القاهرة تستخدم سلاح الضرائب لاجتثاث المدفوعات النقدية

دخلت الحكومة المصرية مواجهة جديدة بالإعلان عن خطط لفرض غرامات على التعاملات والمدفوعات النقدية مع جميع الجهات الحكومية، بهدف تحفيز استخدام وسائل دفع إلكترونية لإحكام السيطرة على حركة الأموال، وامتصاص مليارات الدولارات من السوق غير الرسمية.
القاهرة – تبدأ القاهرة مطلع يناير المقبل في تحصيل جميع المدفوعات للجهات الحكومية إلكترونيا أو من خلال البطاقات الذكية وتطبق فرض غرامة بنسبة 10 بالمئة على المدفوعات النقدية.
وصدم معظم المصريين بهذا القرار، ومنهم عامل البناء أبوحسين، الذي قال لـ”العرب”، إنه يكدح طوال اليوم للحصول على 50 جنيها (نحو 2.8 دولار) لإطعام أولاده وإنه لا يستطيع أن يعمل في أفضل الظروف أكثر من يومين في الأسبوع فقط بسبب حالته الصحية المتردية.
ولا تختلف حالة أبوحسين عن حال الكثير من المصريين، حيث يعيش أكثر من 25 بالمئة من السكان البالغ عددهم حوالي 96 مليون نسمة، تحت خط الفقر.
ورغم أن مبادرة وزارة المالية تستهدف تعزيز مبدأ الشمول المالي وتعظيم الاستفادة من كفاءة وحركة النقود في النشاط الاقتصادي للبلاد، لكن هذه الطموحات المصرية تصطدم بمعدلات الأمية التي تسيطر على 20 بالمئة سكان البلاد، الأمر الذي يعكس صعوبة التعامل مع المنظومة الجديدة بل وتعرض هذه الفئات لعديد من المشكلات والمخاطر.
وظهرت تلك المشكلات بشكل كبير بعد أن ألزمت الحكومة جميع الهيئات والجهات الإدارية التابعة لها بصرف مرتبات الموظفين عن طريق البطاقات الذكية، وكانت تستهدف من تلك المنظومة تقليل معدلات التعامل النقدي بالأموال.
لكن هذه الخطوة باتت عبئا ثقيلا على مجتمع لا يعترف سوى بالسيولة النقدية، ويمكن لأي مواطن في الشارع مشاهدة صفوف الانتظار والزحام الشديد آخر كل شهر، حيث انتقلت صفوف الانتظار من أمام خزينة صرف المرتبات داخل المصالح والمؤسسات الحكومية إلى الشوارع، ما أدى إلى انتشار ظاهرة السرقة بشكل ملحوظ.
ويقول عادل أحمد، ويعمل بإحدى الجهات الحكومية، لـ”العرب”، لقد “توجهت لصرف راتبي من خلال الصراف الآلي بالشارع المجاور لعملي، ولأنني لا أجيد التعامل مع التكنولوجيا استعنت بأحد الأفراد وظل يقوم بعدة خطوات لا أفهمها وأخبرني في النهاية أن راتبي غير موجود وعلي العودة لعملي لمعرفة السبب”.
وأضاف “بعد عودتي للعمل اكتشفت أنني تعرضت للسرقة، وعندما عدت بسرعة إلى الصراف الآلي للقبض على ذلك المحتال وجدته فر هاربا، وقال الناس إن هذه الظاهرة تتكرر مرارا”.
ويستعد البنك المركزي لإطلاق أول بطاقة ذكية محلية للمدفوعات للفئات المهمشة، التي ليس لديها حسابات مصرفية ويمكن شحنها بمبالغ مالية من البنوك، ومن خلالها يتم دفع جميع الرسوم مع الجهات الحكومية.
وكشف بيان رسمي لوزارة المالية أن عدد العاملين بالجهاز الإداري للدولة والوحدات المحلية الذين يتقاضون مستحقاتهم المالية من خلال استخدام البطاقات الإلكترونية بلغ نحو 12 مليون موظف.
ويصل حجم النقد المتداول خارج الجهاز المصرفي لدى المواطنين نحو 23 مليار دولار، وتعادل نحو 54 بالمئة من المعروض النقدي، ونحو 12.5 بالمئة من حجم السيولة المحلية.
ومع أن المبادرة تحمل في طياتها نفعا للاقتصاد، إلا أن تعميمها يعتبره محللو أسواق المال خطأ جسيما فلا توجد دولة في العالم تفرض غرامات على التعاملات النقدية، بل تشجع المدفوعات الإلكترونية من خلال منح خصومات على تلك المعاملات.
وقال محمد معيط وزير المالية، إن “الوزارة أطلقت المنظومة الإلكترونية للدفع مقابل الخدمات الحكومية، وتستهدف من خلالها تحصيل المدفوعات المالية إلكترونيا”.
وأوضح في تصريحات لـ”العرب” أن تلك الخطوة تستهدف تطبيق استراتيجية الحكومة للشمول المالي والتحول إلى مجتمع غير نقدي.
وأقر البرلمان المصري في يوليو الماضي تعديلات على قانون المحاسبة الحكومية، والتي بمقتضاها تؤدي الوحدات الحسابية الحكومية جميع ما عليها من مستحقات، بما في ذلك أجور العاملين بها ومستحقات المقاولين والموردين عن طريق إصدار أوامر دفع موقعة إلكترونيا.
وشملت التعديلات كذلك الاستغناء نهائيا عن الشيكات الورقية، إلا إذا دعت الضرورة، فضلا عن وجوب تحصيل الإيرادات الحكومية بأي من وسائل التحصيل الإلكتروني.
وقال محمد يوسف، الرئيس التنفيذي لجمعية رجال الأعمال المصريين، في تصريحات لـ”العرب” إن “المبادرة جيدة لكنها تحتاج لمرونة في التطبيق”.
ولفت إلى أنه من الممكن أن تتدرج هذه المنظومة بحيث تسمح في البداية بحجم معين للتعامل النقدي، فضلا عن تأهيل موظفي الجهات الحكومية بتوعية المواطنين من خصومات على السداد الإلكتروني، وتوعيتهم بأهمية الخطوة في توفير وقتهم.
وبدأت وزارة المالية في تطبيق منظومة التحصيل الإلكتروني لسداد جميع المستحقات المالية الحكومية الضريبية والجمركية التي تزيد قيمتها عن 5.6 ألف دولار بإحدى وسائل الدفع الإلكتروني عبر منظومة الدفع والتحصيل الالكتروني، على أن يتم السداد الإلكتروني لجميع المبالغ المالية المستحقة أيا كانت قيمتها إلكترونيا بدءا من مطلع يناير 2019.