القاهرة تتجه لتضييق الخناق على الأحزاب الافتراضية لوقف الابتزاز

مجلس النواب يناقش تغليظ عقوبات الجرائم التي تستهدف تأليب الشارع المصري.
الأحد 2024/11/17
من يقدر على الحد من سطوة مواقع التواصل؟

السلطات صارت لها حساسية تجاه الانتقادات في الإعلام، وتفهمها على أنها معارضة، والمشكلة التي تزيد الأمر تعقيدا أن الكثير من المواطنين يتعاملون مع منصات التواصل على أنها إعلام حقيقي في حين تراه السلطات إشاعات مغرضة ومربكة، ولذلك تلجأ إلى العقوبات.

القاهرة - لجأ مجلس النواب المصري إلى استخدام عصا الترهيب ضد محاولات بعض التيارات المناوئة للسلطة تأليب الرأي العام ضدها على فترات متقاربة، من خلال بث شائعات وأخبار مغلوطة حول قضايا حساسة، واستقر الرأي على تعديل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات المطبق منذ حوالي ست سنوات، لتضاف إليه عقوبات مشددة تستهدف وقف الابتزاز السياسي للحكومة.

وأعلن رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب أحمد بدوي أنه لم يعد هناك بديل عن إدخال تعديلات على قانون جرائم المعلومات لإضافة ظواهر مستحدثة تهدد الدولة والمجتمع، منها بث الشائعات والابتزاز الإلكتروني وتأليب الناس ودفعهم للتشكيك في ثوابت البلاد، وسيتم تمرير القانون خلال فترة وجيزة.

وارتبط التصعيد البرلماني والحكومي بتصاعد حدة الشائعات ومحاولة تيارات معارضة تأجيج غضب الشارع، عبر نشر بعض المعلومات التي تفتقد إلى التوثيق بما يلحق الضرر بالأمن القومي، وهي إشكالية عجزت حلول الحكومة التقليدية عن التصدي لها بتوضيح الحقائق ونفي ما يثار ضدها يوميا.

وأصبح استهداف النظام المصري قائما على محاولة ضرب مؤسسات الدولة، وإثارة لغط حول روايات الحكومة بشأن بعض القضايا المثارة، ما تسبب في تداعيات سلبية، بالتوازي مع تنامي شعور لدى مواطنين بأن الإيجابيات التي يتم التسويق لها هي محاولات للتهدئة في مواجهة الصورة القاتمة التي تصدرها المعارضة.

اللواء المقرحي: مشكلة الحكومة ليست في من يتحدث عن رأي يخالف توجهها
اللواء المقرحي: مشكلة الحكومة ليست في من يتحدث عن رأي يخالف توجهها

وأمام عجز الحكومة عن تحديد هوية من تصفهم دائما بـ”المتربصين بالدولة”، أشار رئيس لجنة الاتصالات في مجلس النواب إلى مشكلة ترتبط بوجود 14 مليون حساب وهمي على شبكات التواصل الاجتماعي، لا أحد يعرف أصحابها وخلفياتهم، وهؤلاء وراء كل ما تتعرض له الدولة من شائعات وحروب إلكترونية، مؤكدا وضع عقوبات رادعة ضدهم.

ويعبّر هذا التصعيد عن حجم المخاطر السياسية التي تواجه الحكومة في توقيت حرج، رغم اقتناعها بضرورة وجود أصوات مختلفة معها بما ينفي الاتهامات التي تطولها بالتضييق على مساحة الرأي والتعبير، لكنها ملّت من التشكيك في رؤيتها، ولا بديل عن وضع حد لمن يتسببون في زعزعة الاستقرار بحثا عن مكاسب مشبوهة.

وأظهر تصميم البرلمان على مطاردة الجرائم الإلكترونية ذات الطابع السياسي أن مواقع التواصل أصبحت الكيان المعارض الذي يستطيع أن يُحرج الدولة بأدوات مختلفة، خاصة بعد أن تحولت مع مرور الوقت إلى أحزاب افتراضية تمتلك قوة تأثير وجماهيرية ما فتح الباب لهواجس في ذروة تمسك السلطة بالحفاظ على الاستقرار.

وجزء من إشكالية السلطة أن الكثير من المواطنين يتعاملون مع منصات التواصل على أنها الإعلام الحقيقي، ومع الوقت صارت الحكومة مقتنعة وربما مستسلمة لتلك الوضعية، لكن الخلاف يبدو محصورا في كيفية استخدام الشبكات الاجتماعية بشكل لا يتعارض مع القانون ولا يهدد الدولة أو يبتزها عبر تسلل تيارات مناوئة للناس.

وأكد مساعد وزير الداخلية الأسبق وعضو مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) اللواء فاروق المقرحي أن استحداث عقوبات لمحاربة الابتزاز السياسي على الفضاء الإلكتروني ضرورة، ويصعب ترك الملايين من الحسابات المجهولة تعبث بأمن الدولة واستقرارها دون مواجهة صارمة، لأن هناك شائعات تمثل خطرا على الأمن القومي لمصر.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تعمّد نشر الأكاذيب والعبث بالعقول لا علاقة له بحرية الرأي والتعبير، أو الحريات الشخصية، ولا يمكن لأيّ دولة أن تقبل بذلك، ووصل الاستهداف حد قيام عناصر مغرضة بشراء صفحات لها جماهيرية على الفضاء الإلكتروني لاستغلالها في النيل من الدولة والتحريض ضد مؤسساتها.

وصارت كل شائعة مصدرها حسابات وهمية أو منصات تابعة لجماعة الإخوان، وتنكأ جروحا مجتمعية ضد الحكومة بتضخيم أزمة والتهويل من قضية لزيادة اليأس لدى مصريين، ما يقود لانعدام الثقة بين الشارع والسلطة كجزء من ثأر سياسي قديم.

ويخشى حقوقيون أن تطال التعديلات القانونية الجديدة على جرائم المعلومات، استهداف كل صاحب رأي أو مدافع عن قضية بدعوى أنها تثير الرأي العام، بما يفضي إلى المزيد من تكميم الأفواه وتصنيف كل مختلف مع الحكومة على أنه يعمل ضد الدولة، لأن التلميحات البرلمانية تشير إلى التعامل مع جرائم الإنترنت بأسلوب أمني.

ولم يعد يجد الكثير من المعارضين سوى المنصات الاجتماعية للتعليق على القرارات في الملفات والقضايا المختلفة، أمام تأميم الحياة السياسية والسيطرة شبه الكلية على أغلب وسائل الإعلام وضعف الأحزاب المؤيدة للسلطة وغرق أحزاب المعارضة في أزمات متشعبة، وأصبح الفضاء الإلكتروني ساحة لاستقطاب خصوم السلطة.

◙ التعديلات القانونية الجديدة على جرائم المعلومات قد تستهدف كل صاحب رأي أو مدافع عن قضية بدعوى أنها تثير الرأي العام

وتتميز مواقع التواصل بالنسبة إلى معارضي الحكومة بمواصفات جعلتها وسيلة لممارسة السياسة، حيث أنها سريعة الانتشار ولها قوة تأثير وليس لها سقف في التعبير عن الرأي، وبإمكان أيّ شخص أن تكون له جماهيرية من خلالها، مع انخفاض منسوب الوعي السياسي وتصديق شريحة كبيرة من المواطنين ما يثار ضد الحكومة.

وأوضح اللواء المقرحي لـ”العرب” أن مشكلة الحكومة ليست في من يتحدث عن رأي يخالف توجهها، فهناك نواب يُعارضون بعض القرارات، لكن تعمّد تهييج الرأي العام بشائعة تمس ملفا جماهيريا، فهذا توظيف سياسي مشبوه يجب أن يواجه بقوة في ظل تحديات داخلية وخارجية عديدة، ما يتطلب مواجهة من يثيرون البلبلة عن عمد.

ويرى مراقبون أن الحكومة تتحمل جزءا من انتشار الشائعات والمعلومات المزيفة، وإذا أرادت من خلال البرلمان أن تواجه الابتزاز السياسي المتصاعد بسبب الأكاذيب، عليها أن تمرر تشريعا يبيح حرية المعلومات دون انتقائية مع وجود قوى معارضة تتعمد استثمار شح المعلومات لإثارة الرأي العام ببث أخبار مزيفة.

ويعتقد هؤلاء المراقبون أن مواجهة الاستهداف السياسي بالشائعات بعقوبات صارمة، قد لا تكون لها جدوى إذا استمر الخمول وسط الأحزاب، وتراجع دور الإعلام التقليدي، ومجلس النواب كجهة رقيبة على الحكومة، لأن تلك الوضعية هي التي سمحت لشبكات التواصل بإزعاج السلطة وتحولها إلى قوة معارضة لا يستهان بها.

ويُحسب على الحكومة أنها تتعامل أحيانا مع الرأي المعارض بطريقة تنم عن ارتباك، ما يجلب لها منغصات هي في غنى عنها، مع أن التجاهل والرد العقلاني في مناسبات أخرى قد يجعلانها في مركز قوة مهما بلغت مآرب المختلفين معها، وتظل العبرة في كيفية المواجهة بالمنطق بعيدا عن العقوبات والخشونة.

3