الفن العربي لا يمتلك ترف عدم الانغماس في واقع مأساوي

لوحات العراقي نبيل علي جزء من بيئته والأحداث من حوله وهو المعرض الفردي السابع الذي يقيمه هذا الفنان ويضم ثلاثين لوحة بمقاسات مختلفة.
الأربعاء 2022/05/04
لوحات تحاول التحرر من الواقع المؤلم

لا يملك الفنان العراقي نبيل علي إلا أن يوظف ألوانه ومخيلته في التعبير عن المآسي العربية المشتركة والخاصة، والتي التزم منذ بدْء مسيرته التشكيلية بالتفكر فيها والتحدث بصوتها المكتوم والتعريف بها وكذلك التذكير بها، مضفيًا عليها مسحة من الأمل "الفني" الذي يؤكد أن الغد بإمكانه أن يكون أفضل بجهود من يؤمنون بذلك.

تقدم صالة "الكحيلة" في منطقة المهندسين في مصر معرضا للفنان التشكيلي العراقي نبيل علي تحت عنوان "أوراق البوكر". وهو المعرض الفردي السابع الذي يقيمه هذا الفنان ويضم ثلاثين لوحة بمقاسات مختلفة استخدم فيها تقنية الكولاج وألوان الأكريليك.

ومن المعروف عن الفنان التشكيلي العراقي نبيل علي -وذلك من خلال معارضه الفردية ومشاركاته العديدة في معارض جماعية- أن له مبدأ خاصا به لا يحيد عنه مهما اختلفت المواضيع التي يتناولها ويمكن اختصاره بكلمات له رددها في أكثر من مناسبة وهي أن "الفنان هو ابن بيئته ويتأثّر بالأحداث التي تدور حوله وهو جزء من المجتمع، لذلك أنا أرى من واجبه أن يكون صاحب رسالة من خلال طرح أعمال فنية يعكس فيها ما يدور من أحداث سياسية، وأن يفضح ويكشف الوجه الآخر القبيح للسياسيين، لأن من غير المعقول أن يتخذ الحياد، هنا يصبح فنانا متواطئا وغير حقيقي. لذلك على الفن أن ينقل الأحداث بكل حذافيرها ويحاول إيجاد حلول من خلال طرح أعمال فنية تؤثر في المجتمع".

وأعمال الفنان بمجملها، وليس فقط الجديدة -على الرغم من أجواء الفرح التي تلحفها لحفا دون أن تستقر فيها- تعلن نيابة عنه أن لا فن في منطقتنا العربية يملك ترف ألاّ يكون منغمسا في واقع مأساوي مازال يصرّ على أن يكون حمّالا للألوان التي ما انفكت تحلم بتوهّجها وبالتفوّق على ظلالها الدامسة والمعتمة.

وقد واظب الفنان في معارضه الفردية -مثل معرض “للأنثى حديث وموسيقى"، ومعرض "قوارب ورقية"، ومعرض "أسفار"، ومعرض "موعد ملون"، ومعرض "ذاكرة الجسد" - على تأكيد موقفه تجاه الفن كما أظهر ذلك في عدة أعمال منفردة تناولت وباء كوفيد - 19 وأزمة الكهرباء المزمنة في العراق. وكانت في مجملها أعمالا تعاطف معها المُتلقي اللبناني لأنها من صميم المعاناة اليومية المشتركة.

الفن يخفّف من وطأة الأزمات
الفن يخفّف من وطأة الأزمات

وهو اليوم في معرضه الجديد "أوراق البوكر" يستمر في الجريان على ضفاف نهر الحياة اليومية وما يسقط وينبت وينعكس فيه من مجريات الأمور والعناصر المستجدة. غير أن معرضه هذا بدا أكثر شمولا وزاخرا بكل ما هجس به وعبر عنه الفنان سابقا، ولكن بنبرة تفاؤلية احتفالية ليس فيها شيء من الهدوء، لا من ناحية الحشد اللوني بتدرجاته ولا من ناحية اكتظاظ المفردات التشكيلية من خطوط وأشكال وطبقات لونية تشف عن بعضها البعض حينا وتتكثف حينا آخر.

وفي قلب الفرح الحالم الذي لا يخلو من نبرات طفولية لم يغب لا الحزن ولا الألم وبقيا يشدان أواصر الحياة الاحتفالية في اللوحات إلى المصدر، أي إلى الواقع المحض الذي ليس بأبهى حالاته في عرف الفنان وفي عيون مُشاهد لوحاته على حد سواء.

"أوراق البوكر" عنوان بحد ذاته يأخذ المُشاهد إلى ازدواجية واقع الحال. فالفنان في لوحاته يتحدث عن المُمكن وليس الأكيد.

شخوص الفنان نبيل علي قادمة من معارضه السابقة بإضافات واختزالات جديدة لتتلاقى وتتجاور وتتداخل في ما بينها

وقد أصاب الفنان تماما حين عنون معرضه بهذا العنوان لأن المشاهد التي قدمها لنا ليست فقط احتمالات، بل تتصف بسمة واضحة جدا وهي البعثرة، إذا صح التعبير. فكل ما في أرجاء لوحاته "يقوم ولا يحطّ"، إذا صح التعبير، ويطلب منك كمُشاهد أن تصغي إلى صهيله قبل أن يحل صمت قد يحدث في أية لحظة، وقبل أن يغرق أبطال اللوحات من نساء ورجال وحيوانات أسطورية منهمكة بأحوالها في سكون لا أمل منه.

ومعرضه هذا هو دعوة إلى حياة بقدر ما هي صاخبة، هي هشة وعرضة للتحلل كما تتحلل الألوان حين تقع في الماء.

أما بالنسبة إلى شخوص وكائنات الفنان فهي أيضا قادمة من معارضه السابقة، ولكن بإضافات واختزالات جديدة لتتلاقى وتتجاور وتتداخل فيما بينها لتشكل مشهدا ضخما من الاحتفالية الدرامية الزاخرة.

ونذكر من تلك الكائنات والعناصر المُلحقة بها أو الأساسية القائمة بحد بذاتها: النساء في حالات حب انتشرت حتى أقصى مواطن اللوحات والرجال في مواكب رجراجة في جوار النسوة أو أفراد في لوحات أخرى، والغيوم الشفافة والكثيفة والقوارب الورقية كعبّارات لا يهلكها الماء، وكتيجان وقبعات على الرؤوس، والجياد العربية الواثبة والمتقدمة والفاكهة ذات الرموز كالتفاح والرمان والأشجار والنخيل والنباتات العطرية التي يكاد يصل عطرها إلى روح المُشاهد، والتيجان الذهبية التي تعتلي رؤوس الشخوص ورؤوس الحيوانات الأسطورية كالطيور الكبيرة والعصافير والديوك والآلات الموسيقية المُصغرة وذات الأحجام العادية.

ويبقى هدير الأزرق ورقرقة اللون الأخضر هما المسيطران على معظم اللوحات وحضرا ليس فقط كخلفيات لونية كما ظهر اللون البني والرملي في العديد من لوحاته السابقة لاسيما تلك التي يكشف فيها الفساد السياسي.

جزء من بيئة الفنان والأحداث الدائرة حوله
جزء من بيئة الفنان والأحداث الدائرة حوله  

ويحضر بقوة العراق وعراقة تاريخه الزاخر بالأساطير والوقائع البطولية والملاحم، وهو ما أفصح عنه الفنان في كلامه كما في لوحاته حين قال في أكثر من مناسبة "في بعض الأحيان عندما أرسم تخرج أشكال وموضوعات ترتبط عفويا بالرسوم الجدارية القديمة مثل الأجنحة على الأشخاص، وهي موجودة في الرسوم والمنحوتات الأثرية وتمثل الإله والملك وأيضا طريقة اللحى والإكسسوارات، والألوان الترابية في بعض الأعمال هي امتداد لحضارتنا العريقة. واختياري لثيمة الرجل والمرأة وهما يمتطيان ظهر حصان، فيه إشارة إلى سعيهما الدؤوب نحو الخلود والحياة الأبدية".

يذكر أن نبيل علي فنان تشكيلي عراقي من مواليد 1980 وحاصل على دبلوم معهد الفنون الجميلة في بغداد وبكالوريوس فنون جميلة - جامعة بغداد، وعضو نقابة الفنانين التشكيليين العراقيين وعضو جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين. وشارك في أغلب المعارض التي أقيمت داخل وخارج العراق من سنة 2003 إلى 2021. وله ستة معارض شخصية أربعة في القاهرة وواحد في الأردن.

وله أيضا معرض إلكتروني على موقع وزارة الثقافة العراقية. وهو حاصل على الجائزة الأولى في مهرجان كلواذ الثقافي في بغداد 2008، وعلى الجائزة الثالثة في مهرجان عشتار للشباب في بغداد 2015، وعلى الجائزة الأولى في معرض الشباب.

14