟ هل يمكن الوصول إلى عالم لا يضطر فيه المرء إلى الركض واللهاث المتواصل؟

مراهنة على الطفل

يقول المخرج والممثل العراقي كريم رشيد عن مسرحيته الجديدة المنتجة من مسرح مالمو البلدي “هي نتاج بحث في إمكانية تقديم عروض مسرحية فلسفية وتجريدية للأطفال، وتحديد الفئات العمرية المناسبة لذلك، وإلى أي حد يمكن أن تكون تلك العروض تجريدية بعيدة عن سطوة الخرافات وقصص الحيوانات ومسرحيات الوعظ المباشر”.

ويضيف رشيد أنه بدأ التعامل مع هذا المشروع بتكليف من إدارة المسرح في مالمو منتصف العام الماضي، من خلال الاشتراك في ورشة عمل تدريبية عنوانها “ممثلون مؤلفون” على مدى أسبوعين، ضمّت فنانين معنيين بمسرح الطفل من سبع دول هي النرويج، الدانمارك، السويد، أوغندا، النيبال، بوركينافاسو والصين.

العرض العراقي- السويدي بدا محاولة مسرحية للتفكير في ماهية الوقت وحقيقته من زاوية نظر الأطفال في سن مبكرة

وقد تمّ فيها تبادل الخبرات المتعلقة بمسرح الطفل في ثقافات متنوعة، ومواجهة الأسئلة المعاصرة في حياة الأطفال. ثم انضم إليها فريق عمل من مسرح مالمو البلدي مكوّن من دراماتورج وكورغراف وفنانة موسيقية وتروبيين متخصّصين، ونظموا ورشات تحضيرية عديدة مع الأطفال الصغار هدفت إلى التعرّف على ما يعنيه الوقت عندهم، وماهي نظرتهم وشعورهم عندما يتعرضون للضغط النفسي الذي يواجهه الآباء والأمهات بسبب الوقت؟

وشرع رشيد عقب ذلك في تأليف نص “الكل لديهم ساعات ولا أحد لديه وقت”، وما إن انتهى منه حتى بدأ بإخراجه مع فريق من الممثلين والممثلات هم: سيلان ماريا، بوداك راش، آلكس ناكي وميثينه ونكتراكون، وفريق فني مكوّن من الكورغراف ليديا واس، ومصمّمة الملابس ساندرا هارلدسن، وفيليسيا آوليه في الدراماتورج، وجون كولون المختص في تقنيات الفيديو والموسيقى وسفين أيريك آندردسون في الإضاءة.

أصداء إيجابية

حظي العرض باهتمام الصحافة المحلية السويدية، فكتبت صحيفة “سكونا داك بلادت” في أحد أعدادها، قائلة “إنه عرض الأفكار الكبيرة والصغيرة عن مفهوم الوقت الذي شغل الذهن البشري.. لكن هل يمكن حقا أن نتحدّث عن مثل هذه المفاهيم التجريدية الصعبة للأطفال الصغار بعمر ثلاث إلى خمس سنوات؟”.

وتضيف الصحيفة “الإجابة نعم بالتأكيد، فالأطفال كما الكبار يتأثرّون بالوقت، ويتحسّسونه حتى لو أنهم لم يدركوا أبعاده.. الوقت مفهوم مرن للغاية يتشكّل حسب أحاسيسنا كما هو العرض المسرحي ‘الكل لديه ساعات لا أحد لديه وقت’، عنوان عبقري يقدّمه هذا العرض الذي يمتد ويتقلّص ويدور ويقفز مصطحبا معه الجمهور في كل هذه التحوّلات، ويلهمنا مادة للتفكير بماهية حقيقة الوقت، الذي لا يمكن لأحد أن يكون كبيرا جدا عليه أو صغيرا جدا عليه”.

كريم رشيد: الأطفال يتأثرون بالوقت حتى لو أنهم لم يدركوا معانيه
كريم رشيد: الأطفال يتأثرون بالوقت حتى لو أنهم لم يدركوا معانيه

أما صحيفة “سفينسكا داك بلادت”، الواسعة الانتشار، فقد نشرت مقالا عن العرض جاء فيه “يتناول المؤلف والمخرج كريم رشيد في هذا العرض أحد القواسم المشتركة في حياتنا جميعا كبارا وصغارا، إنه الوقت الذي نخضع له جميعا، حتى الأطفال الصغار سرعان ما يتعلمون من الآباء المسرعين والمضغوطين بعامل ‘التوتر’ معنى الإسراع لأن الوقت يمر على عجل”.

لكن ما هو الوقت؟ هل يمكن لنا الإمساك به وإدراكه؟ بصحبة تلك الشخصية المسرعة والقلقة دوما “مُسرع السريع”، حيث يبحث طفلان صغيران عن أرض كل الأوقات، هناك حيث لا يضطر أحد إلى القلق والعجلة، ولا يصاب الأهل بالهلع من الوقت، وهم يضطرون إلى الإسراع إلى رياض الأطفال لجلب أطفالهم في اللحظات الأخيرة من الدوام الرسمي. لكن الأطفال يتساءلون أيضا إن كانوا يريدون حقا البقاء هناك في بلاد كل الأوقات وإلى الأبد؟.

وكريم رشيد خريج معهد الفنون، وكلية الفنون في بغداد، وحاصل على شهادة الماجستير، كان يعمل مدرسا للمسرح في العراق قبل مغادرته إلى السويد، وهو ممثل أيضا أدّى العديد من الأدوار المتميزة في المسرح والسينما.

من أعماله الإخراجية داخل العراق “الأسلحة والأطفال”، و”حفار القبور والمومس العمياء” عن قصائد للسياب، و”الأقوى” لسترندبرغ، و”قطط” لأحمد الصالح، و”الحر الرياحي” للشاعر عبدالرزاق عبدالواحد، واشترك مع صلاح القصب في إخراج “حفلة الماس” لخزعل الماجدي.

أما في السويد فأخرج “أغاني مهيار الدمشقي” (ديوان شعر أدونيس)، و”أنا مالك مالمو”، و”ستيليت”، و”مشعلو الحرائق”، و”جلجامش” الذي أداه الممثل والمغني السويدي سفاين كريستيرسون بلغته، لكن بنكهة عراقية لم تستطع إخفاءها اللغة الأجنبية، وقدّم العرض أيضا في القدس ورام الله وأريحا وبيت لحم.

كما أخرجت له مديرة المسرح البلدي في مالمو بيترا بريلاندر نصه المسرحي “جئت لأراك” باللغة السويدية، وهو النص الفائز في مسابقة التأليف المسرحي التي نظمتها الهيئة العربية للمسرح في الشارقة عام 2011.

14