القاهرة تعالج البطالة بتنظيم نشاط مأكولات الشوارع

إطلاق مشروع "شارع 306" يفرض التعامل بالدفع الإلكتروني بهدف زيادة العوائد الضريبية وضمان مزايا تأمينية لأصحاب المشروعات والعاملين فيها.
السبت 2019/11/02
آفاق واعدة لنشاط عربات الأكل

عززت مبادرة “شارع 306” طموحات القاهرة في أن تكون على قائمة مأكولات الشوارع الآمنة بعد أن باتت نشاطا اقتصاديا تحت المجهر، ورافدا استثماريا يدر العوائد، ونموذجا للمشروعات متناهية الصغر، التي تستوعب الطاقات العاطلة وتساهم في خفض معدلات البطالة.

القاهرة - دخلت القاهرة في مواجهة صريحة مع مشكلة تنظيم أسواق الشوارع، وأطلقت مبادرة تحت اسم “شارع 306” بهدف فتح آفاق جديدة أمام عمالة الشباب ومساندتهم لتأسيس مشروعات تدر عليهم أرباحا اقتصاديا مناسبة.

وأسست شركة تحيا مصر القابضة للاستثمار والتنمية من خلال ذراعها التشغيلي شركة أسواق مصر إكسبريس للتطوير والإدارة المشروع ليصبح أول سوق منظمة لبيع وجبات الطعام السريعة بدلا من سيارات الطعام مجهولة المصدر.

وقال مصطفى الجمل، المتحدث الرسمي باسم المشروع، في تصريح لـ”العرب”، إن “الشركة تستهدف تعميم التجربة على جميع محافظات البلاد”.

وأضاف “نخطط لتدشين نحو 150 شارعا في أماكن مختلفة، وانتهينا من تدشين أربعة شوارع ونستهدف زيادتها لخمسة شوارع قبل نهاية العام”.

وتقوم الفكرة على اختيار منطقة وتتم تنميتها وتجهيزها بسيارات ومطاعم، وفق اشتراطات صحية تضمن تقديم وجبات سريعة لعشاقها بشكل آمن.

ويعد “شارع 306” الذي انطلق في مناطق شيراتون بمصر الجديدة والدقي بالجيزة ودمياط وطنطا، أول مكان بالبلاد لا يقبل التعاملات النقدية، وعلى الراغبين في تناول الوجبات السريعة القيام بشراء كارت شحن مسبق الدفع عبر الهاتف الخلوي، وفق خطوات مكتوبة.

أمنية فهمي: المبادرة تفتح آفاقا أمام سياحة مأكولات الشوارع بصورة آمنة
أمنية فهمي: المبادرة تفتح آفاقا أمام سياحة مأكولات الشوارع بصورة آمنة

ويوجد في كل شارع مكتبان أو أكثر لإرشاد رواد شارع 306 حول كيفية التعامل مع المطاعم الموجودة وأساليب الدفع الإلكتروني، وعند شراء الطعام يتم تسجيل رقم التليفون وكلمة السر لكل شخص، ثم يتم خصم قيمة الطعام تلقائيا من الرصيد المدفوع مقدما.

وتضمن تلك الخطوة تعزيز مفهوم الشمول المالي وزيادة كفاءة حركة النقود في النشاط الاقتصادي، فضلا عن تتبع مصادر الطعام.

وتكبد الأطعمة الملوثة ومجهولة المصدر الاقتصاد المصري سنويا نحو 340 مليون دولار.

وتضمن الخطوات الجديدة ضم القطاع غير الرسمي إلى المنظومة الاقتصادية الرسمية بشكل كامل، وزيادة العوائد الضريبية وضمان مزايا تأمينية لأصحاب المشروعات والعاملين فيها.

ويتراوح إيجار المطعم في شارع 306 شهريا بين 215 دولارا و430 دولارا حسب المساحة، كما أن الفكرة نفسها تواجه الفساد، والإتاوات التي كانت تفرض على المطاعم المتنقلة في الشوارع، مقابل عملها دون تراخيص.

وتعكف القاهرة على تطبيق نظام لتتبع عربات بيع الطعام المتنقلة في الشوارع البالغ عددها نحو مليوني عربة، منها مليون عربة لبيع الفول المدمس الذي يعد وجبة رئيسة للمصريين.

ويتوزع المليون الآخر بين عربات بيع الكبدة والهامبرغر والكشري، وأُضيفت إليها عربات “الكريب”، بعد توطن عدد كبير من السوريين في مصر وإجادتهم صناعته.

وكشفت دراسة للجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، أن 95 بالمئة من وجبات الفول تقدم من خلال عربات الشوارع، وليس المطاعم، وجميعها غير مرخصة.

وقالت أمنية فهمي، المتخصصة في تسويق منتجات المشروعات الصغيرة، إن “شارع 306 يفتح أبوابا متعددة للاقتصاد، ويتيح مشروعات تعزز خفض معدلات البطالة، ووضع مصر على خارطة سياحة مأكولات الشوارع”.

وأضافت لـ”العرب”، أن “هذه الخطوة تضمن تقديم مأكولات آمنة للسائحين، ويمكن أن يتم تطوير أنواع الطعام بحيث تخصص أماكن ضمن شارع 306 للمأكولات الشعبية التي يفضلها السائحون، وبالتالي نضمن تقديمها بصورة آمنة”.

وأثنى محمد فرج عامر، رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب، على الفكرة قائلا إن “بزنس الطعام من القطاعات التي تحتاج إلى تنظيم، فحجمه كبير جدا ويحتاج إلى ضمه إلى المنظومة الرسمية”.

وأوضح لـ”العرب”، أن تعميم الفكرة يحد من انتشار ظاهرة الباعة الجائلين، لكن المشكلة في توفير برامج تدريب للشباب على طبيعة وكيفية التعامل مع جمهور المستهلكين.

وتنتشر مأكولات الشوارع في جميع دول العالم تقريبا، لكن الفيصل في النشاط يتوقف على مدى مراقبة تلك الأنشطة صحيا.

وتخصص قناة ناشيونال جيوغرافيك برنامجا عن مأكولات الشوارع حول العالم يعرض تجارب دول العالم في مأكولات الشوارع والإقبال الكثيف عليها، وفرص سياحة مأكولات الشوارع كرافد ترفيهي للسائحين.

وتقول منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، إن الدراسات في البلدان النامية أظهرت أن ما بين 20 بالمئة إلى 25 بالمئة من إنفاق الأسرة على الأغذية يتم خارج المنزل.

وأشارت إلى أن ذلك جاء نتيجة سرعة نمو المدن وعدم توافر مطبخ أو تسهيلات الطبخ لملايين من الناس، وهناك ملايين من العاملين الذين لا يعيشون في أسرة، كما أن هناك نسبة كبيرة من السكان تتنقل إلى المدن وخارجها للعمل، وهؤلاء جميعاً يعتمدون على أغذية الشوارع.

حسن الشافعي: قروض ميسرة من جهاز المشروعات لتمويل مشاريع الشباب
حسن الشافعي: قروض ميسرة من جهاز المشروعات لتمويل مشاريع الشباب

وأكدت أن أغذية الشوارع تثير قلقا كبيرا، لأن سلامتها وإعدادها وعملية بيعها تجري بصفة عامة في ظروف غير صحية، ولا تتوافر المياه النظيفة والخدمات الصحية وتسهيلات التخلص من النفايات، وإضافة إلى ذلك تثير أغذية الشوارع أخطار تسمم عالية جراء الميكروبات واستخدام الإضافات الغذائية بشكل غير سليم والغش والتلوث البيئي.

ولفت حسن الشافعي، رئيس لجنة المشروعات الصغيرة بجمعية رجال الأعمال المصريين، إلى أنهم يسعون، بالتعاون مع جهاز تنمية المشروعات الصغيرة، لمساندة الشباب في الحصول على تمويل لتأسيس مشروعات جديدة.

وقال لـ”العرب” إن “الجهاز أبدى استعداده لتمويل المشروعات متناهية الصغر بما فيها مأكولات الشوارع، لتوفير فرص عمل للشباب الخريجين، بدلا من الانضمام إلى البطالة”.

وتعد القاهرة قانونا لتنظيم مأكولات الشوارع، يشير إلى جواز قيام وحدات الإدارة المحلية أو أجهزة المدن بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، بإصدار تصاريح مؤقتة لمدة عام قابلة للتجديد لإشغال الطرق العامة.

وبموجب القانون الجديد يدفع كل فرد يرغب في الحصول على ترخيص سيارة مأكولات في الشوارع رسوم إشغال للمحليات بنحو 170 دولارا في السنة.

ووضع مشروع القانون عقوبات تصل إلى الحبس مدة لا تتجاوز شهرا وغرامة لا يتعدى حدها الأقصى 1200 دولار أو إحداهما، لكل من يقوم بتشغيل وحدة طعام متنقلة دون ترخيص، أو بيع أو تحضير أو إعداد الأطعمة عن طريق إحدى وحدات الطعام المتنقلة بالمخالفة لأحكام الترخيص.

وبدأ نجاح فكرة 306 مع حماية أصحاب هذه المشروعات من الإجراءات البيروقراطية التي تقضي على طموح الشباب، إلى جانب توفير أماكن للمشروعات بدلا من المطاردات اليومية من الشرطة للباعة الجائلين في شوارع القاهرة.

10