القضاء التونسي يلاحق دوليا 12 شخصا أبرزهم رئيس حكومة سابق

أعلن القضاء التونسي إصدار بطاقات جلب دولية ضد مسؤولين سياسيين في أحزاب وحكومات سابقة، موجودين خارج البلاد منذ فترة، في خطوة يرى مراقبون أنها تبرهن مرة أخرى على توجه السلطة بعد إجراءات 25 يوليو 2021 إلى تفكيك منظومة الفساد ومحاسبة من استهدفوا هيبة الدولة.
تونس - أصدر قاضي التحقيق الأوّل بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب في تونس والمتعهّد بالبحث في قضيتَي “تكوين وفاق إرهابي” و”التآمر على أمن الدولة” بطاقات جلب دولية في حقّ 12 شخصا من بينهم رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، حسب ما ذكرت وسائل إعلام محلية مساء الثلاثاء.
ويقول مراقبون إن ذلك يأتي في إطار مسعى السلطات التونسية للكشف عن خفايا التآمر على أمن الدولة وممارسات الفساد خلال العشرية الماضية، أو ما بات يعرف في البلاد بـ”العشرية السوداء”.
وقالت حنان قداس المتحدثة باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب “إصدار مذكرات جلب (اعتقال) دولية في حق 12 شخصا هاربا، ثبت تواجدهم جميعا خارج التراب التونسي”، حسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية التونسية.
وأضافت في تصريح إعلامي إن من بين الأشخاص المشمولين بالقرار يوسف الشاهد رئيس الحكومة الأسبق (2016 – 2020)، ومعاذ الخريجي ابن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ونوابا سابقين ومسؤولين سابقين مثل كمال القيزاني، وماهر زيد، ولطفي زيتون، وعبدالقادر فرحات، وغيرهم.
ولم تتطرق قداس في تصريحاتها إلى تفاصيل قضيتي “تكوين وفاق إرهابي، والتآمر على أمن الدولة”، لكن هناك أشخاصا آخرين موقوفين منذ أشهر، على ذمة القضيتين بينهم سياسيون ووزراء سابقون ورجال أعمال.
وكانت وكالة الأنباء التونسية نقلت الثلاثاء عن متحدثة باسم محكمة، أن الـ12 شخصا الذين صدرت بحقهم بطاقات الجلب الدولية موجودون الآن خارج البلاد.
ومنذ فبراير الماضي، نفذت السلطات في تونس حملة توقيفات واسعة طالت قيادات من الصف الأول في حزب النهضة ورجال أعمال وناشطين سياسيين، من بينهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي (81 عاما).
وفي الوقت الذي يُتهم فيه الموقوفون بـ”التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”، تعتبر منظمات حقوقية تونسية ودولية أن حملة الاعتقالات “تصفية لحسابات للقضاء على الخصوم السياسيين”.
وما يلفت الانتباه في القائمة الجديدة أنها ضمت نادية عكاشة مديرة الديوان الرئاسي سابقا، التي سبق أن قالت على صفحتها الرسمية على فيسبوك إنه “تم الزج باسمها داخل قائمة (أشخاص)، لا يمكن أن يجمعها بهم أي شيء”.
وأضافت “آثرت منذ استقالتي احترام واجب التحفظ، وابتعدت لعدة أسباب، ولكني سأعود وسأدلي بما لدي حتى يعلم التونسيون من الخائن ومن المتآمر”.
وكان يُنظر إلى عكاشة على أنها “شخصية مقربة للرئيس قيس سعيد”، حتى تركت منصب مديرة مكتبه العام الماضي، وانتقلت إلى فرنسا قبل ظهور تسجيلات صوتية مسربة تنتقد فيها سعيد بشدة.
بينما يُتهم الموقوفون بالتآمر على أمن الدولة تعتبر منظمات حقوقية أن حملة الاعتقالات تصفية لحسابات سياسية
وأفاد المحلل السياسي طارق الكحلاوي “لا نملك ما يكفي من المعطيات في هذه الملفات، وربما هي إجراءات من النيابة العمومية، ولكن هناك قائمة تضمنت أغلب هذه الأسماء (التنظيم الخاص بحركة النهضة)، وما يجمع بينها هو التشارك في السلطة وأخرى في التنظيم الحزبي”.
وقال الكحلاوي لـ”العرب”، “هذه أول مرة يتم فيها توجيه التهم بهذا الشكل لرئيس حكومة (يوسف الشاهد)، الذي كان غير معاد للرئيس سعيد وظلّ صامتا لفترة طويلة”.
وأصدر القضاء التونسي بطاقة إيداع بالسجن بحق الوزير السابق ومؤسس شركة “سيفاكس للطيران” محمد فريخة في قضية على صلة بتهم تتعلق بالفساد وتم فيها أيضا توجيه الاتهام إلى رئيس مجلس شورى النهضة عبدالكريم الهاروني، وزير النقل السابق في عهد الترويكا.
ويتهم الرئيس التونسي الموقوفين بـ”التآمر على أمن الدولة، والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار”، لكن المعارضة تتهمه في المقابل باستخدام القضاء لملاحقة الرافضين للإجراءات الاستثنائية التي فرضها في 25 يوليو 2021، التي ترتب عنها حل البرلمان السابق والمجلس الأعلى للقضاء.
وقال الناشط السياسي، حاتم المليكي “ليست المرة الأولى التي يتم فيها إصدار بطاقة جلب في الشخصيات المذكورة، حيث سبقت أن صدرت بطاقات جلب دولية في شخصيات أخرى في 2011 ولم يتم تنفيذها على غرار الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي”. وأضاف لـ”العرب”، ” كل الحكومات السابقة رفعت شعار مكافحة الفساد، لكنها لم تحقق نتائج”، متسائلا “هل تخوض تونس عملية إصلاح حقيقية؟”.
وأعادت السلطات التونسية فتح “قضية بنما” التي اتهم فيها مسؤولون سابقون. وقال الناطق باسم محكمة الاستئناف بتونس الحبيب الترخاني مساء الثلاثاء في تصريح لوكالة الأنباء التونسية إن النيابة العمومية تولت فتح تحقيق بالقطب القضائي المالي والاقتصادي ضد كل من سيكشف عنه البحث في خصوص ما يعرف بقضية “بنما” أو “أوراق بنما”، والمتعلقة بتهريب الأموال في الملاذات الضريبية.
وقال إن فتح البحث يأتي في “إطار حماية الاقتصاد الوطني ومكافحة جرائم الفساد المالي والإداري” موضحا أن القضية “من القضايا المتشعبة والتي يتطلب البحث فيها القيام بجملة من الاختبارات الضرورية خصوصا وأن معظم تلك الأموال هرّبت باعتماد شركات وهمية والتحايل على القانون”.
واعتبر الكحلاوي أن “قضية ما يعرف بأوراق بنما، مختلفة ويمكن أن تهم سياسيين، وإذا ما فتح هذا الملف بصفة فعلية، فهو خطوة في اتجاه فتح ملف حساس في موضوع الفساد، نظرا لتقاطع السياسي بالمالي فيه”.
وتعود القضية إلى سنة 2016 بعد تسريب معطيات بشأن تورط عدد من الشخصيات السياسية والمالية إضافة إلى محامين وشركات في تهريب أموال حيث دفعت الفضيحة البرلمان إلى تشكيل لجنة بحث لم تكشف عن نتائج تحقيقاتها.