القاهرة تفتح جبهة العجز المزمن في صناديق المعاشات

"معاشي" أول مؤسسة مالية مصرية تستثمر في مجال التقاعد، ومحاولات لسد عجز صناديق المعاشات البالغ 35 مليار دولار.
الاثنين 2018/10/01
في ترقب إصلاح نظام المعاشات

القاهرة – دخلت صناديق الاستثمار المصرية أخيرا مجال التقاعد، بعد أن سمحت السلطات لأول مؤسسة مالية تعمل في هذا المجال تحت اسم “معاشي” بالنشاط في البلاد لإخراج صناديق المعاشات من دوامة المشاكل التي تعاني منها.

وتحاول القاهرة من خلال التراخيص لهذه الصناديق الجديدة فتح جبهة العجز المزمن في صناديق المعاشات، حيث تستنزف أموالها جزءا كبيرا من موازنة الدولة بسبب عدم قدرة الحكومة على استثمار هذه الأموال بطريقة مجدية، وفي قطاعات تزيد من هامش العوائد.

ووصلت قيمة تحويلات الحكومة لصناديق المعاشات خلال العام المالي الحالي نحو 3.9 مليار دولار بزيادة قدرها 31.5 بالمئة عن العام الماضي.

ويصل إجمالي ديون الحكومة المتراكمة لصناديق المعاشات نحو 35 مليار دولار، ما يكبد الموازنة فوائد تقدر بنحو 1.7 مليار دولار سنويا، وهي قيمة صكوك تصدر سنويا لصالح هذه الصناديق حتى تتمكن من دفع الرواتب الشهرية للمتقاعدين.

ياسر عمارة: اتجاه الحكومة لإسناد أموال المعاشات لصناديق استثمار سيزيد عوائدها
ياسر عمارة: اتجاه الحكومة لإسناد أموال المعاشات لصناديق استثمار سيزيد عوائدها

وقال أحمد أبوالسعد العضو المنتدب لشركة “رسملة مصر” لإدارة الأصول التي أطلقت صندوق “معاشي”، لـ”العرب” إن “أموال المعاشات في العالم تستثمر باحترافية عالية في أدوات الاستثمار المختلفة، لكن الحالة المصرية تغرد خارج السرب”.

وأوضح أن الحكومة تستثمر نحو 1 بالمئة من المعاشات الحكومية في البورصة المصرية، وهي نسبة منخفضة للغاية، وسجل العائد على هذه النسبة أرباحا مضاعفة.

ويتم استثمار 15 بالمئة من أموال الصندوق في الأسهم، أما النسبة المتبقية تتوزع على أدوات الدين، والودائع المصرفية، لتحقيق عوائد من أسعار الفائدة المرتفع بالسوق المصرية، إضافة إلى زيادة الأرباح عبر الاستثمار بالأسهم.

ويركز صندوق “معاشي” في مرحلة الأولى على استثمار أموال المعاشات بالقطاع الخاص، نظرا لمرونة التعامل معه بعيدا عن البيروقراطية الحكومية.

وأشار أبوالسعد إلى أن الصندوق يهدف لضمان استثمار تلك الأموال مع تحقيق معدل عائد مرتفع وتعزيز الاستثمارات بالبورصة ومن المتوقع أن يجذب استثمارات عربية وأجنبية، خاصة أنه مسموح لأي صناديق عربية أو جنبية، أن تستثمر في رأسمال الصندوق الجديد.

وقال إن “الاكتتاب في الصندوق مستمر حاليا، وهناك إقبال جيد على الاستثمار في الصندوق، من جانب المؤسسات وصناديق التأمين الخاصة، ومنتظر أن تتم تغطية الاكتتاب خلال فترة قصيرة ولن تستغرق شهرين”.

وتسبب اتجاه القاهرة للتأمين على العاملين لصالح صندوق المعاشات بنحو 40 بالمئة من الأجر التأميني في تردي نظام المعاشات وزيادة معاناة المصريين خاصة بعد تعويم الجنيه.

وتنقسم رواتب جميع الموظفين في القطاعين العام والخاص بمصر، إلى جزئين، راتب أساسي أو ثابت وهو ضعيف جدا ويبدأ في معظم المؤسسات من 28 دولارا، ثم باقي المرتب الشهري ويندرج تحت الأجر المتغير.

وينص قانون التأمينات والمعاشات  المصري على تحمل صاحب العمل حصة قدرها 26 بالمئة من الراتب الأساسي لصالح صندوق المعاشات، بينما يتحمل الموظف 16 بالمئة من قيمة الأجر الأساسي لصالح الصندوق لتصل النسبة الإجمالية إلى 40 بالمئة.

وأدى ذلك إلى اتجاه أصحاب الأعمال إلى تحديد مبلغ صغير جدا من قيمة الراتب تحت بند الأجر الأساسي حتى لا يدفع أموالا كثيرة لصناديق التقاعد، وبعد بلوغ الموظف سن التقاعد تبدأ معاناته مع تردي قيمة المعاش الذي لا يكفي.

محمد معيط: نسعى لإصدار تشريع للتمويل الذاتي للمعاشات دون تدخل الخزانة العامة
محمد معيط: نسعى لإصدار تشريع للتمويل الذاتي للمعاشات دون تدخل الخزانة العامة

ويصعب على الموظف الدخول في نقاش مع صاحب العمل في تلك النقطة، وإلا فإن مصيره التسريح من العمل فورا، ما يجعل الأمر يحتاج إلى تشريع يعالج هذا الخلل بشكل عادل.

وتقول وزارة المالية إنها تعكف مع وزارة التضامن الاجتماعي على إعداد قانون جديد للتأمينات الاجتماعية والمعاشات، يحدد الإطار العام لنظام تأميني جديد موحد لجميع المواطنين على أسس عادلة.

وأكد محمد معيط وزير المالية، في تصريح لـ”العرب” أن هناك مساع لأن يكون النظام الجديد ممولا ذاتيا وقادرا على الاستمرار دون الحاجة إلى تدخل الخزانة العامة بصورة دورية.

ولفت إلى أن الحكومة تستهدف من إصلاح نظام المعاشات تدريجيا أن تصل لمرحلة الاستدامة المالية وحل مشكلة التدهور في المستوى المعيشي للمؤمن عليهم عند تقاعدهم، وإيجاد حلول عملية قابلة للتطبيق لحل مشكلات العمالة الموسمية وتحفيزهم للاشتراك في النظام وتخفيف العبء المالي الذي تتحمله الدولة نيابة عنهم.

وتزيد من خطر الأزمة الموقوتة زيادة متوسط أعمار المواطنين والتي وصلت بحسب جهاز الإحصاء بالبلاد لنحو 73.6 عاما.

وقال ياسر عمارة خبير الاستثمار، إن “إطلاق صندوق ‘معاشي’ يُعد بداية لاندماج الحكومة في هذا النوع الاستثماري، لأن إدارة أموال المعاشات عالميا تكون من خلال صناديق استثمار محترفة”.

وأكد لـ”العرب” أن صناديق المعاشات العالمية تلقى دعما حكوميا ما يدفع القاهرة لانتهاج هذا الأسلوب لإدارة المعاشات، وتكرار فكرة صندوق “معاشي” بين القطاع الخاص.

10