الفنانة المصرية أنيا سليمان وتحور الأقانيم الثلاثة

أعمال تدرس العلاقة الشائكة بين الإنسان والطبيعة والتكنولوجيا.
الأربعاء 2022/10/05
عالم صالح للعيش

ويجدر الذكر هنا أن الفنانة أعطت لهذا العمل ولأعمال أخرى في المعرض عناوين “غابة مطيرة”. ووضعت في عمل فني ظهر في حالتين أو لنقل بنسختين مختلفتين نباتات البامبو الاصطناعية وهي تشعّ “اصطناعيا” حيث تتناول الفنانة فكرة فيض الإنتاج وفيض الناسخات الأصلية عن عناصر طبيعية واختلافها عن الأصل الكامن عضويا في الطبيعة.

ويأخذنا هذا التمثيل إلى أفكار المفكر الفرنسي جان بودريار في ما يتعلق بنظرية التكرار ومعاينة الواقع على أنه نسخة عن الأصل. والكلام هنا يفيض ولا مكان له هنا في مقالة قصيرة.

ويذكر هنا أن “الغابة المطيرة” كعنوان تحمل بعدين مهمين متصلين اتصالا وثيقا بما تقدمه الفنانة. الأول: البعد الكولونياليّ الشرس الذي أخذ وجها جديدا في الزمن المعاصر هو امتداد لما سبق، ولكن بنسخة “مُلطفة” من ناحية المظهر فقط، ومنها تعابير مقلقة مثل “قبول الآخر” و”تحاور الحضرات” و”العالم قرية صغيرة” وما إلى ذلك من تعابير واهية. وهي كولونيالية داهمت الغابات العذراء، وما ترمز إليه، وتمددت وألحقت الأذى بالطبيعة وأهل المنطقة من بشر ونباتات وحيوانات تحت ستار التقدمية الحضرية.

ثانيا: بعد القلق واستغلاله لقلة الخبرة التي يشعر بها البشر وهم يصبحون شيئا فشيئا مخلوقات هجينة ما بين الطبيعي والديجيتالي الفائق في عصر ما يطلق عليه اليوم بـ”السايبورغ إييج”، أو “عصر السايبورغ”.

“أرضنة” هو محاولة طرح حلول من خلال الفن لجعل كوكب الأرض صالحا للعيش من جديد

أما من ناحية التقنيات والمواد المستخدمة في الأعمال الفنية فيذكر البيان الصحافي أن الفنانة تستخدم “تقنية الانكوستيك وتستخدم الأصباغ والشمع وطلاء الشمع الساخن”. ويضيف البيان أن الفنانة  “انتقت من المخلّفات الصناعية المهملة عناصر لتضعها على القماش مع مجموعة من العناصر الطبيعية كأوراق الأشجار ثم نثرت عليها رذاذ الطلاء اللوني في درجات ومواضع مختلفة من العمل”.

ويمكن القول إن هذه التقنيات المختلفة لا بل المتناقضة من حيث عضويتها وأثيريتها أعطت للوحات حياة “غرائبية” تبدو فيها أوراق الأشجار وهيئة نمر مرابض أشبه بسراب مستفحل يدعو الناظر إليه إلى التأكد من وجوده، ترتج وكأنها تحت موجة رياح جليدية أو كأنها تحت طبقة من جيلاتين مضيء ينتمي الى عالم الديجيتال.

وفي عالم أنيا كل عنصر يعوم. وهو تمثيل ليس لمشاهد طبيعية، بل هو “تيرافورم”، أي “أرضنة”. أرضنة ملتبسة مُقلقة وشائكة المعاني والتجليات ويصعب على الإنسان تلقفها وإن كان هو جزءا فاعلا منها وليس دخيلا أو متلقيا لها.

ولأجل التأكيد على هذه العوالم الغرائبية المُلتبسة والهجينة نفهم لماذا ذكر البيان الصحافي أن عناوين الأعمال الفنية “تم ّاستنباطها من خلال الاستعانة بخوارزمية عشوائية لتوليد الكلمات، كما تستخدم ترجمات آلية خاطئة من اللغة العربية، مثل انفعالات كيميائية (كهرباء) ضوء منبعث (كهرباء) وهزّ أعصاب الحيوانات (كهرباء)..”.

يبقى أن نقول إن أعمال الفنانة أنيا هي من ناحية كبيرة أشبه بتمارين مُقلقة لأجل التمكن من معرفة ما الذي يتبدل بهذه السرعة الخاطفة في حياتنا. وهي تشبه في نواح كثيرة ما كنا نقوم به ونحن صغار في السن عند محاولتنا للعثور على أشكال معروفة و”مُطمئنة” أمام ورقة تشبه خارطة ما ومليئة بالنقاط ينبغي علينا وصل نقاطها بواسطة قلم رصاص، يمكننا محي آثاره إن أخطأنا، حتى يتم تحقيق ظهور الأشكال وبالتالي التعرف عليها وفهمها ومن ثم التعامل معها. غير أن الفارق العظيم هو أننا.. جزء لا يتجزأ من هذه الخارطة/الأحجية.

14