القاهرة تتصالح مع المتهمين بالفساد لإنقاذ الاقتصاد

أخيرا أجبرت الأزمة الاقتصادية الخانقة، الحكومة المصرية على بدء إجراءات التصالح مع رجال الأعمال المتهمين بالحصول على أراض بطرق مريبة في عهد نظام حسني مبارك. وأصبحت أولوية استرداد الأموال تتقدم على محاسبة المتهمين بالفساد، بعد أن عجزت المحاكم عن تحقيق تقدم يذكر في القضايا التي نظرت فيها.
السبت 2016/05/07
نحو أفق مجهول

أقرت لجنة استرداد أراضي الدولة ومستحقاتها بشكل رسمي، برنامج التصالح مع رجال الأعمال المتهمين بالحصول على أراض بطرق غير شرعية، مقابل مبالغ مالية تحددها لجان رسمية.

وتستهدف الحكومة جمع نحو 15 مليار دولار، لمواجهة العجز الكبير في الموازنة العامة، التي من المقرر أن يناقشها البرلمان خلال الأيام المقبلة.

وشهدت الفترة الماضية توترا بين رجال الأعمال والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على خلفية تكرار مطالبتهم بالتبرع لصندوق “تحيا مصر”، وتبيّن أن المبالغ التي تبرعوا بها أقل من المستوى المطلوب، ما دفع الحكومة إلى إقرار زيادات متتالية في الضرائب على أصحاب رؤوس الأموال.

وكان عدد من رجال الأعمال خلال نظام حسني مبارك قد استحوذوا على مساحات واسعة من أراضي الدولة من دون وجه حق، بعضها كان بغرض الزراعة، ثم قاموا بتحويلها إلى منتجعات سياحية تحصلوا منها على مكاسب مالية ضخمة.

وترى الحكومة أن التصالح مع رجال الأعمال هو أحد وجوه دعم اقتصاد البلاد الذي يشهد حالة من عدم الاستقرار وزيادة في حجم الدين الداخلي والخارجي، خاصة في ظل زيادة فترة التقاضي المتعلقة بحصول الدولة على حقها من خلال أحكام القضاء.

يمنى الحماقي: يجب تقسيم رجال الأعمال والقضايا إلى فئات قبل عملية التصالح

وشكل السيسي في فبراير الماضي لجنة خاصة باسترداد أراضي الدولة برئاسة إبراهيم محلب رئيس الوزراء السابق ومستشاره للمشروعات القومية حاليا، مهمتها حصر الأراضي التي تم الاستيلاء عليها وإعادتها بالطرق الممكنة.

وأعلنت اللجنة، الأسبوع الماضي، عن دراسة طلبات التصالح وتقنين الأوضاع للراغبين في التصالح ودراستها مع الأجهزة المختصة بعد أن تلقت بالفعل عددا كبيرا من طلبات التصالح من واضعي اليد، وتخص مساحات كبيرة من الأراضي في عدد من المحافظات.

وأكد محلب أنه سيتم الإسراع في التصالح والبعد عن الأساليب الروتينية المعوّقة، مشدّدا على أن لجنة التصالح تضم في عضويتها ممثلين لكل الجهات المختصة بأراضي الدولة وتسعيرها والجهات الرقابية ما يسهل عليها اتخاذ القرار المناسب سريعا.

وقال إن “ساعة الصفر بدأت في دراسة طلبات التصالح ولا يجب أن تتوقف حتى تنتهي اللجنة من كل الحالات وسوف تتمّ دراستها خلال الفترة المقبلة لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها بعد مراجعة الملفات مع لجان التثمين والتأكد من الموقف القانوني لها”.

ومن المتوقع مراعاة نظام التسعير الجديد، وفقا لموقع الأرض وطبيعتها ومتوسط الأسعار بالمنطقة وعمر الزراعات الموجودة ودرجة الملوحة ومصادر المياه ونظام الري وشبكة الطرق التي تخدمها.

ويرى خبراء أن هذه الإجراءات تأخرت كثيرا بسبب مخاوف الحكومات التي جاءت عقب الإطاحة بحكم مبارك، وكان سيظهر أن الدولة تريد التصالح مع من قامت ضدهم الثورة.

لكن هذه الإجراءات لن تجد معارضة من المجتمع حاليا جراء وجود قضايا أمام القضاء لم يتم البت فيها منذ سنوات وما يهم الناس هو استرداد الأموال من الذين نهبوها بعيدا عن الطريقة التي يتم بها الاسترداد.

عبدالحميد الدمرداش: لم يعد هناك عائق أمام التصالح مع رجال الأعمال الجادين فقط

وكشفت مصادر برلمانية لـ“العرب” أن إجراءات التصالح مع رجال الأعمال لن تعرض على البرلمان لإقرارها أو إخطار النواب بتفاصيلها خاصة أن مجلس النواب أقرّ تعديلات قانون جهاز الكسب غير المشروع ضمن القوانين التي أقرّها البرلمان في بداية انعقاده وتضمنت 334 قانونا صدرت خلال توقف البرلمان عقب 30 يونيو 2013.

وشملت التعديلات إمكانية قبول الجهات القضائية المختصة عرضَ المتهم بالتصالح عن جريمته، بشرط أن يردّ كل ما اكتسبه من أموال غير مشروعة.

كما استهدفت التعديلات تحقيق مصلحة الدولة بعد مرور سنوات من التقاضي لم تحصل فيها مصر على أموالها المنهوبة لدى بعض رجال الأعمال وأرهقت الدولة في منازعات قضائية بلا مكاسب.

وأكد مدحت الشريف وكيل اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب لـ“العرب” أن لجنة حصر أراضي الدولة وما تتخذه من قرارات لن تعرض على البرلمان بشكل مباشر لأنها جهة مستقلة وسوف يتعامل البرلمان فقط مع اللجنة من خلال طلبات الإحاطة في حال وجود أي حالة تستدعي الاستجواب بشأنها.

لكن عبدالحميد الدمرداش وكيل لجنة الزراعة في البرلمان لا يرى مانعا من التصالح مع رجال الأعمال، بشرط أن يكون التقنين للجادين في استصلاح الأراضي مع تضخيم المبلغ الذي سيتم إيداعه في خزانة الدولة لمن قاموا بتغيير نشاط الأرض من زراعي إلى استثماري واسترداد الأراضي غير المستغلة.

وقال لـ“العرب” إن “هذه الإجراءات ستشجع على الاستثمار في مصر التي بحاجة إلى أن تظهر للجميع مدى انفتاحها وعدم تصديها للمستثمرين فضلا عن أن التصالح سوف يضاعف من قدرة الاقتصاد على التعافي من خلال ضخ حزمة من الأموال المستحقة للدولة”.

وصرحت يمنى الحماقي، رئيس قسم الاقتصاد بجامعة عين شمس، التي رحبت بالمبادرة لـ”العرب” بأنه يجب تقسيم رجال الأعمال إلى عدة فئات قبل التصالح معهم بحيث يكون التعامل مع الفئات الأقل ضررا بعيدا عن تورطهم في قضايا جنائية أو تهرب ضريبي من البنوك حتى لا يتم الإخلال بسيادة القانون.

ورجح مراقبون أن يسارع رجال نظام مبارك المتهمون في قضايا تربّح واستيلاء على أراضي الدولة بالتصالح لفك أرصدتهم المجمدة في البنوك والعودة إلى العمل السياسي ورفع أسمائهم وأسرهم من قوائم حظر السفر وغلق القضايا المتعلقة.

10