القاهرة تتمسك بالخلاص من ختان الإناث بمحاصرة "ثقافة العفة"

الحكومة تتحرك لفك ارتباط الدين والطب والشرف بعادة الختان.
الثلاثاء 2024/06/18
توعية البنات بمخاطر الختان على الصحة

يعتبر متخصصون في العلاقات الاجتماعية بالقاهرة أن الحل الأمثل لمواجهة ختان الإناث هو تنظيم لقاءات مباشرة مع أرباب الأسر والتشاور معهم وجها لوجه والاستماع إلى وجهات نظرهم في الختان وضرب كل معتقد على حدة. وتضع الحكومة خطة توعوية يشارك فيها الأئمة والواعظات والقساوسة، لنفي العلاقة بين الدين والختان، ومختصون نفسيون واجتماعيون لمحاصرة كل مبررات الأسرة للختان.

القاهرة - تمسكت الحكومة المصرية، ممثلة في المجلسين القومي للمرأة والقومي للطفولة والأمومة، بالقضاء كليّا على ختان الإناث من خلال محاصرة ما يسمى بـ” ثقافة العفّة”، والتي ما زالت المتهم الأول في استمرار تكرار تلك الجريمة من جانب بعض الأسر، على أن يكون مسار المواجهة توعويا وترهيبيا.

وأطلق مجلسا المرأة والطفولة حملة موسعة قبل أيام عبر محطات الراديو ومنصات التواصل الاجتماعي وإنتاج أفلام قصيرة وتنظيم حملات منزلية، بغرض الطعن في الميراث الفكري والديني الذي يبيح ختان الإناث، بحيث يكون الخطاب موجها إلى أفراد العائلة، بوسائل وأدوات مختلفة.

وتقرر إجراء دراسة مجتمعية معمقة لأول مرة حول الوعي المجتمعي بالقوانين المتعلقة بختان الإناث في ظل عدم اكتراث شريحة كبيرة بها، على الرغم من أنها تتضمن عقوبة صارمة تصل إلى الحبس المشدد، لكن يبدو أن هناك قاعدة جماهيرية في مناطق ريفية وشعبية وحدودية نائية لا تعرف عنها شيئا.

مجلسا المرأة والطفولة وثقا المواقف الحاسمة من جانب مؤسسة الأزهر والكنيسة ودار الإفتاء التي تحرم ختان الإناث

وسوف يتم بث مقاطع فيديو لفتيات تعرضن للختان ويعانين من مشكلات صحية ونفسية بالغة القسوة بعد ذلك لتثبيت فكرة أن هذا التصرف يحمل جريمة أسرية بحق الأنثى، وأبعد ما يكون عن تنفيذ تكليف ديني أو له فوائد صحية، بغرض إقناع الناس بحتمية العدول عنه.

ووثق مجلسا المرأة والطفولة المواقف الحاسمة من جانب مؤسسة الأزهر والكنيسة ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف التي تُحرّم ختان الإناث ضمن الحملة الأخيرة، بهدف نسف المعتقد الديني الخاطئ حول الختان وعدم ربطه بالعقيدة الدينية، بقدر ما يتعلق بميراث اجتماعي خاطئ، تجذر وسط شرائح عدة.

وقالت رئيسة المجلس القومي للمرأة (جهة حكومية) مايا مرسي في تصريحات إعلامية خلال المؤتمر الخامس لحملة القضاء على الإناث مؤخرا إن الحملة سوف تتبنى خطابا توعويا مباشرا لتوضيح خطورة الختان، ولا علاقة له بالعفة والطهارة ولم تنص عليه أي من الأديان السماوية.

وأكدت أن الحكومة المصرية ملتزمة بتطبيق القانون والخلاص كليّا من عادة الختان، وسيتم تخصيص تكريم سنوي للأعمال الفنية التي تساهم في رفع الوعى بالقضاء على تلك الجريمة، مع إجراء الملايين من الاتصالات بالمواطنين في قرى ونجوع الأقاليم، للتحدث إليهم بشكل مباشر.

ويرى متخصصون في العلاقات الاجتماعية بالقاهرة أن التحرك الأهم يتعلق بتنظيم لقاءات مباشرة مع أرباب وربات الأسر والاحتكاك بهم في المنازل والشوارع وبعض الفعاليات الجماهيرية الكبيرة، بحيث يتم التشاور معهم وجها لوجه والاستماع إلى وجهات نظرهم في الختان وضرب كل معتقد على حدة.

وتحظى حملات التوعية المنزلية بدعم لافت من المسؤولين الحكوميين في كل إقليم، لتوصيل رسائل للأسر بأن القضاء على الختان توجه دولة وسلطة، وليست جهة بعينها، ما أتى بنتائج إيجابية محدودة على مستوى اقتناع الكثير من العائلات بأن الختان تصرف ذميم يستدعي الإقلاع عنه.

يشارك في الخطة متعددة المسارات التوعية قادة وشيوخ في المؤسسة الدينية، مثل الأئمة والواعظات والقساوسة والراهبات، لنفي العلاقة بين الدين والختان، فضلا عن أعضاء نساء من مجلسي المرأة والطفولة وأخصائيين اجتماعيين ونفسيين وأطباء، بحيث تتم محاصرة كل مبررات الأسرة للختان.

وعكس نزول مؤسسات الحكومة إلى أرض الواقع وجود قناعة بعدم فائدة العقوبات دون أن يوازيها خطاب توعي بسيط ومقنع من خلال الاحتكاك بالأهالي، لأن الذين نشأوا على أن الختان جزء من التدين لن يُقلعوا عنه خوفا من القانون، مهما بلغت صرامة العقوبات الواقعة عليهم.

مراقبة ضرورية

وتصل معدلات الأمية التعليمية في مصر إلى مستويات قياسية، ومن الطبيعي أن تكون تلك الفئة لا تعرف الحد الأدنى من الوعي لوجود قانون يُجرّم الختان، ولا تستمع إلى الخطاب الديني أو الإعلامي الحكومي الذي يُحذر من تبعات الختان فقط، ما يعزز قيمة التواصل المباشر مع الناس.

وجرى تحديد المناطق الأكثر إيمانا بالختان لتكثيف نزول المتخصصين والكوادر النسائية والطبية والرائدات الريفيات إليها، حيث يتم انتقاء شخصيات موثوق بها عند الأهالي للمشاركة في الحملات الميدانية، مثل كبار العائلات ومدراء المدارس لإضفاء مصداقية على الخطاب التوعوي.

وعلى مستوى الأقاليم المصرية، تقرر إلزام كل جهة معنية بملف المرأة والطفل بتنظيم فعاليات توعوية، مع تجميع مجموعات من أرباب العائلات للحوار معهم، وتفنيد مبررات الختان، وبدء إعداد خطط المواجهة حسب طبيعة ثقافة المنطقة.

يعتقد متابعون لهذا الملف أن مواجهة ثقافة الختان تبدأ من الاستماع أولا إلى كل أم وأب حول رؤيته لتلك العادة والسبب الذي يجعله يؤمن بها، بعدها يتدخل متخصصون لتفنيد الأفكار السلبية بأسلوب علمي وديني ونفسي يتناسب مع مستوى تعليم تلك الفئة.

ويقول هؤلاء المتابعون إن أي خطاب ترهيبي من جانب الحكومة لن يُجدي نفعا مع شريحة تتعامل مع الختان كثقافة مجتمعية ودينية، والعبرة ارتباط المواجهة بضرب تلك الثقافة من خلال الطعن في مبرراتها، لا أن تتصدى الحكومة للظاهرة من وجهة نظرها، مستخدمة تفسيراتها فقط.

يقود الوصول إلى الفئات الأكثر إيمانا بالختان إلى تسهيل مهمة ضرب المعتقدات الخاطئة التي توارثتها الأجيال عن هذه العادة، سواء أكانت مرتبطة بالدين أو الطب أو العُرف المجتمعي والعفة والطهارة، فهناك مؤشرات حول استعداد شريحة كبيرة من الأسر للتخلي عن الختان.

الحكومة المصرية ملتزمة بتطبيق القانون والخلاص كليّا من عادة الختان، وسيتم تخصيص تكريم سنوي للأعمال الفنية التي تساهم في رفع الوعى بالقضاء على تلك الجريمة

وأقرّت وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج بأن الكثير من العائلات التي تؤمن بالختان لديها تقبل لفكرة الإقلاع عن تلك العادة، لكنها تحتاج إلى من يرشدها للصواب ويصحح لديها الميراث المجتمعي والديني، وهناك أسر اقتنعت بالتوقف بعد أن تم التواصل معها.

قالت استشارية العلاقات الأسرية في القاهرة عنان حجازي إن القضاء على الختان ليس معجزة، لأن الحملات التوعوية تؤتي ثمارها، ولذلك من الضروري محاصرة مبررات الختان وعدم ترك ثغرة دينية أو مجتمعية أو طبية يستند عليها المؤمنون به.

وشددت في تصريح لـ”العرب” على أهمية تكثيف الخطاب التوعوي الموجه إلى الأجيال الصاعدة، بحيث تتعلم الفتاة نفسها كيف تحافظ على جسدها، وعندما تصبح أما لا تختن بناتها، ونفس الخطاب يوجه إلى الشباب كي يتم نسف فكرة توريث عادة الختان من الأجداد والآباء إلى الأبناء.

وأكدت عنان أن المواجهة الفكرية في ملف الختان أهم من أي تشريع يُجرم هذا التصرف، لأن المبرر المركزي هنا يتعلق بوجود توصية دينية بالختان، بما يجعل ثمة شريحة تتمرد على القانون احتراما للدين، لكن العبرة في تفنيد خطاب المتشددين واستبداله بآخر وسطي مقنع وواقعي.

ومهما كانت المسارات الرسمية وتشعبها للقضاء على الختان، من المهم إقناع الأهالي بأن التربية الصحيحة تحمي الفتاة من الانحراف، ولن يتحقق ذلك بإزالة جزء من جسدها مع تقديم هذا الخطاب بشكل مقنع وتقديم أمثلة حية لنسف أي فهم يربط العفة والشرف بالختان.

15