القاهرة تسعى لدعم اقتصادي دولي من بوابة اللاجئين

مصر تحصي أعباء إقامة اللاجئين لتعزيز التفاوض مع أوروبا.
الأربعاء 2025/03/26
اللاجئون في ميزان الربح والخسارة بالنسبة إلى مصر

تنكب الحكومة المصرية على تنفيذ خطة لحصر التكلفة المالية التي تتحملها الدولة جراء استضافة اللاجئين، لتكون مرجعا في المناقشات التي تجريها مع الجهات الدولية المانحة.

 القاهرة - بدأت الحكومة المصرية تسّرع إجراءاتها لحصر تكلفة اللاجئين والأعباء الاقتصادية التي تتحملها في كل قطاع نيابة عنهم، ما يعزز من فرص الحصول على دعم مالي دولي جديد، وهي إشارة تحتوي على عدم قدرة القاهرة على تحمل المزيد من أعباء اللجوء ما لم تتحصل على دعم مادي يتناسب مع ما تتعرض له من ضغوط اقتصادية.

وأقرت لجنة التجارة الدولية بالبرلمان الأوروبي الشريحة الثانية من حزمة تمويل الاتحاد الأوروبي لمصر بقيمة 4 مليارات يورو، سيتم التصويت عليها نهائيا قريبا.

والتقى وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس بالقاهرة، الأحد، واتفق معها على تفعيل المحور السياسي من الشراكة عبر عقد قمة مصرية – أوروبية خلال العام الجاري، وناقشا الأعباء التي تتحملها مصر نتيجة استقبال الملايين من اللاجئين.

وتسلمت مصر الشريحة الأولى من الحزمة الأوروبية في ديسمبر الماضي بقيمة مليار يورو، ويبلغ إجمالي الحزمة 7.4 مليار يورو، كان تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديمها للقاهرة بعد رفع العلاقات بين الجانبين إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة.

وعقد رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي اجتماعا ناقش فيه التكلفة المالية التي تتحملها الدولة نظير إقامة اللاجئين، وهي خطوة لها أهداف حيوية، منها تحديد الأعباء الاقتصادية وتعزيز فرص الحصول على دعم دولي في أقرب وقت.

ومن المنتظر أن تصبح بيانات تكلفة اللاجئين مرجعا في المناقشات التي تجريها الحكومة مع الجهات الدولية المانحة، ما يسهم في تأمين دعم مالي لمصر لمواجهة الأعباء الناتجة عن استضافة الملايين من المهاجرين، وجار الانتهاء من التفاصيل الكاملة للخطة حول التكلفة الإجمالية لتوظيفها في دعم الرؤية العملية للقاهرة.

يحيى كدواني: تذكير مصري للمجتمع الدولي بفاتورة أعباء اللاجئين
يحيى كدواني: تذكير مصري للمجتمع الدولي بفاتورة أعباء اللاجئين

وكشفت مصادر حكومية لـ”العرب” عن وجود تكليفات مشددة للوزارات بحساب التكلفة الفعلية التي تنفقها كل جهة على اللاجئين، خاصة التعليم والصحة والإسكان والنقل والكهرباء والبترول والتموين، على أن يتم تقديم تقرير مفصل يوضح التأثيرات المالية لاستضافة اللاجئين على الموازنة المالية لكل وزارة، ومن ثم موازنة الدولة.

يوحي هذا التوجه بأن الحكومة ترغب في إنجاز مهمة حصر أعباء اللاجئين قبل بدء مناقشة موازنة الدولة عن العام المالي الحالي وعرضها على مجلس النواب بعد أسابيع قليلة، ما يسهل فهم التكلفة وعرضها على الجهات الخارجية المانحة، لأن الدولة المصرية لن تستطيع مجددا تخصيص موازنة خاصة بخدمات اللاجئين.

وقال الناطق باسم الحكومة المصرية محمد الحمصاني إن عملية التقييم لا تقتصر على الأعباء المالية المباشرة، وتشمل تأثير استضافة اللاجئين على مختلف الخطط الاقتصادية والتنموية، وإن الحكومة تسعى من خلال هذا الحصر إلى تعزيز قدرتها على التفاوض مع الجهات المانحة الدولية كي لا تتأثر الخدمات التي يتم تقديمها لهم.

وترغب القاهرة في أن تكون لديها مرجعية تعتمد عليها للتفاوض مع الجهات المانحة، وإظهار جهودها في احتوائهم، والحق في الحصول على دعم بعيدا عن الابتزاز أو اختراع أرقام عشوائية لجني المزيد من المكاسب، ولذلك قررت أن تتشارك مع مؤسسات أممية في تحديد التكلفة الاقتصادية لمنع التشكيك في أرقامها.

وضاقت الحكومة ذرعا من استفادة اللاجئين من الخدمات والمرافق والمشروعات الخدمية التي توفرها الدولة لمواطنيها من دون أن تحصل منهم على مقابل، وهو ما دفعها إلى تبني رؤية تقوم على استبدال الدعم العيني بالنقدي كي يصل إلى مستحقيه، ولا يستفيد منه اللاجئون ليدفعوا نظير كل خدمة أو سلعة.

وترى دوائر سياسية أن تسريع إجراءات حساب التكلفة الاقتصادية للاجئين لا يخلو من تخطيط لإضافة هذا العبء على التراخيص التي سيتم منحها لمن يتقدمون بطلبات لتقنين أوضاعهم والحصول على إقامات مشروعة في مصر، بعد موافقة مجلس النواب في ديسمبر الماضي على قانون لجوء الأجانب.

وتتضمن اللائحة التنفيذية للقانون كل ما يرتبط برسوم الإقامة أو طلبات تقنين الأوضاع وآلية تقديم الدعم والخدمات والرعاية للاجئين، وتعمل الحكومة على وضع وصياغة نصوص تلك اللائحة بعد الانتهاء من القانون، أيّ أن جزءا من حساب تكلفة اللاجئين سيتم الاستناد عليه في تحديد الرسوم.

وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أحد تصريحاته إن التكلفة التقديرية لاستضافة اللاجئين والمهاجرين والمقيمين الأجانب داخل مصر البالغ عددهم نحو 9 ملايين شخص، تصل إلى 10 مليارات دولار سنويا، لكن الحكومة ترغب في توثيق هذا الرقم من خلال كل وزارة منخرطة في الملف.

وأكد عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب المصري اللواء يحيى كدواني في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة ترغب في تذكير المجتمع الدولي بفاتورة أعباء اللاجئين، لأنه أصبح من الصعب عليها أن تستمر في تقديم نفس الخدمات إلى الملايين منهم وهي تعاني أزمة اقتصادية، وتدقيق الأعباء ضرورة في إجراءات التفاوض.

◙ جزء أساسي من تمسك الحكومة بحساب تكلفة أعباء اللاجئين أن يكون لديها سند مهم في مشاوراتها مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي

وأشار كدواني إلى وجود أهمية تنظيمية لتحديد التكلفة الاقتصادية للاجئين وأعدادهم، لأن ذلك يفيد الدولة في كشف المقيم بشكل شرعي والمخالف لشروط الإقامة ومدى تأثير كلاهما على الموازنة، وما يمكن تحديده من رسوم مستقبلا، وهناك شبهة تسعف أوروبي في دعم مصر من بوابة اللاجئين.

ويشكو مسؤولون بشكل متكرر من شح الدعم الذي تتحصل عليه القاهرة من الجهات المانحة، بما قد يجعلها غير قادرة على استمرار الوفاء بالحد الأدنى من حقوق ومتطلبات الحياة الكريمة للاجئين، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تسعى للخروج منها، وهي تتكئ على منح وقروض من مؤسسات دولية.

ويقول مراقبون إن جزءا أساسيا من تمسك الحكومة بحساب تكلفة أعباء اللاجئين أن يكون لديها سند مهم في مشاوراتها مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي موضع اعتبار في المنح والقروض التي تتحصل عليها، بزيادة قيمة المساعدات أو تعديل برامج السداد وتليين الشروط المرتبطة بالقروض.

ولا تخلو تلك التحركات من وجود تشكيك متواصل من جهات دولية بشأن فاتورة التكلفة التي تتحملها مصر تجاه اللاجئين، ما يفسر استعانة القاهرة بمنظمة شؤون اللاجئين وهيئات دولية أخرى لتكون شريكة في حساب تلك التكلفة حتى لا تظل تواجه تداعيات الصراعات في دول محيطة بتدفق اللاجئين إليها.

وحسمت القاهرة موقفها بعدم ترحيل اللاجئين لإدراكها أن تلك الخطوة تقحمها في خلاف مع جهات دولية، وتؤثر على شراكتها الإستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي.

وثمة نقطة خلاف بين مصر والاتحاد الأوروبي وبعض المؤسسات المانحة ترتبط بأرقام اللاجئين وتكاليف إقامتهم غير المعروفة بدقة، لذلك ترغب الحكومة في تسريع تقديم الصورة الحقيقية والدقيقة، لأن الأرقام المسجلة في مفوضية اللاجئين ضئيلة وترى القاهرة أنها لا تعبر عن الواقع على الأرض.

2