القاهرة تحيي فن الشارع بمهرجان للمقامات الروحية

القاهرة – تكاملت الموسيقي مع الكلمات المنتقاة لتجعل الحاضرين يستمعون لـ”عرض السمو والحب الديني والإيماني” في ممر “بهلر” بوسط القاهرة الذي شهد إقبالا كبيرا من مسلمين ومسيحيين، على اختلاف أعمارهم، لحضور فعاليات “ليالي المقامات الروحية” التي تقام تحت شعار “فلنسمع حتى نرى.. ونرى حتى نسمع”.
وانطلاقا من رغبة في إعادة القاهرة إلى سابق عهدها ورونقها الحضاري، والبحث عن الارتقاء بالذوق العام، شهد ممر “بهلر” أياما للفنون والإبداع بحضور فرق من مصر وسوريا وإندونيسيا، برؤية موسيقية للفنان انتصار عبدالفتاح، مؤسس المشروع ومدير مؤسسة “حوار”، الذي قدّم الفعاليات بالتعاون مع مؤسسة “مصر الخير” ومحافظة القاهرة.
وتم البدء في تنفيذ المبادرة الفنية منذ يناير الماضي، وقدمت أربع دورات، كانت الأولى والثانية في قبة الغوري من خلال وزارة الثقافة وصندوق التنمية الثقافية المصريين، والثالثة شهدها شارع المعز القريب من هذه المنطقة، وبدءا من الـ4 من رمضان الجاري تم عرض الدورة الرابعة في ممر “بهلر”.
ويقول انتصار عبدالفتاح، لـ”العرب”، إن العروض الجماهيرية لم تكن وليدة الصدفة، بل بدأت منذ أكثر من 40 عاما عبر أعمال فنية كمسرح العربة الشعبية، وهي فكرة مستوحاة من عربات الباعة الجائلين في الأسواق والموالد الشعبية، وبالفعل صمّمت عربة بها هذه المعاني لتتيح إمكانية المشاهدة الشعبية في الشوارع.
وأضاف “تجولنا بالعربة بحثا عن الحكايات الشعبية في الشخصية المصرية وتفردها وقدمنا عروضا جيدة، وكانت هناك تجربة لمسرح الحقيبة من الواقع في الحواري والأزقة وقد حققت نجاحا كبيرا”.
وشهدت الليالي حضورا جماهيريا كبيرا، وحرص المتابعون على التقاط الصور التذكارية، ويقول محمد محمود، مهندس كمبيوتر شاب، إن مثل تلك اللقاءات تشحذ الروح وتشعره بالسعادة مع تأمل الكلمات والموسيقي، وإنه يحضرها لأول مرة وسوف يحرص على متابعتها في الدورات المقبلة.
ويوضح محمد أبوالعلا، وهو يصطحب زوجته وأطفاله الثلاثة، أن حضور تلك اللقاءات أفضل من الجلوس أمام المسلسلات في رمضان، التي تنحدر بالذوق العام، كما أنه يريد أن يعتاد أطفاله على سماع الموسيقى والاستمتاع بها.
وأبدت ماريان حنا، سعادتها بعودة هذه النوعية من الفنون، قائلة “مشهد جلوس فرق الإنشاد الصوفي وشباب الكنيسة ومؤدي التراتيل وراقصي المولوية، في حد ذاته لطيف ويخلق حالة من الإبداع والجو المفعم بالسعادة المختلفة لديها”.
وأعاد مهرجان “ليالي المقامات الروحية” الذي يقام بممر “بهلر”، وهو من أشهر الممرات التجارية بوسط البلد (القاهرة)، ويصل بين شارعي قصر النيل وطلعت حرب، روح فن الشارع الذي غاب عن القاهرة لسنوات طويلة.
ويرى متابعون أن الفكرة تحاول أن تحاكي فنون الشارع التي تقام في دول أوروبية، وتنشر البهجة بين المارة، وتجعل من الشارع مسرحا كبيرا يعرض فيه كل شخص مواهبه. وتعيد الموسيقى التي تعرض يوميا في الممر، القاهرة إلى حقبة السبعينات من القرن الماضي، والتي كانت تعج بالفرق الموسيقية المحترفة، إلاّ أنها تراجعت في العقدين الأخيرين مع انتشار المد الإسلامي في مصر وتصاعد دور الجماعات المتطرفة في الجامعات، وتحريم مظاهر حضارية كثيرة والحد من عمل بعض الفرق الموسيقية.
ويبدو اختيار ممر تجاري بوسط العاصمة مليء بالمحلات التجارية يمينا ويسارا، ليكون مكانا للعرض الفني، فكرة جيدة تلفت الانتباه لها، ويفسر عبدالفتاح أن سر اختيار الممر يكمن في الاهتمام بالقاهرة التاريخية، سواء في شارع المعز لدين الله الفاطمي أو قبة الغوري أو منطقة القلعة، وكان ترميم واهتمام محافظة القاهرة بإعادة وإحياء ما يسمى بالقاهرة الخديوية، وبينها ممر “بهلر” وشارع الألفي فرصة لاستخدام تلك الأماكن.
وأوضح لـ”العرب”، أنه أعجب بالممر وأبرم اتفاقا مع محافظة القاهرة ومؤسسة “مصر الخير”، لتقديم أول ملتقى لفنون وإبداع الشارع المصري، وكان يحرص على دعم ذوي القدرات الفنية الخاصة من البراعم، وتم تدشين مدرسة بهلر للفنون واكتشاف المواهب، وخلال الفعاليات تم تقديم طفلة عرضت أداء تمثيليا رائعا للشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي.
ويحتوي برنامج الليالي على تقديم العديد من الفقرات لعدة فرق من مصر ودول مختلفة برؤية فنية، وتم تقديم رائعة “الليلة الكبيرة” للراحل صلاح جاهين، عبر رؤية فنية وإدخال الإنشاد الصوفي فيها، وذلك في محاولة لإحياء المسرح الغنائي.
وأضفت فرقة “رسالة سلام”، جوا من البهجة والتسامح، وهي فرقة تم تأسيسها عام 2007 وتضم مجموعات؛ “سماع للإنشاد الصوفي” و”ترانيم” والتراتيل القبطية من الكنيسة، والترانيم الكنسية، وعددا من طلاب الأزهر الوافدين من إندونيسيا، بالإضافة إلى أصوات مكتشفة من الأقاليم المصرية، وقد حظيت بإعجاب خاص من الحاضرين بعدما مزجت بين فنون موسيقية بديعة وترانيم دينية تلامس القلوب.
وكان أيضا لفرقة “سداسي شرارة” حضور من خلال تقديم عروض مميزة، بالإضافة إلى الطبول النوبية والآلات الشعبية، بالتناغم مع السهرة الشامية بقيادة الفنان عدنان الساسة من سوريا وفرقة الدبكة الفلسطينية، وقدّمت فرقة “الرقص الصوفي المولوي” كرسالة سلام إلى العالم، وكان الختام بعرض “طقوس السمو والحب الديني والإيماني”.
وأكد عبدالفتاح، أن مؤسسة “حوار” تسعى إلى تكثيف العروض الموسيقية ووضع خطة للتجوال في مناطق مختلفة من مصر لتقديم هذه الليالي، لافتا إلى أنه التقى بأشخاص من محافظات عدة، وطالبوه بتقديم الليالي هناك كوسيلة فنية تشارك في الحرب ضد الجهل والتخلف والفقر، وأوضح لهم أنه معني بمحاربة هذه المظاهر بالفن الراقي الهادف.