القاهرة تسعى لتجنب تداعيات الحرب على واقع المصريين المعيشي

ارتباك وضع الطاقة يثير التوجس من صيف بلا كهرباء.
الأحد 2025/06/15
الحكومة في مأزق صعب

القاهرة- أربك التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران خطط الحكومة المصرية التي بدأت تستعد لسيناريوهات صعبة بخصوص مستقبل الطاقة في البلاد وتداعيات التصعيد الجديد على المخزون الإستراتيجي من السلع الأساسية، بالتزامن مع أزمة اقتصادية طاحنة، وتململ شعبي من ظروف معيشية قاسية.

وبدأ مصريون يتأهبون للتعامل مع واقع معيشي غير موات، في ظل توجه الحكومة لوقف إمدادات الغاز إلى بعض الأنشطة الصناعية، وما يترتب على ذلك من إمكانية العودة إلى خطة تخفيف الأعمال وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة على مدار اليوم، رغم محاولات الحكومة طمأنة المواطنين باستبعاد هذا الخيار.

وقال رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي إن بلاده تتابع تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط عن كثب، واتخذت الحكومة خطوات فعلية لتعزيز المخزون الإستراتيجي من السلع الأساسية لضمان استقرار الأسواق، وتأمين احتياجات محطات الكهرباء من الوقود، وسط حالة اللايقين الجيوسياسي في المنطقة.

◄ محمد الحمصاني استبعد اللجوء إلى خطة تخفيف أحمال الكهرباء في فصل الصيف

ويتابع مواطنون تداعيات التصعيد بين إسرائيل وإيران، خشية أن تكون لها انعكاسات سلبية مرتبطة باتخاذ خطوات تقشفية من جانب حكومة اعتادت تعليق شماعة بعض القرارات القاسية على عوامل خارجية، برفع أسعار سلع وخدمات أو عدم انتظام الخدمات العمومية مثل التيار الكهربائي.

وحملت نبرة مسؤولين مصريين معنيين بملفات أساسية، مثل القمح والأرز والسكر والكهرباء والغاز والبنزين، أن الحكومة بدأت تتحرك لتهيئة المواطنين للدخول في اقتصاد الحرب، والإعلان عن تفعيل الطوارئ في قطاعات حيوية، أهمها الطاقة.

وترى دوائر سياسية أن التحدي الأكبر للحكومة يرتبط بتهاوي منسوب ثقة الشارع بها، وعدم تيقن البعض من أن الوزارات المتداخلة مع الأزمة لديها خطط بديلة واقعية تخفف عن الدولة والمواطن تداعيات الحرب، أمام شح البدائل المتاحة وعدم الاستعداد المسبق للتعامل مع حالات الطوارئ.

وتجد الحكومة المصرية صعوبات في إقناع الرأي العام بأنها مستعدة لسيناريوهات أكثر صعوبة ترتبط بتوترات إقليمية، لأنها منشغلة بالتنمية والاستثمار دون أن ينعكس ذلك على الوضع الاقتصادي أو يجني المصريون ثمار ذلك على واقعهم المعيشي.

وروجت الحكومة لاكتشافات في حقوق البترول كمحاولة لإقناع الرأي العام الداخلي بأنها على مشارف الاستغناء عن شراء الغاز الطبيعي من إسرائيل وغيرها، والوفاء بالاحتياجات المحلية، لكن الناس فوجئوا بتوقف أنشطة اقتصادية وحدوث ارتباك في مجال الطاقة، لأن حقول الغاز الإسرائيلية توقفت عن الإنتاج.

ويصل عجز الغاز في مصر إلى 3.5 مليار متر مكعب يوميا، تساهم إسرائيل بمليار منها، من خلال حقل ليفياثان البحري وهو أحد أكبر مصادر الغاز في شرق البحر المتوسط، ويستخدم إنتاجه لتلبية احتياجات محلية داخل إسرائيل والتصدير إلى مصر.

وقادت الخطوة إلى تنامي الشعور في مصر باقتراب عودة الحكومة إلى خطة تخفيف أحمال الكهرباء في فصل الصيف، رغم نفي الناطق باسم مجلس الوزراء محمد الحمصاني حدوث ذلك أو التفكير فيه ضمن الخطط البديلة.

وتعهدت الحكومة من قبل بأن ما حدث الصيف الماضي من انقطاع التيار الكهربائي لساعات في مختلف مناطق الدولة، لن يتكرر العام الحالي، مهما كلفها ذلك من مبالغ مالية لاستيراد احتياجات البلاد من الوقود.

◄ لم تعد لدى الحكومة رفاهية الاعتماد على الغاز الإسرائيلي، على الأقل إلى حين وقف التصعيد بين تل أبيب وطهران

ولم تعد لدى الحكومة رفاهية الاعتماد على الغاز الإسرائيلي، على الأقل إلى حين وقف التصعيد بين تل أبيب وطهران، وسط مخاوف من توسع رقعة التوترات الإقليمية بما يضع مصر في مأزق صعب، على مستوى تأمين احتياجات البلاد من الوقود والطاقة وإمدادات السلع الإستراتيجية التي تستورد أغلبها.

وطمأن رئيس الحكومة المواطنين بأن بلاده تستهدف أن تكون لديها 3 سفن للتغويز بداية من مطلع يوليو المقبل لتكون طاقتها الاستيعابية 2250 قدما مكعبا يوميا، بينما كانت العام الماضي ألف قدم مكعب فقط، مؤكدا وجود تعاقدات على شحنات غاز ولدى الدولة احتياطي من المازوت بكميات معقولة.

وقال وزير التموين شريف فاروق إن الاحتياطي الإستراتيجي من القمح يكفي لأكثر من 6 أشهر والسكر 12 شهرا، والزيوت النباتية 4 أشهر واللحوم والدواجن 12 شهرا، والحكومة تواصل العمل على تعزيز هذا المخزون لتجاوز الحد الآمن وضمان استقرار الإمدادات الغذائية من خلال المزيد من الصفقات.

واتخذت القاهرة إجراءات لتوفير مخزون إستراتيجي من القمح، كأهم سلعة إستراتيجية، لتجنب صعوبات واجهتها الحكومة بعد حرب روسيا وأوكرانيا وتعثر استيراد القمح لفترة طويلة، لكن الميزة الحالية أن التصعيد الإسرائيلي – الإيراني تزامن مع انتهاء موسم حصاد القمح في مصر قبل أيام.

وما يطمئن الحكومة نسبيا أن المواجهات العسكرية تتزامن مع تحسن وضع الاحتياطي الأجنبي الذي وصل نهاية مايو الماضي إلى 48.525 مليار دولار، ما يُمكّن الدولة من تغطية وارداتها من السلع والاحتياجات الأساسية لنحو 8 أشهر، بما يتجاوز المتوسط العالمي البالغ 3 أشهر فقط.

شريف فاروق: الاحتياطي الإستراتيجي من القمح يكفي لأكثر من 6 أشهر

ويقول مراقبون إن التحركات الحكومية المتشعبة تشير إلى وجود استعدادات مبكرة للأزمة، لأن مصر حذرت من التصعيد الإقليمي وتداعياته الخطيرة، وكانت تدرك أن ما حدث سيقع فعليا، لذلك لا يمكن القول إن الحكومة تفاجأت أو بلا خطط بديلة.

ويضيف هؤلاء المراقبون لـ”العرب” أن ما يعني المواطن المصري حاليا ثبات الأمن والاستقرار، وهذا لا تتاجر به الحكومة أو تتحجج بمبررات خارجية، لكنه واقع مفروض على مصر وسط إقليم ملتهب، والحكومة تبني على تمسك الناس بالاستقرار لتتحرك بطمأنينة في معالجة الأزمة بخيارات بديلة وواقعية، وما تم الإعلان عنه من خطط يؤكد أن القاهرة مستعدة لكل السيناريوهات المحتملة.

ورغم محاولة الحكومة إظهار جديتها في التعامل مع الأزمة، يوحي التنفيذ على الأرض بأنها تسعى إلى تهيئة المواطنين للدخول في مرحلة غير عادية تتطلب المزيد من الصبر الذي يحتاج إلى كلفة مرتبطة بموقع مصر الجغرافي وتأثرها بما يحدث حولها من اضطرابات، وأنها لن تتجاوز الأزمة وحدها.

وظهرت تسريبات إعلامية محلية عن بدء إعداد وزارة الكهرباء خطة لتحريك أسعار الخدمة في يوليو المقبل، لأن الحكومة لم ترفع سعر فواتير الكهرباء منذ فترة تقديرا للظروف المعيشية، لكن الوضع الراهن يفرض عليها إعادة النظر في الكلفة أمام ما تتحمله الدولة من أعباء ناتجة عن زيادة استيراد الغاز.

واعتادت الحكومة اللجوء إلى جيوب المصريين كلما تعرضت لأزمة لها أبعاد خارجية بحجة أن ما يحدث خارج عن إرادتها، وعلى الناس أن يتحملوا جزءا من التكاليف حفاظا على الاستقرار الداخلي، ما يجعل خطابها السياسي مشكوكا فيه ويثير التكهنات حول مبررات الأعباء ومحاولة إلصاقها كل مرة بظروف دولية.

وما يثير مخاوف شريحة من المواطنين أن تفقد الحكومة السيطرة على السوق وترتفع الأسعار إلى مستويات قياسية بحجة أن الجهات المختلفة منشغلة بملفات أمنية وسياسية، ما يعمق الأزمة المعيشية بترك الناس فريسة للتجار الذين اعتادوا تبرير كل انفلات السوق بالاضطرابات الإقليمية.

1