القارئ العربي لا يعثر على كتب العراقيين

واقع حركة النشر في العراق.. طفرة وسلبيات.
السبت 2021/04/10
الكتب العراقية لا توزع جيدا

رغم أهمية الأدب العراقي في مختلف مجالاته من شعر وسرد ونقد وحتى مسرح ودراسات نقدية، فإنه من الصعب الوصول إلى كتب المؤلفين العراقيين المطبوعة في العراق، حيث تواجه دور النشر العراقية مصاعب جمة في توزيع الكتاب العراقي، ما يجبر الكثير من هؤلاء المؤلفين للنشر خارج العراق. فيما يلي رصد لأهم ملامح واقع النشر في العراق.

شهد العراق بعد عام 2003 طفرة كبيرة في إنشاء دور أهلية للنشر الورقي، بعد أن كانت دار الشؤون الثقافية العامة، ودار المأمون في وزارة الثقافة هما الجهتان الرئيستان في نشر الكتب، خاصة في حقول الآداب والفنون والعلوم الإنسانية والترجمة.

ولطالما احتكرت العاصمة بغداد، على مدى عقود زمنية طويلة، عملية نشر الكتب والمطبوعات وتوزيعها، وتحكمت بمفاصل الحركة الثقافية وآلياتها ومجرياتها، فانعزلت المحافظات العراقية أو كادت عن الحركة والفعل الثقافي، على الرغم من أن أغلب المفكرين والمثقفين والمبدعين العراقيين من تلك المحافظات، حتى صار انتشار المبدع الذي يقيم فيها، مشروطا بهجرته إلى العاصمة ونقل مشروعه الإبداعي إليها، كما يقول الروائي محمد حياوي.

حركة التأليف والنشر

تزامن ظهور دور النشر الأهلية، بعد 2003، مع نمو حركة التأليف، وازدياد عدد الكتّاب العراقيين في تلك الحقول لأسباب عديدة. ويمكن أن نضرب مثلا على ذلك بكتّاب الرواية، فبعد أن كان عدد الروايات، التي تصدر كل عام قبل ثلاثة عقود أو أربعة، يتراوح ما بين 10 و20 صار في السنوات الأخيرة أضعاف ذلك بكثير، حتى أن أحد الأساتذة الجامعيين قال في تصريح له إن الروايات التي صدرت منذ 2003 بلغت نحو 1200 رواية. وأن معظم كتّابها من الجيل الجديد، الذي هزته قضية الاحتلال الأميركي للبلد، وما أحدثته من انقسامات اجتماعية وسياسية ومذهبية، وتحولات عنيفة، ومعضلات شائكة، كانتشار العنف والتهجير الطائفي والغربة عن الوطن، فوجد فيها مادة خصبة لتمثيل واقع المجتمع العراقي سرديا.

 ليس ذلك فقط، بل إن بعض كتّاب هذا الجيل عاد إلى عقود ما قبل الاحتلال ليسرد وقائع ودوافع أنتجت ظاهرة العنف. وفي هذا الصدد يقول الروائي عبدالكريم العبيدي “إن الرواية العراقية عادت أخيرا مكتفية بذاتها، وانغمرت برحلة فتح الأبواب المغلقة، والكشف العجائبي، ورفع الغطاء عن أحداث قديمة مجهولة”. وإلى جانب ذلك أسهم في هذه الطفرة ظهور روايات نسائية، وحصول روائيين عراقيين على جوائز في مسابقات عربية كثيرة، ما دفع الكثير من دور النشر إلى تلقف النتاج الروائي الذي يشهد إقبالا على اقتنائه من طرف القرّاء.

باستثناء دور النشر البارزة وعدد قليل غيرها فإن المهنية تكاد تغيب عن عمل أغلب دور النشر الأخرى في العراق

هذه الظاهرة بالطبع، رغم ما فيها من غث وسمين، نلمسها في جغرافيات عربية عديدة أيضا، لكنها تكاد تكون أشد بروزا في العراق، ومن أسبابها، فضلا عما أشرنا إليه، اعتقاد الجيل الجديد بأن الرواية غدت الفسحة المناسبة له للتعبير عن مكنوناته، وتحولت إلى فعل حرية تتناسب عكسيا، أو تأتي ردة فعل على حياتنا المحافظة والمنغلقة على نفسها، أو شعورا منه بأنها تتمكّن من الإحاطة بحجم ما يواجه الواقع من اهتزازات عنيفة ينوء الأفراد بحملها وتحمّل أوزارها.

تشير الإحصاءات التي حصلنا عليها من مواقع عديدة إلى أن عدد دور النشر الأهلية في العراق بلغ الآن أكثر من 50 دارا أغلبها في بغداد، ولبعضها مكتبات خاصة وفروع في بيروت وعمّان ودمشق. ومن أكثرها نشاطا في نشر الكتب الأدبية والفكرية: دار المدى، دار الجمل، دار الرافدين، دار سطور، دار ميزوبوتاميا ودار الروسم، وهي الأكثر مشاركة في معارض الكتب التي تنظم سنويا في الدول العربية، إلى جانب اتحاد الناشرين العراقيين الذي يضم في جناحه عادة منشورات عدد من الدور المحلية.

وتميزت الدار الأولى (المدى)، التي تأسست في دمشق منتصف تسعينات القرن الماضي، بنشر سلسلة من الروايات الفائزة بجائزة نوبل للأدب إلى جانب مؤلفات الكتّاب العراقيين والعرب، ونظمت معارض عديدة للكتب في بغداد والبصرة وأربيل.

أما في المحافظات، فثمة في البصرة عدة دور نشر نذكر منها دار شهريار، دار وراقون، دار الفراهيدي، جيكور للطباعة والنشر والمكتبة الأهلية، كما نجد في كركوك دار رؤى للطباعة والنشر، دار نوبليس للطباعة والنشر ودار رودينا للنشر والتوزيع، وفي الناصرية مكتبة المعرفة للطباعة والنشر، وفي الديوانية دار ابن السكيت، لكن كليهما لا نشاط يُذكر لهما في مجال النشر. وفي إقليم كردستان (أربيل، السليمانية ودهوك) ارتفع عدد دور نشر باللغة الكردية إلى ما يزيد عن 30 دارا تنشر للمؤلفين الكرد وترجمات من اللغة العربية ولغات أخرى، منها سردم للطباعة والنشر، منشورات اتحاد الأدباء الكرد، دار روسا، دار سبيريز وغيرها. ونظرا إلى واقع الإقليم الخاص فقد تأسس بعض هذه الدور قبل الألفية الثالثة.

غياب المهنية

Thumbnail

باستثناء دور النشر البارزة وعدد قليل غيرها، فإن المهنية تكاد تغيب عن عمل أغلب دور النشر الأخرى في العراق، إلى درجة أن أحد الكتّاب، وهو محمد حاذور، يصفها بأنها ليست دور نشر بل دكاكين، “فكل من يعمل في بضاعة الكتب، وكل من كانت لديه بسطية مفترشة على رصيف سعى وتبوّأ ليضع نفسه مديرا وناشرا وصاحب دار نشر، من دون أي مهنية علمية وعملية تحتاجهما الدار الرصينة المعنية بخلق حوار يتداول الخطاب المعرفي بكل أصنافه، وإعلاء سلطة العقل على التقاليد والسُنن التي يصنعها المجتمع ليرتقي، ولتكون نظاما وسياسة تتحكمان بمقدرات الشعب”.

ويرى الكاتب علي فائز أنه “ربما صار واضحا لدى جميع المهتمين بالشأن الثقافي أن أغلب دور النشر العراقية وخصوصا الجديدة تنازلت عن المعايير الأخلاقية والمهنية التي أنشئت لأجلها، فأغلب أصحاب دور النشر اليوم هم عبارة عن تجار، ولا يهمهم نوع الكتاب والمادة التي يحتويها بقدر ما يهمهم قبض الأموال من الكاتب الذي أوهموه بهذه الصفة”.

ويضيف فائز أن “بعض دور النشر في الحقيقة تنظر إلى الكاتب على هيئة أموال تمشي على الأرض، ولا يهمها المنجز مطلقا حتى لو كان هراء، وباتت هي من يحدد ما يقرأ وما لا يقرأ بعد أنْ تحولت الثقافة إلى صنعة وأصحاب دور النشر إلى مستثمرين”.

ونضيف إلى ذلك أن بعض هذه الدور لا تحترم على الإطلاق حقوق المؤلفين والمترجمين، فتعيد نشر أعمال كتّاب عالميين سبق أن صدرت في عواصم عربية أخرى من دون علم أو موافقة مترجميها. كما أن بعضها لا يوقع مع الكاتب عقدا، وإن فعل فليس مع كل الكتّاب. وبعضها يصدر طبعات جديدة من الكتاب الذي بيعت طبعته الأولى دون أن تُعلِم الكاتب. وهنا يكمن دور اتحاد الناشرين العراقيين في التصدي لهذه الظواهر.

يقول الكاتب وصاحب دار شهريار صفاء ذياب إن المطبوعات الرديئة في السوق العراقية بعضها مليء بالأخطاء النحوية واللغوية، وآخر كانت أخطاؤه الطباعية هي الغالبة، في حين نجد أن الكثير من الكتب لم تُحرر لا من قبل الكاتب، ولا من دار النشر التي تولت طباعته. إن دور النشر العراقية (المحلية) لا تملك أي محرر أو خبير أدبي أو لغوي، لذا نجد أغلب الكتب المطبوعة داخل العراق مليئة بالأخطاء اللغوية والطباعية وغيرها، كما أن أغلب الكتب تحتاج إلى تحرير، وقسم منها بحاجة إلى إعادة صياغة.

ويذهب الناشر والكاتب مازن لطيف، صاحب دار ميزوبوتاميا، الذي تعرض إلى الاختطاف قبل سنة ونيف، إلى أن المحرر الأدبي مهم جدا بالنسبة لأي ناشر، لكن هذا الشيء ينقص دور النشر العراقية، كما أن هناك سبباً آخر مهما، وهو أن المؤلف العراقي لا يقبل أن يُحرَّر له كتابه، ويتوقع أنه مقدس وخالٍ من الأخطاء.

ورغم صدور قرار حكومي متأخر، عام 2018، يسمح بتصدير الكتب خارج العراق، فإن توزيع الكتاب العراقي الذي يُطبع في الداخل لا يزال ضعيفا جدا، ولا يكاد القارئ العربي يعثر على كتب دور النشر المحلية إلا في بعض معارض الكتب التي تشارك فيها نسبة قليلة منها. ولعل العائق الرئيسي هو عدم وجود شركات عراقية متخصصة في هذا الأمر. كما تشكو دور النشر المحلية من الأثر السلبي للقرصنة وانتشار الكتب الإلكترونية التي تحد من إقبال القرّاء على اقتناء النسخ الورقية.

13