الفنان التشكيلي أدهم الدمشقي وعنبر الأماكن المتجولة

مهرجان "عنبر".. من محترف فني إلى مشروع يستمد قوته من الواقع اللبناني.
الجمعة 2023/04/07
ورشات تنمي مهارات المواهب اللبنانية

يواصل مهرجان “عنبر” للفنان أدهم الدمشقي انعقاده سنويا في مرسمه على أمل أن يصبح مهرجانا متنقلا بين البيوت الفنية في لبنان، محققا نضجا وتنوعا فنيا عاما تلو الآخر، ويستطيع من خلاله الفنانون والمشاركون التعبير عن وجودهم في زمن أنهك البلاد وأهلها.

انعقد مهرجان “عنبر” في نسخته الثالثة لمؤسسه الحصري الفنان التشكيلي أدهم الدمشقي، وضم عدة نشاطات ثقافية وفنية متنوعة تراوحت بين الفن التشكيلي والموسيقى والشعر والسينما والمسرح. وشكل هذا المهرجان كما في السنتين السابقتين احتفالا بالحياة الثقافية والفنية في بيروت التي ظلت صامدة بالرغم من كل الصعوبات.

منذ السنة الأولى بعد انفجار 4 أغسطس 2020 الذي طال مرفأ بيروت اتخذ الفنان أدهم الدمشقي من بيته ومرسمه في منطقة “الجعيتاوي”، التي تضررت بشكل هائل من الانفجار، مكانا لاستضافة نشاطات مهرجان أطلق عليه اسم “عنبر”.

وأوضح منذ ذلك الحين أنه أطلق هذا العنوان على المهرجان لأن العنبر هو “مادة صلبة لا ريحَ لها ولا طعم إلّا إذا سُحِقَت أو أحرقت، وهي أشبه ببيروت التي فاح عطرها فينا حين احترقت. وكما أن صدماتنا يمكن أن تظلّ عثرة في دربنا، لكنّنا حين نحوّلها إلى عمل إبداعي، فستصير تجارب عنبرية تحرُّرية تصالحية، تقود من التصالح الفردي إلى التصالح الاجتماعي. وهذا هو جوهرُ رسالتنا. نريد في ‘عنبر’ أن نكون زهرة لوتس في مستنقع بيروت الموحل”.

مفهوم المكان عند الفنان ليس تقليديا، بل يراه مساحة متبدلة تعيش تحولاتها بمحاذاة الأمكنة الجغرافية التقليدية

ورغم حماسه الشديد للمهرجان وفكرته تمنى الفنان أدهم الدمشقي ألا يستقر في منزله بل يحلّق من بيته إلى بيوت أخرى، إذ يقول “ليسَ هناكَ أجمل من أن تُضاء بيوتنا بالفنّ والثقافة، وتكون مساحة تلاقٍ فكريّة وإنسانيّة. أتواصلُ حاليّا مع الأصدقاء لتنظيم المهرجان الجديد في أكثر من بيت، كما أنّني أتوجّه من خلال منبركم بدعوة عامة إلى الراغبين في استقبال المهرجان. دعونا نُضئْ بيوتنا بالثقافة”.

رغبة أدهم الدمشقي ألا يثبت مهرجان أسسه هو واحتضنه على مدار ثلاث سنوات في مكان واحد وأن يتنقل من بيت إلى بيت آخر تحيلنا إلى منطق المعرض الذي أقامه سابقا في تركيا. يومها علّقَ لوحاته أقمشةً على جدران “إكسبو بودروم للفنون المعاصرة” ووضع أمامها مِقصًّا. ودعا الزائر إلى أن يشتري قطعة من القماش المرسوم والمُعلق أو أن “يقتطعَ عصفورًا من خريطة اللوحة، لكي يطير به إلى بلدٍ مختلف سيعود إليه يوما ما بعد زيارة المعرض. وهكذا سيكون العمل الفني قد تجزأ حدّ التلاشي”.

مفهوم المكان عند الفنان ليس تقليديا، بل يراه مساحة متبدلة تعيش تحولاتها بمحاذاة الأمكنة الجغرافية التقليدية كوطن اسمه لبنان وكعاصمة اسمها بيروت تتعرض تباعا لتصدعات خطيرة تهزّ بنيانها الوجودي.

وقد جاءت الدورة الأولى للمهرجان من صلب هذه القناعة مرتبطة بمعرضه الفردي الأوّل الذي حمل عنوان “عنبر” وقدم خلاله مجموعة لوحات تناولت مقاربة لاضطراب ما بعد صدمة انفجار الرّابع من أغسطس.

وتماشى ذلك تماما مع ما قاله عن معرضه في تركيا المذكور آنفا من أن العمل الفني بالنسبة إليه “يشبه الوطنَ، عندما يفقد هويّته، يتحوّل إلى خريطة هَشَّة أو قماشة، تُقتطعُ أجزاؤها وتتلاشى”.

هكذا يستقر مفهوم الفن بشكل عام بالنسبة إلى الفنان على أنه أمكنة وامضة ومتنقلة تحضن الخلاص وتؤكد على استمرارية الحياة وعدم تلاشيها تحت وقع الضربات.

وأظهرت الدورة الثالثة للمهرجان تطورا وكانت أكثر تنظيما وأصبحت الأنشطة أكثر تنوّعاً على الرغم من الصعوبات التي واجهت الفنان بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان، لاسيما أن المهرجان حسب قوله “مبادرة فردية غير ممولة، والمشاركة فيه مجانية بالكامل. وعلى الرغم من ذلك، أتمسك بهذا النشاط، المساحة الوحيدة التي تشبهني في بيروت، وأشكر الضيوف والمشاركين الذين يقدمون أعمالهم في ‘عنبر’ ويساهمون في نجاحه، حتى المهرجان مساحة تشارك جماعية”.

وأضاف قائلا “لكنني لا أدعي أنني المقاوم الوحيد في هذه المدينة. كُثرٌ هم الفدائيون في هذه المدينة، وكثيرة هي المبادرات التي تُريد أن تُعيد إلى بيروت مجدها الثقافي والحضاري”.

ندوات عروض تجعل "عنبر" فضاء ثقافيا سنويا
ندوات عروض تجعل "عنبر" فضاء ثقافيا سنويا

ومما ضم برنامج المهرجان الذي دام شهرا “لقاء تأملي في الجسد الحسّي” مع ثُريّا بغدادي ولقاء آخر “مِنْ إلى” حول فلسفة الصورة الفوتوغرافية مع نوار بركات، و”قراءات وحوار مع الشاعر ربيعة أبي فاضل” وندوة حول علمَي النفس والاجتماع في “المكتبة العامة” لبلدية بيروت - الجعيتاوي.

واحتضن برنامج المهرجان أيضا محاضرة للباحث شربل داغر تحت عنوان “هل بات الشعر أخرس؟”، وأمسية طربية مع ريم رافع والعازف رعد الشحف.

كما شهدت حديقة بلدية بيروت العامة (الجعيتاوي) في 25 مارس، وبالتّعاون مع “جمعية السبيل” و”لقاء حي جنينة اليسوعيّة”، نشاطا خاصا بالرسم والمطالعة.

واختتمت التظاهرة الفنية بعرض فيلم “رصاصة طائشة” الذي أنتج عام 2009، ونقاش مع مخرجه جورج هاشم، علما أنّ الشريط الذي تتشارك بطولته نادين لبكي ورودريغ سليمان وباتريسيا نمّور وبديع أبوشقرا ونزيه يوسف وتقلا شمعون وآخرون، تدور أحداثه خلال الحرب الأهلية اللبنانية في منتصف سبعينات القرن الماضي.

يُذكر أن الفنان أدهم الدمشقي (1990) شاعر ومسرحي وفنان تشكيلي لبناني، يقيم في محترفه الفني في بيروت. وهو أيضا محاضر جامعي في دور العلاج بالفنون والتنمية الذاتية.

وشارك الدمشقي في أعمال مسرحيّة مع المخرج الراحل منير أبودبس، مؤسس المسرح الحديث في لبنان. كما أعدَّ وأخرج مجموعة أفلام وثائقيّة بين عامي 2012 و2019. والفنان حائز على ذهبية الشعر في أستوديو الفن وله أربعة كُتب تُرجِمَت إلى لغات عدة.

14