تعيد الفنانة مصرية الأصل أنيا سليمان تشكيل العلاقة الشائكة بين الإنسان والطبيعة والتكنولوجيا، فتركز على التحولات التي تطال الحياة البشرية بفعل التطور التقني الذي يلقي بكامل ثقله على الإنسان ومن ثم على الطبيعة. لذلك يبدو العالم الجديد الذي ترسمه في لوحاتها عالما هجينا لكنه عالم أرضي صالح للعيش بألوان غريبة لم تألفها العين المجردة.
عندما يجيء ذكر تعبير الفن المفهومي أول ما يخطر على البال هو البعد المطلق عن الهمّ الجمالي على حساب الفكرة وهذا إن حضرت الفكرة المنغلقة في إبهام لا يستطيع فك رموزه إلا الفنان وقلة من المتلقين، غير أن هذا ليس ما سيعثر عليه زائر معرض الفنانة المتعددة الوسائط أنيا سليمان في رحابة فضاء “صفير سملر” المتخصصة بالفن المعاصر والمفهومي بشكل خاص.
وتقدم الفنانة منذ الخامس والعشرين من أغسطس الماضي حتى أوائل نوفمبر القادم أعمالا فنية أنتجتها ما بين سنة 2020 و2022 تحت عنوان “تيرافورم” أي “أرضنة”. وهو معرضها الأول في الشرق الأوسط.
ويتضمن معرض “أرضنة” الكائن في رحاب صالة “صفير سملر” أعمالا عديدة للفنانة المصرية الأصل أنيا منفذة على ورق وعلى قماش لوحات يمكن اعتبارها جداريات نظرا لمقاساتها الكبيرة جدا.

ويقدم البيان الصحافي أن المعرض يتطرق إلى “العلاقات الشائكة والمتداخلة ما بين الطبيعة والإنسان والتكنولوجيا”.
ولأجل ألا يقع الالتباس بما هو المقصود بالتكنولوجيا لأنه مفهوم واسع جدا يجيء العنوان “أرضنة” ليحسم الجدال ويؤكد بأن المقصود به في هذا المعرض هو محاولة طرح حلول من خلال الفن لجعل كوكب الأرض صالحا للعيش من جديد ولاسيما من الناحية الصناعية والاقتصادية.
وقد برزت هذه الفكرة بشكل لافت أثناء فترة الحجر الصحي حين توقف الإنتاج الصناعي وانخفض الأداء الاقتصادي إلى أدنى المستويات وبقي التواصل ما بين الناس افتراضيا.
وتقول الفنانة أنيا حول ذلك إن فكرة المعرض ولدت أثناء فترة الحجر الصحي، وأنها تخايلت هجرة البشر إلى كوكب آخر يسهل فيه العيش بكل ما يحتاجه من مقومات.
غير أن ما تقدمه الفنانة هو عالم ليس على وشك الزوال ويجب محاولة اكتشاف صيغة ما لمغادرته، بل هو عالم يسعى لأن يواجه تحولاته الجمّة من ضمن مثلث لا يبدو فيه حتى الآن إضعاف لأحد أقانيمه الثلاثة: الإنسان والطبيعة والتكنولوجيا في آخر تطوراتها المرتبطة بعالم “السيبرناتيك” وعالم الواقع المُضاعف أو ما يُسمى بـ”أوغمانتدت ريالتي”.
وتبدو أعمال الفنانة المصرية التي لا تخلو معظمها البتة من جمالية عالية تثير البصر تظهيرا لقناعتها بأن العالم الذي نعيش فيه أصبح هجينا وهو يتابع تحولاته المُقلقة التي تضعه يوما بعد يوم في مواجهة قاسية مع مفاهيم أرست بعضها بشكل كامل ولم تنته من إرساء أخرى خلال آلاف السنوات البشرية وأهمها ماهية الواقع والزمن والمكان ومكانة الإنسان و”تعريفه” في هذه المعادلة الشائكة.
ولأن ما تقدمه أنيا هو فن ومفهوم لم يجيء نصها البصري متقاعسا على أي من هذين الصعيدين: لا من ناحية الأفكار المطروحة ولا من جمالية هذا الطرح. ونذكر هنا وبشكل خاص الأعمال المُشبعة بأخضر مُشع أحبت أن تسميه الفنانة بـ”الأخضر الأسيدي” في استعارة من عالم التكنولوجيا وتفاعل العناصر وحدة هذا التفاعل المضيء بأجواء من عالم “الفايبر أوبتيكس”.
وتشكل بعض هذه الأعمال جزءا من مؤلف بصري واحد أنجزتها أنيا من خلال اتباع أسلوب الرسم الأدائي المبني على حركات متعاقبة وسريعة هدفها ملء المساحات الخالية عبر تتبع صورة منعكسة من شاشة الكمبيوتر على مساحة العمل الورقية. ويمكن تخيل بسهولة الوتيرة القلقة التي لازمت الفنانة أثناء عملها هذا الناتج عن دمج الديجيتالي بالرسم التقليدي حيث يلعب الارتجال والتخطيط دورين مهمين في إنجاز العمل الفني الذي ظهر مُشفرا ويغص بالتفاصيل وهو في الآن ذاته يحمل معالم بصرية واقعية نذكر منها على سبيل المثال أوراق النباتات والأشجار وما يشبه براعم أزهار تحمل قوة الحياة التي لم تتجل بعد.