القاهرة تدمج اللاجئين في منظومة الدعم

تضمين الحكومة المصرية لنص قانوني يخص الدعم النقدي للرعايا الأجانب خطوة إيجابية قد تضاعف المكاسب السياسية والاقتصادية.
السبت 2024/12/07
تحركات إيجابية لا تلقى اهتمام المنظمات الحقوقية

القاهرة - كرس مجلس النواب معاملة الأجانب كمواطنين مصريين بعد أن أقر مادة خاصة في قانون الضمان الاجتماعي الجديد تتيح استفادتهم من المساعدات التي تقدمها الحكومة للبسطاء لانتشالهم من الأوضاع المعيشية السيئة، في خطوة لم تلق دعما وتأييدا حقوقيا انتظرته القاهرة ليساعدها على تحسين صورة سجلها الحقوقي.

بموجب القانون الجديد، يُتاح لغير المصريين الحصول على المعونة الاجتماعية، إذا انطبقت عليهم شروط الفقر، أيّا كانت جنسيتهم، فقد منح قانون الضمان الاجتماعي سلطات لرئيس الدولة بتوسيع دائرة المستفيدين لبعض الحالات غير المصرية.

وتعتقد دوائر سياسية أن تضمين الحكومة المصرية لنص قانوني يخص الدعم النقدي للرعايا الأجانب خطوة إيجابية قد تضاعف المكاسب السياسية والاقتصادية، حيث أصبح لدى الحكومة ما يؤكد تعاملها مع ملف اللاجئين بطابع إنساني يستدعي تقديم مساعدات مضاعفة لها تمكنها من استمرار توفير الحياة الكريمة لطالبي اللجوء.

أحمد بدوي: الحكومة تتعاطى مع حقوق اللاجئين اجتماعيا لا سياسيا
أحمد بدوي: الحكومة تتعاطى مع حقوق اللاجئين اجتماعيا لا سياسيا

ويتقاطع توجه الحكومة لدعم اللاجئين من الفقراء مع ما سبق ولوحت به بشأن عدم استطاعتها تحمل المزيد من الأعباء، ما لم تتحصل على دعم مالي من المجتمع الدولي يتناسب مع ما تتحمله من ضغوط اقتصادية.

وهدد بعض المسؤولون بأن استضافة لاجئين كثر قد يؤثر بشكل سلبي على الخدمات التي تقدمها القاهرة للمقيمين على أراضيها، لكنها مؤخرا تحركت في مسار مغاير.

جاء في قانون الضمان الاجتماعي أن بنود المساعدات الحكومية على الفقراء تسري على رعايا الدول الأخرى من المقيمين في مصر، بشرط معاملة المصريين بالمثل في تلك الدول في ما يخص الدعمين النقدي والعيني، ويمنح القانون رئيس الدولة صلاحية إصدار قرارات استثنائية لإعفاء بعض الحالات من شرط المعاملة بالمثل.

ويفهم من النص أن القاهرة ستقوم بتوفير دعم نقدي وعيني للبسطاء الأجانب على أراضيها، نظير حصول مواطنيها المقيمين في نفس الدول على دعم موازٍ، لكن برلمانيين قالوا إن هذا الشرط لا يعني اقتصار المساعدات بالمثل، ويشمل الدعم بعض اللاجئين من أصحاب الظروف المعيشية الصعبة تحديد معايير الصرف لهم في لوائح.

ولم تكترث المنظمات الحقوقية بالتحركات الإيجابية للحكومة المصرية في ملف اللاجئين ووجهت انتقادات حادة بحجة أنها لا تحترم حقوقهم السياسية، ولديها نوايا بترحيل بعضهم بالمخالفة للأعراف الدولية، وهو ما لم ترد عليه القاهرة، والتزمت الحكومة الصمت ومضت في طريق إقرار القانون.

قال تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية يتعين على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عدم التصديق على قانون اللجوء الجديد الذي وافق عليه البرلمان، لأنه سوف يزيد من تقويض حقوق اللاجئين في ظل حملة قمع ضد أشخاص يلتمسون الحماية والأمان في البلاد.

وجود دعم للبسطاء من الأجانب يُكرس تعامل القاهرة مع الملف من زاوية إنسانية، بما يعزز النظرة الإيجابية عنها

وحرضت المنظمة دول الاتحاد الأوروبي على ربط أي تعاون بشأن الهجرة مع مصر بوجود ضمانات لحماية حقوق الإنسان بالنسبة للاجئين، وأن يتبع تقييمات صارمة لمخاطر حقوق الإنسان بشأن تأثير أي اتفاقيات، في ظل سماح القانون بالاحتجاز التعسفي لطالبي اللجوء لأسباب تتعلق بالهجرة، ويقيد الحق في طلب اللجوء.

وحسب العفو الدولية، فإن قانون اللجوء في مصر يتيح الإبعاد غير القانوني عن البلاد دون توفير ضمانات إجرائية ويتضمن أحكاما تمييزية تقيد حرية تنقل اللاجئين وطالبي اللجوء، ويخفق في تلبية حقوقهم في التعليم والسكن، ويحظر عليهم المشاركة في أي عمل سياسي أو الانضمام لنقابات وإلا يتم إلغاء صفة اللاجئ، والإبعاد من مصر.

ويرى مراقبون أن المستندات التي تتكئ عليها منظمة العفو الدولية في قانون اللجوء المصري غير منطقية، لأنها تطرقت إلى عدم وجود حقوق تعليمية وصحية واجتماعية للاجئين مع أن هناك نصوصا تشريعية صريحة ألزمت الحكومة بكل هذه الحقوق، ومعاملة اللاجئين فيها كمواطنين.

ويُعالَج اللاجئون في المستشفيات العامة ويدرس أبناؤهم في المدارس الحكومية والخاصة بالمزايا نفسها التي يستفيد منها المصريون، ويحصلون على السلع الأساسية ويستخدمون وسائل النقل ويتلقون خدمات المرافق العامة (غاز وكهرباء ومياه شرب) بالقيمة المالية ذاتها التي يدفعها المواطنون، ومن حق البسطاء تلقي دعما نقديا.

مراقبون يرون أن المستندات التي تتكئ عليها منظمة العفو الدولية في قانون اللجوء المصري غير منطقية

وهذه ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها منظمات حقوقية دولية عن انتهاكات تخص أوضاع اللاجئين في مصر، مستندة إلى أن الحكومة تضع جملة من الضوابط الأمنية الصارمة التي بمقتضاها يتم تقنين أوضاع طالبي اللجوء، لكن القاهرة تدافع بأن وجود قرابة تسعة ملايين لاجئ يستدعي التعامل معهم بحسابات أمنية.

وقال رئيس المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين أحمد بدوي إن الحكومة تتمسك بالتعاطي مع حقوق اللاجئين اجتماعيا لا سياسيا، مهما تعرضت لانتقادات، لأن انخراطهم في أنشطة سياسية ونقابية قد يضعها في مواجهة مع بعض المهاجرين، وإذا تركت لهم مساحة التحرك لتشكيل كيانات أو تكتلات سيكون من الصعب خلخلتها بلا خسائر.

وأوضح بدوي في تصريح لـ”العرب” أن وجود دعم للبسطاء من الأجانب يُكرس تعامل القاهرة مع الملف من زاوية إنسانية، بما يعزز النظرة الإيجابية عنها بأنها لم تتاجر باللاجئين ومضت في مساواتهم بالمصريين، وهذا يُحسب لها حيث استطاعت التوازن بين مسؤولياتها الإنسانية والقانونية والأمنية لتقنين الأوضاع دون حدوث توتر.

ويوحي الصمت الرسمي من دول الاتحاد الأوروبي على بعض الاتهامات الحقوقية للقاهرة في ملف اللاجئين بأن هناك قبولا للتشريعات التي أقرت وترتبط بالحقوق الاجتماعية، لأن اللاجئ لا تعنيه الحقوق السياسية بقدر ما يهتم بالعيش في بيئة آمنة ويحصل على ما يحتاجه من تعليم وصحة وغذاء وسكن.

وتُدرك القاهرة أن المساعدات التي ستوفرها للبسطاء من اللاجئين المستحقين سوف تجلب لها دعما مضاعفا في المستقبل القريب، من الدول الأوروبية في شكل منح، أو عبر تحقيق عوائد مالية من اللاجئين باعتبارهم مصدرا للعملة الصعبة من خلال رسوم تقنين الأوضاع، ولن تخسر ماليا من أي دعم نقدي، وستكسب من بنود أخرى.

وتبدو الحكومة مستفيدة، لأنها لم تتاجر بحقوق اللاجئين لابتزاز أوروبا ماليا بل أقرت دعما للفقراء من طالبي اللجوء، ونجحت في تمرير تشريعات تحظر عليهم السياسة، وأصبحت على مقربة من فرض رسوم تقنين لن تواجه ممانعات طالما توفر حماية اجتماعية للمحتاجين، وستكون الجهات المانحة ملزمة بدعمها في هذا التوجه.

2