الكشف عن فضائيين

السلطات الأميركية في سيناريو محكم، تحاول إقناع الناس بوجود كائنات فضائية، وبمسلسل تشويقي مستمر.
وإن لم أكن متطرفة بوجهة نظري، إلّا أنّ ظهور شرذمات هنا وهناك، في وسائل الإعلام الرسمية، ومواقع التواصل الاجتماعي من مقاطع ومواقف وتصريحات حول وجود كائنات فضائية بشكل مستمر، ثم تنظيم مؤتمرات صحفية واستجواب لضُباط بشأن الأجسام المجهولة، كل ذلك ليس عبثا.
إنما من أساسيات توجيه الرأي العام، والتحكم بالناس من خلال الإعلام، بث رسائل قصيرة محددة بشكل متكرر. مثل مبدأ “قطرة الماء تحفر في الصخر، ليس بالعنف ولكن بالتكرار”.
لكن، يبدو أن الأمر لم يعد ممتعا، ولا أحد حقيقة يتفاعل مع تصريحات الحكومة الأميركية بقلق أو خوف أو اكتراث.
بداية، لعل الولايات المتحدة تنسى أن النظام الرأسمالي القاسي السائد في عصرنا الحالي، جعل المجتمعات البشرية تعاني من أزمات حقيقية على أرض الواقع، اقتصادية في المقام الأول، وسياسية واجتماعية وأمنية، إضافة إلى أزمات فكرية ثقافية حقيقية.
كل تلك الأزمات، تجعل من الحياة اليومية صعبة، مليئة بالتحديات. فالمواطن سواء في دول العالم الأول أو الثالث، بات يعاني على حد سواء في الحصول على فرص العمل، والحصول على المال الذي يؤمّن له متطلباته من دفع إيجار، والحصول على الطعام، والتعليم، والصحة وغيرها. حتى من الكماليات التي باتت بفعل العولمة متطلبات أساسية للغالبية العظمى.
من أساسيات توجيه الرأي العام، والتحكم بالناس من خلال الإعلام، بث رسائل قصيرة محددة بشكل متكرر. مثل مبدأ "قطرة الماء تحفر في الصخر، ليس بالعنف ولكن بالتكرار"
ثم، المجتمعات لم تتعاف حتى اليوم من تداعيات كورونا، التي ساهمت في هدم حاضر الكثيرين، وجعلت من المؤسسات والشركات تتبنى فكرة التقشف، وتعزيز مبدأ قلة الموارد والفرص. وإلى يومنا هذا ما زال الناس يحاولون تعويض ما فاتهم وخسروه خلال سنوات كورونا.
لم نفهم بعد ما حصل، وكيف حصل، ومتى بدأ وكيف انتهى؟ لم نجد الكثير من الإجابات، أو أيّ تفسيرات مقنعة وواضحة حول أيّ جهة كانت مسؤولة عمّا حدث.. اللقاحات مثلا وتأثيرها الصحي على الناس، هل كانت هناك أيّ حاجة فعلية لفرض حظر تجول عالمي، وخسارة الناس لوظائفهم، وتباعد الناس عن بعضهم؟
ولنعرّج على الأزمات السياسية التي تعاني منها الكثير من الدول، والصراع على السلطة والثروات المستمر، الذي أصبح من الصعب السيطرة عليه مؤخرا.. كان تدمير الدول سهلا وما زال، ويبدو أن بناء أيّ من الدول التي تم إحراقها وهدمها صعب.
ما زالت مستمرة الانقلابات والتظاهرات في العديد من بقع الأرض.. الشرق الأوسط، طبعا، الذي لا يهدأ. وأفريقيا المتألمة، التي تستبيح مواردها الشركاتُ المستعمرة. وأوروبا التي تعاني من أزمات اقتصادية، وتصاعد في الأحزاب اليمينية، والتطرف، والعنصرية. أزمة أوكرانيا – روسيا.. وغيرها الكثير.
علاوة على الأزمات الاجتماعية والظواهر الشاذة التي تظهر في المجتمعات، وتراجع الأمن بشكل ملحوظ في العديد من الدول.
لم تعد الحروب بعيدة عن أحد، ولم تعد الفوضى تخص العالم الثالث فقط، كما كان يُعتقد.
ناهيك طبعا عن الأزمات المُناخية؛ ارتفاع درجات الحرارة، الحرائق التي قد تكون غالبا “مُفتعلة”، ويطول النقاش والجدل بشأنها. والتغير المُناخي الذي بات يخيم فوق رؤوس الناس وسط الكم الهائل من التحديات اليومية للمواطن التي تُثقل كاهله، خاصة في الدول التي لا تتوفر بها الكهرباء والبنية التحتية السليمة، في ظل أزمة طاقة عالمية.
لن أنسى طبعا، الحرب الثقافية الفكرية التي تشنها جهات غربية، بنشرها وترويجها قيما غريبة وفرضها على كافة المجتمعات.
المواطن اليوم بات يحارب على كافة الجبهات، ليحصل على قوت يومه، أمنه، حماية أطفاله من الأفكار التي تريد تفتيت مفاهيم الأسرة وضرب المجتمع في الصميم.
إن تأملنا العالم في عام 2023.. نجد الأمر فوضويا ومريبا، والحياة ليست سهلة حقيقة.
لست متشائمة، لكن بعيدا عن كذب مواقع التواصل الاجتماعي ودجلها والصورة التي يُروّج لها الناس عن أنفسهم، وبعيدا عن “النخبة” التي أرهقتنا بمشاكل العالم الأول التي تُعاني منها، فإن “العامة”، أي نحن، الحياة بالنسبة إلينا أصبحت مليئة بالتحديات اليومية، الاقتصادية والنفسية.
في ظل كل هذه الأزمات لماذا علينا الاكتراث بالفضائيين؟ وماذا ستقدم الكائنات الفضائية لنا مثلا؟
حتى وإن وُجدت. هل ستساعدنا في حل أزمات المجتمعات؟ وهل ستقدم لنا يد العون وتنقلنا إلى عالم أفضل؟
هل ستعيد إحياء العراق وسوريا وتخلص النساء في أفغانستان من واقعهن المُريب؟ وماذا عن إعادة الأمن والأمان للسودان واليمن؟
أم أنها ستكون وسيطة في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، أو الأزمة الروسية – الأوكرانية؟
هل سيقضي الفضائيون علينا بالنووي، أم أن جنون الإنسان وجنوحه سيقضيان على الجنس البشري يوما ما؟
طبعا، السؤال البديهي هو: لماذا تظهر الكائنات الفضائية في الولايات المتحدة فقط؟
أعتقد، مهما بدا لجهات ما في هذا العالم أن لديهم القدرة على تغييب العامة، وقيادتها إلى الجحيم ومصيرها المجهول، أن المجتمعات البشرية باتت أكثر وعيا، وأكثر إدراكا للفوضى التي تتسبب بها الحكومات.
نحن نعيش في عصر مختلف، وكأننا صعدنا من عالم ثلاثي الأبعاد إلى عالم رباعي الأبعاد، حيث بتنا ننظر للحياة ولواقعنا بالبصر والبصيرة.
الشركات تريد أرباحا أكثر. بتنا نعيش في “مول” كبير، كُتب على كل لافتة وكل زاوية فيه: اشتر، استهلك، ادفع.. ماذا علينا أن نفعل أكثر.. أن ندفع مقابل الهواء؟
وبالرغم من المحاولات البائسة لجهات كثيرة لإخفاء الكثير من المعارف وتوجيه المعرفة، إلا أن هناك صحوة لا بأس بها بدأت منذ زمن. وسواء اختلفنا أو اتفقنا مع كل ما يتم طرحه، المهم، أن العصف الذهني للوعي البشري الجمعي عاد، والأسئلة عادت تُطرح من جديد. وحين يُفكر الإنسان، تكون بداية التغيير.
ربما ظنوا أن العولمة بأدواتها من وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام ستتكفل في تنويم المجتمعات مغناطيسيا وقيادتها إلى حتفها. وبفرض الرقابة المشددة واختراق خصوصية المواطنين، تتم السيطرة على المجتمعات البشرية بشكل أيسر.
لكن، لا أعرف إن كانوا أيضا على دراية بالتأثير الإيجابي لهذه الأدوات على المجتمعات، بتسهيلها تبادل المعرفة والأفكار، وحجم الصحوة النفسية والعلمية والعقلية والروحانية، وزيادة الوعي والإدراك للملايين من الناس.
مسرحيات تلو مسرحيات.. لا أفهم حقيقة تلك “السلطات” بماذا تفكر، ولا أين تريد أن تصل؛ هل تريد تخفيف عدد السكان، أم تريد القضاء على الجنس البشري والاستيلاء على العالم والعيش لوحدها؟
أم أنّ هناك فعلا أحلام يقظة للحكومات بالانتقال والعيش في عالم جديد بعيدا عن “العامة”، وكأنها ليست مفصولة نفسيا وذهنيا وجسديا من الأساس عن العامة ومشاكلهم.
لم أفهم يوما إلى أيّ مدى يمكن أن يصل الإنسان في جحوده وتطرفه وتمرده؟ ولماذا؟ ولأجل ماذا؟
هل لأن قيادة “عامة” مغيبة أسهل؟ أم لأن المسرحيات مرتبطة ببعضها البعض؟
هل سنشهد عودة المسيح قريبا، واستخدام تقنيات تكنولوجية متقدمة لتزييف ذلك؟ قد يكون من السخف والبلاهة سؤالي، لكن لا أستبعد أيّ شيء بعد الآن.
الشركات تريد أرباحا أكثر. بتنا نعيش في “مول” كبير، كُتب على كل لافتة وكل زاوية فيه: اشتر، استهلك، ادفع..
ماذا علينا أن نفعل أكثر.. أن ندفع مقابل الهواء؟
لم أعد أؤمن بأيّ من التصريحات.. فغالبا أنصاف الحقائق تُقال، والكثير من الدجل يُروّج له، والكثير من الجهات لا تريد إيجاد حلول حقيقية، بل هناك مقصد من تعقيد الواقع، وتأزيم المشهد.
وها نحن نراقب وننتظر لنرى إلى أيّ مُنتهى يريدون سحبنا.