القاص العماني الخطاب المزروعي يسرد سيرة الخوف

على مدى الثلاث عشرة سنة الماضية أصدر الخطاب المزروعي أربع مجموعات قصصية، كانت الأولى بعنوان “لغة الأمكنة” في 2003، ثم “التباسات: نصوص أدبية” 2007، ثم “الرائحة الأخيرة للمكان” 2011، وأخيرا “سيرة الخوف” 2014. هذه المجموعة الأخيرة التي حازت على أفضل مجموعة قصصية عربية صدرت عام 2014 في استفتاء أجرته منظمة كتاب آسيا وأفريقيا في اليمن. وقد تمّت إعادة طباعة البعض من مجموعاته عبر دور نشر عربية مختلفة. هذا بالإضافة إلى وصول قصصه إلى القائمة القصيرة (200 أقصوصة) في مسابقة (الأقصوصة) بمتحف الكلمة في مدريد بأسبانيا (من بين 67000 متسابق) عام 2011.
نحن إذن أمام قاص شغوف لا يهدأ، فما إن ينتهي من عمل حتى يشرع بأسئلته في مشروع آخر أكثر تعقيدا وملامسة لمناطق إنسانية من سابقه. وفي قراءتي لمجموعته الأخيرة “سيرة الخوف” لمست الخوف بالفعل، كائنا متغلغلا في تفاصيل الوطن، وفي إنسانه مثل سيرة تنمو في علاقتنا بالعادات والتقاليد والدين والثقافة والسلطة، وكأن المجموعة ترصد حالة الإنسان الخائف المرتاب، المتوحش الغريب في مشهدية قاتمة لا ترجو النجاة ولا تأملها.
سيرة الخوف
يحدثنا الخطاب المزروعي عن سيرة الخوف: المشهد منذ البداية ظلامي بامتياز، ولكنه حاليا في اعتقادي يتجه إلى نقطة خطيرة على الإنسانية، ألا وهي نقطة اللاعودة. أشعر أن كل الأشياء يعاد تدويرها، ولكن بطرق ملتوية، وغير واضحة المعالم، قد تكون أحيانا عبثية، حتى الحصيف لن يستطيع تحليلها بشكل دقيق، لكنه يعلم أن هناك حبكة سوداء تحاك، والضحية دائما هو الإنسان لذا حاولتُ في “سيرة الخوف” استقصاء ثيمة الخوف عند الإنسان، طفلا كان أو جنرالا يصرعه الموت على غفلة.
في تطوّر لغته القصصية يرصد القارئ لمجاميعه القصصية ولنصوصه قفزات واضحة في الاشتغال السردي لديه، حيث استقرّ أخيرا في “سيرة الخوف” على التكثيف الشديد، مختارا الومضة القصصية التي يسدّد من خلالها سهامه النقدية في قلب الحقيقة، حيث اتّخذ من مجاز اللغة جسدا لنصه.
هنالك كم كبير من الإصدارات في الآونة الأخيرة، قد يكون البعض من الكتاب الشباب يستعجل في أن يكون له إصدار
وعن ذلك يقول ضيفنا الخطاب: اللغة كما تعلم كائن حيّ. تنمو على مستويين، إنساني ومعرفي، هما خطان متوازيان، ومن يتأخر منهما سيندثر. البعض من اللغات اندثرت بسبب عدم استثمارها معرفيا وجماليا على الأقل. عندنا في عُمان، في ظفار تحديدا، فن مُغنى اسمه “النانا”، فن يبهرني عندما أستمع له، رغم أني لا أفهم اللغة الشحرية، هذه اللغة القديمة، مازالت باقية من خلال ذلك الفن الفريد. أما بالنسبة للشق الأخير من سؤالك، الأدب عموما ليست مجموعة سهام نطلقها، بل هي مجموعة أسئلة قد تكون أجوبتها أحيانا عالقة، أو حتى متقصدة. وبالطبع في “سيرة الخوف” كان هناك التكثيف والمجاز. وأضيف أيضا كان هناك عنصر المفارقة، الذي اتكأ عليها معظم قصص المجموعة. القصة القصيرة جدا تحتاج إلى تركيز على مستويين، لغوي وحكائي، وتمرّس. ليست كما يظن البعض بتلك البساطة أو السطحية، وإلا ستخرج القصة ميتة من البداية، لا بدّ من إدهاش المتلقي بشكل مكثف وموجز ومختلف.
المشهد الثقافي
يشغل الخطاب منصب مدير الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، هذه الجمعية التي عاشت صراعات طويلة على مدى السنوات العشر الماضية، محاولة جعل نفسها في منطقة تبعد فيها المسافات نفس البعد بين جميع الأطراف: السلطة، الكاتب، الوطن. وبحكم هذا المنصب الوظيفي للمزروعي فقد حاول دائما من خلاله أن يأخذ دوره الإنساني الحقيقي فيه، دون أن تطوّقه الأنظمة ببيروقراطيتها أو بسلطتها.
عن ذلك يعلّق الخطاب: كوني مديرا للجمعية -وحتى يكون القارئ على بينة وهي وظيفة إدارية وليست ضمن مجلس الإدارة المنتخب- ليس بالضرورة أن أكون مخولا للحديث عنها من الداخل وإلا سيصبح كلامي يعتريه الكثير من المصداقية، ولكن بالإمكان الحديث عنها في سياق كوني عضوا فيها قبل كل شيء، ولديّ تجربة سابقة أيضا في مجلس إدارتها لعامي 2012 و2013. مسألة ما تفضلتَ به أن الجمعية عاشت صراعات، لا أعلم عن أيّ صراعات تتكلم بالضبط؟ إلا إن كنت تقصد تباين وجهات النظر بين مجلس إدارة وآخر فهذا وارد في كل الكيانات الثقافية أو حتى غير الثقافية، وعلينا أن نتفطن لشيء مهمّ؛ وسأطرحه على شكل سؤال: هل الخطاب المزروعي بعدما كان عضوا في مجلس إدارتها، يريد من مجالس الإدارة اللاحقة، أن تنطلق من نفس وجهة نظره، وبنفس الآلية؟ أعتقد أنه لكل وجهة نظره، في اتخاذ الآلية المناسبة التي تساعده في تنفيذ رؤيته التي قدّمها للجمعية العمومية أثناء الانتخابات، والعمل من خلال البيئة المتاحة على جميع المستويات، والسعي الدائم والدؤوب للانحياز والاصطفاف مع القيم العليا التي ينادي بها كل كاتب ومثقف، وعلى الجمعية ألا تبعد نفسها كما ذكرت في سؤالك. بل عليها أن تنحاز مع أعضائها؛ فهي لم تنشأ كي تصفق لأيّ سلطة كانت، وعليها ألا تكون بوقا لأيّ كان، فرسالتها واضحة، وهي خدمة المثقف والكاتب، والرقي بالمستوى الثقافي في عُمان.
|
وفي سياق السؤال نفسه تساءلنا مع ضيفنا إن كانت الجمعية تحرص على أن تكون مظلة للمثقفين وتقف معهم في أزماتهم (قضية الشاعر معاوية الرواحي نموذجا)، أم تفضّل -ضمن سياستها- النأي بنفسها عن هذه الأزمات وتحييد السياسي عن الثقافي؟
يجيب المزروعي: كما ذكرت سابقا، أؤكد أن الجمعية واجب عليها أن تقف معهم. أما قضية الكاتب معاوية الرواحي، فهي مختلفة كليا، لكون اعتقاله خارج عمان أي في دولة أخرى، وحسب علمي أن الجمعية حاولت بشتى الطرق التي تمتلكها، ولكنها باءت كلها بالخيبة، ولم يزل معتقلا حتى الآن وقد أكمل ما يقارب سنة ولم يصدر حكم في قضيته. وموقف الجمعية واضح من خلال وقفتها مع قضية معاوية. لا أعتقد أنها نأت بنفسها عن ذلك، لكون المسألة ليست سياسية أو ثقافية فقط؛ بل إنسانية بالدرجة الأولى.
عمل الخطاب المزروعي عضوا ومحكما في العديد من المسابقات واللجان العُمانية والعربية، لعل آخرها كانت مشاركته في عضوية لجنة تحكيم في مسابقة وجود للقصة القصيرة جدا لعام 2016 بمملكة البحرين. يحدثنا المزروعي عن هذه الشراكة بين وجود ومختبر السرديات العماني قائلا: كان مختبر السرديات العماني قد تلقى دعوة من مركز “كانو الثقافي” بالبحرين لإقامة فعالية في شهر أكتوبر من العام الماضي، وقد أثمر تواجد المختبر في البحرين على اتفاق التعاون -هذا على ما أظن وليس لديّ التفاصيل- بعدها دُعيتُ بعد رجوعي إلى عُمان لأكون ضمن لجنة التحكيم التي تشكلت برئاسة الدكتورة عزيزة الطائي وعضوية الصديقين عوض اللويهي ووليد النبهاني، وشخصيا أشكرهم على ثقتهم.
وفي حديثنا معه عن المشهد القصصي العُماني يرى أن هنالك كمّا كبيرا من الإصدارات في الآونة الأخيرة، قد يكون البعض من الكتاب الشباب يستعجل في أن يكون له إصدار ورقيّ دون أن يمرّ بمرحلة مهمة في حياته الكتابية، وهو التعاطي مع الصحافة والنشر، لأن المسألة مهمة على المستوى الفني، لاكتساب الحرفة الكتابية ومراجعة المراحل مستقبلا، لأن مسألة القفز قد تكون عثرة سوف يعاني منها الكاتب على المستوى البعيد. أما على المستوى الفني؛ فالقصة العُمانية سائرة بشكل تصاعدي ومتسارع سواء لجيل الشباب أو ممن سبقوهم.