القضاء التونسي يحقق في عمليات تزوير لوثائق مدنية رسمية لصالح إرهابيين

فتح القضاء التونسي ضدّ موظّفين بأجهزة الدولة تحقيقا في عمليات تزوير وثائق مدنية رسمية لجنسيات أجنبية بهدف ارتكاب جرائم إرهابية بين سنتي 2015 و2019، في وقت يؤكّد فيه الخبراء والمراقبون تنامي الأنشطة المتعلقة بالإرهاب مع وجود حاضنة إدارية وسياسية متغلغلة في مفاصل الدولة تعمل على إدامة هذه الأنشطة.
تونس - ذكرت وسائل إعلام تونسية الأربعاء أن قاضي التحقيق في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب بتونس قرر الإبقاء على القنصل التونسي السابق في سوريا بحالة سراح، فيما أصدر بطاقة إيداع بالسجن في حق مدير مكتب الأعمال التونسي بدمشق، وذلك على خلفية قضية تزوير وثائق مدنية رسمية لجنسيات أجنبية بهدف ارتكاب جرائم إرهابية.
ووفق وسائل إعلام محلية فإن "قاضي التحقيق أنهى في حدود الساعة الرابعة من فجر الأربعاء استنطاق سبعة من أعضاء الشبكة المورّطة في افتعال الجنسية التونسية وبيعها إلى سوريين وغيرهم، وافتعال جوازات سفر وبطاقات هوية لفائدتهم مقابل مبالغ مالية قدرت بالآلاف من الدولارات عن الجنسية الواحدة".
وأضافت أن قاضي التحقيق أصدر بطاقتي إيداع بالسجن في حق اثنين من المحتفظ بهم، من بينهم مدير مكتب الأعمال التونسي بدمشق، فيما قرر الإبقاء على خمسة من المحتفظ بهم في حالة سراح، من بينهم القنصل التونسي السابق، مشيرة إلى أنه أجّل استنطاق سبعة أشخاص آخرين أحيلوا على أنظاره إلى الخميس الخامس والعشرين من نوفمبر.

وكانت محكمة تونس العاصمة أعلنت الثلاثاء عن إحالة تحقيقات على النيابة العامة بشأن شبهة ارتكاب موظفين في مؤسسات الدولة وفي قنصلية تونس بسوريا عمليات تزوير وثائق مدنية رسمية لجنسيات أجنبية بهدف ارتكاب جرائم إرهابية.
وأفاد بيان مكتب الاتصال بالمحكمة، نُشر في وسائل الإعلام المحلية، بأن التحقيقات شملت أربعة عشر موظفا تتعلق بهم شبهة ارتكاب مخالفات مثل تزوير شهادات ميلاد وهويات رسمية وشهادات جنسية وجوازات سفر، خلال الفترة الفاصلة بين عامي 2015 و2019.
ويواجه المتهمون جرائم مثل تيسير دخول أشخاص إلى التراب التونسي بصفة قانونية أو خلسة بهدف ارتكاب جرائم إرهابية، بالإضافة إلى استخدام طوابع السلطة في ما هو مضر بالغير وافتعال واستعمال شهادة إدارية وقبول هدايا أو منافع.
ويرى محللون وسياسيون أن هذه القضية هي من مخلفات حكم المنظومة التي قادتها حركة النهضة بين 2011 و2012، والتي تتهم بالتساهل مع أنشطة المتطرفين والسكوت عن موجة التسفير التي طالت المئات من الشبان التونسيين إلى ليبيا وسوريا.
وأضافوا أن ضعف حكومة الترويكا (حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل) وتساهلها في ضبط الوضع الأمني ساهما في تزايد التجاوزات الإدارية وممارسات الفساد التي خدمت مصالح شبكات المتطرفين.
وأفاد القاضي السابق في المحكمة الإدارية أحمد صواب بأن “حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية تمكنا من السلطة بعد 2012 ووظفا أشخاصا قريبين منهما في أجهزة الدولة وفي السفارات والقنصليات" دون مراعاة الاعتبارات الأمنية والخبرات الدبلوماسية.
وأضاف صواب لـ"العرب" أن "هناك حاضنة إدارية وسياسية للإرهاب في تونس، وبيع جوازات السفر تزامن مع وجود نشاط تنظيم داعش الإرهابي في سوريا".
وساهم هذا التساهل في "انتشار العمليات الإرهابية والاغتيالات السياسية التي طالت بعض الرموز والعسكريين والأمنيين، فضلا عن عدد الإرهابيين في بؤر التوتر مثل سوريا وليبيا"، حسب ما أكده زهير حمدي أمين عام التيار الشعبي.

وأوضح لـ"العرب" أن "ما تم الكشف عنه اليوم هو بسيط جدا مقارنة بما خفي، وعندما يتحرّر القضاء والسلطة السياسية من الاختراقات سنكتشف كما هائلا من التجاوزات".
ودعا الناشط السياسي إلى "فتح كل الملفات المتعلقة بالسنوات الماضية، خصوصا مع وجود عدة مؤشرات تؤكد بداية تحرر القضاء".
وسبق أن أعلنت السلطات التونسية عن تفكيك خلية مختصة في بيع الجنسية التونسية لمتشددين سوريين، ليتمكنوا من الإقامة في تونس أو التنقل إلى دول أوروبية تعتمد إجراءات مشددة لاستقبال السوريين.
وقالت إن "فرقة مكافحة جرائم الإرهاب تمكنت من إلقاء القبض على عناصر العصابة التي باعت مؤخرا جوازات سفر وبطاقات هوية تونسية لعدد من السوريين، بينهم متشددون".
وتم القبض على أفراد الخلية التي تبيع الجنسية التونسية بأكثر من أربعين ألف دولار، بعد ثلاث سنوات من متابعة نشاط وتحركات عناصرها، في عملية انطلقت عام 2018.
وكشفت التحقيقات أن تونسيا من أصول سورية يتزعم المجموعة التي تعمل عناصرها في عدد من الوزارات، من بينها وزارات الخارجية والداخلية والعدل، علاوة على عدد من الدوائر التابعة لوزارة الجماعات المحلية، حيث يقوم أفرادها باستخراج الوثائق اللازمة للجنسية وبيعها للراغبين في الحصول عليها.
وأشارت إلى أن المعطيات تؤكد أن وثيقة الجنسية التونسية التي تصدر عن وزارة العدل، والمسندة إلى أحد المستفيدين، لا يتم تسجيلها بمصالح الضبط الخاصة بوزارة العدل حتى لا يُكتشَف الأمر، مضيفة أن التحقيقات جارية للكشف عن المزيد من المتورطين في هذه الشبكة، وذلك بالتنسيق مع جهات أمنية دولية.
وقدرت السلطات التونسية عدد من تورطوا في نزاعات بالخارج بنحو ثلاثة آلاف أغلبهم في سوريا، ولكن لا توجد أرقام رسمية بشأن من انتفعوا من الأجانب بعمليات التزوير.
وتحقق تونس منذ سنوات في قضايا ترتبط بشبكات تسفير تونسيين إلى مناطق النزاع في الخارج منذ 2011.