القضاء التونسي يحقّق في ملف الهبات والقروض المسندة إلى تونس بعد 2011

الحكومات السابقة عرقلت استثمار الأموال الخارجية.
الأحد 2023/03/19
معرفة شبكات تبديد الأموال الحكومية مهمة مستحيلة

القضاء التونسي تحرك أخيرا للبحث في ملف الدعم المالي الخارجي الذي حصلت عليه تونس بعد ثورة 2011، وهو المطلب الذي تطالب به الجمعيات المدنية والحقوقية من أجل معرفة مآل الأموال الممنوحة وطرق صرفها وأوجه الفساد التي شابتها.

تونس - بدأت السلطات التونسية التحقيق في ملف الهبات والقروض الخارجية المسندة إلى تونس بعد ثورة يناير 2011، وسط دعوات للتدقيق في مجالات صرف تلك الأموال وكشف الحقائق المتعلقة بها. وأثارت القروض والهبات، التي حصلت عليها البلاد في إطار إنعاش اقتصادها المأزوم خلال العشرية الماضية، جدلا واسعا، خصوصا وأن حصيلة الإنجازات التنموية لم تكن في مستوى تطلعات الفئات الشعبية.

وأفاد عبدالرزاق الخلولي رئيس المكتب السياسي لحراك 25 يوليو الأحد أنّه “تم فتح تحقيق لدى القطب القضائي المالي في ملف فساد يتعلق بالهبات والمساعدات الدولية وصندوق 18 – 18 الخاص بجائحة كوفيد.” وقال في تدوينة على صفحته بفيسبوك "النيابة العمومية تأذن بفتح تحقيق لدى القطب القضائي المالي في ملف فساد يتعلق بالهبات والمساعدات الدولية وصندوق 18 - 18 الخاص بجائحة كوفيد، إذ بلغت قيمة المساعدات والتبرعات 16 مليون دينار (5.3 مليون دولار) وفق مصادر وتقارير رسمية، وعليه تمت إحالة عبداللطيف المكي وفوزي مهدي وإنصاف بن علية (وزراء ومسؤولون سابقون في قطاع الصحّة) على القضاء، إضافة إلى كل من سيكشف عنه البحث".

خليفة الشيباني: الهبات والقروض كان عنوانها تحسين الأوضاع لكن البنية التحتية تدهورت والأوضاع الاجتماعية ازدادت سوءا
خليفة الشيباني: الهبات والقروض كان عنوانها تحسين الأوضاع لكن البنية التحتية تدهورت والأوضاع الاجتماعية ازدادت سوءا

وحصلت تونس في السنوات الأخيرة على جملة من الهبات والقروض لإنعاش الاقتصاد والقيام بمشاريع تنموية أو لتعبئة موارد الموازنة، لكن الحكومات المتعاقبة على السلطة منذ 2011 لم تحسن توظيفها في إيجاد فرص عمل ودفع نسق التنمية، وفق المتابعين للشأن التونسي. وبحسب تقديرات الخبراء، تفوق قيمة القروض التي تحصّلت عليها تونس بعد 2011 الـ100 مليار دينار (35 مليار دولار) تقريبا.

وطالب مراقبون سياسيون بضرورة محاسبة المتورطين في تلك التجاوزات وإهدار المال العام وإهمال مصالح الشعب التونسي، علاوة على تحمّل الجهاز القضائي لمسؤولياته والكشف عن الحقائق المتعلقة بها.

وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني أن “آلاف المشاريع معطلة منذ 2011 والسلطات تقول إنها ستوفّر حينها 50 ألف فرصة عمل، وبعد أخذ الهبات والقروض الخارجية لم نر إنجازات، والآن حان الوقت لمعرفة مصير الآلاف من المليارات من 2011 وصولا إلى فترة جائحة كورونا".

وقال لـ"العرب"، “لا بدّ من القيام بعملية جرد في كل مؤسسة، وهناك 4 آلاف مسكن شعبي لا نعرف مآلها إلى حدّ الآن، والسلطات مطالبة بفتح كل الملفات الكبرى على غرار ملف التعويضات". وتابع الشيباني "الهبات والقروض كان عنوانها تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، لكن البنية التحتية تدهورت والأوضاع الاجتماعية ازدادت سوءا، وأصبح البعض ثريّا جدا".

وفضلا عن ملف الهبات والقروض، دعا الشيباني إلى "فتح ملف اللوالب الفاسدة وحادثة موت الرضّع، ومبالغ العفو العام، وكل تلك الأموال الطائلة التي تلقتها تونس في الـ12 سنة الماضية، فضلا عن الانتدابات التي تمت في الوزارات والمؤسسات".

وفي أغسطس من العام الماضي، أعلنت الرئاسة التونسية عن رصد إخلالات رافقت صرف القروض والهبات الخارجية المسندة إلى الدولة والمؤسسات العمومية خلال السنوات العشر الأخيرة. وبحث الرئيس قيس سعيد خلال لقاء جمعه برئيسة الحكومة نجلاء بودن التقرير الذي أعدّته وزارة المالية حول نتائج مهمة جرد وضبط تلك القروض والهبات.

◙ مساعدات لم يصل حتى النذر القليل لهؤلاء
◙ مساعدات لم يصل حتى النذر القليل لهؤلاء 

وسبق أن طالب سعيّد بعمليات جرد لهذه القروض بعد اتهامات مبطنة للحكومات التي تولت السلطة منذ بدء الانتقال السياسي في عام 2011 بالتورط في فساد مالي، وقال في خطاباته إن "القروض والهبات التي تلقتها الدولة طيلة تلك الفترة لم يكن لها أثر على التنمية والأوضاع المعيشية للتونسيين". وأفاد بيان للرئاسة بأن “التقرير الذي أعدته وزارة المالية كشف عن العديد من الإخلالات مما تسبب في تحمل موازنة الدولة لفوائد وخسائر صرف دون موجب في العديد من الحالات".

وأفاد محمد صالح الجنّادي خبير اقتصاد وعلوم مالية ومصرفية أنه “لا بدّ من معرفة طرق التصرّف في الهبات والقروض والقيام بعملية جرد من قبل البنك المركزي، لأنه لو كانت ترصد تلك الأموال لإنجاز مشاريع تنموية لرأينا نتائج واضحة على أرض الواقع". وأوضح في تصريحات لـ"العرب"، "يجب القيام بعمليات تقنية في الملف قبل الالتجاء إلى القضاء، لمعرفة مجالات استغلال تلك الأموال، فضلا عن التحليل المالي لكل الموازنات بعد 2011، واختيار عدد من الخبراء للاشتغال على هذا الملف".

◙ ضرورة فتح ملف اللوالب الفاسدة وحادثة موت الرضّع، ومبالغ العفو العام، وكل الأموال الطائلة التي تلقتها تونس

وسبق أن قال الخبير في الاقتصاد معز حديدان في تصريح إعلامي إن "تونس تحصلت على 42.4 مليار دولار من القروض و1.7 مليار دولار من الهبات خلال 10 سنوات، من بينها 17 مليار دولار كقروض داخلية و25.4 مليار دولار كقروض خارجية".

كما أكد الخبير المالي بسام النيفر أنّ تونس سدّدت بين 2011 و2021 حوالي 31.7 مليار دينار (10.17 مليار دولار) كقروض خارجية كأصل دين و10.8 مليار دينار (3.47 مليار دولار) كفائدة على هذا الدين".

وقال في تصريح لإذاعة محليّة إنّ "نسبة القروض التي تحصلت عليها تونس من 2011 إلى 2021 بلغت 56.5 مليار دينار (18.13 مليار دولار)، وهو مبلغ كبير، وقد تم صرف هذه القروض كما يلي: 31.1 مليار دينار (9.98 مليار دولار) لدعم الموازنة و7.6 مليار دينار (2.44 مليار دولار) في مشاريع الدولة، 1.8 مليار دينار(0.58 مليار دولار) لدعم المؤسسات العمومية". وأوضح بسام النيفر أن "تونس تحصلت على هبات بين 400 و500 مليون دينار (128.36 مليون دولار و 160.45 مليون دولار) سنويًا على امتداد 10 سنوات".

وفي العام 2019 أثار سفير الاتحاد الأوروبي في تونس باتريس برغاميني جدلا واسعا عندما قال إن “بروكسل منحت السلطات التونسية منذ أحداث ثورة الرابع عشر من يناير ما قيمته 10 مليارات يورو، (ما يعادل 30 مليار دينار بالعملة التونسية) خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2017 في إطار هبات وقروض".

وسبق أن دعا الرئيس قيس سعيّد إلى ضرورة معرفة “مآل القروض التي جاءت من الخارج” قائلا إن “المليارات تم ضخها في تونس، ولكن لا أثر لها في الواقع وسيتحمل أيضا في هذا المجال كل شخص مسؤوليته”. وأكد أن مكافحة الفساد المتفشي في مؤسسات الدولة ستكون أولوية في عمل الحكومة الجديدة، خصوصا مع ما تعيشه تونس من وضعية مالية صعبة.

ويتطلّع التونسيون إلى كشف الحقائق المتعلقة بتلك الأموال، إضافة إلى فتح ملفات أخرى. وفي وقت سابق دعت جهات قضائية إلى ضرورة نشر التقرير المتعلق بتلك التجاوزات للرأي العام في إطار من الشفافية، فضلا عن ضرورة تمكين القضاء من الآليات والوسائل اللازمة لفتح تلك الملفات والذهاب فيها بعيدا بكشف الحقائق ثم المحاسبة. وأفادت روضة القرافي الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين أن "المحاسبة يفترض ألاّ ترتبط بفترة سياسية معينة، بل بدولة القانون والمؤسسات، ولا بدّ من دعم القضاء لتحقيق نتائج جيّدة وكشف الحقائق المتعلقة بالملف".

2