الفساد في قلب المعركة الانتخابية في تونس

مرشحون محسوبون على تيار المعارضة يستغلون ما وصوفه بتراخي الحكومة في التعاطي مع ملف الفساد، للتشكيك في البرنامج الانتخابي لرئيس الحكومة المتخلي يوسف الشاهد.
السبت 2019/09/14
أنصار تحت الطلب

تونس- أقحم مرشحو الرئاسة في تونس ملف الفساد في قلب المعركة الانتخابية التي تزداد سخونة مع اقتراب الاقتراع المقرر يوم الخامس عشر من سبتمبر الجاري.

واستغل مرشحون من المحسوبين على تيار المعارضة ما وصوفه بتراخي الحكومة في التعاطي مع ملف الفساد، للتشكيك في البرنامج الانتخابي لرئيس الحكومة المتخلي يوسف الشاهد أثناء المناظرة التلفزيونية الأخيرة التي جمعت سبعة مرشحين.

وألمح حمة الهمامي، المرشح الرئاسي والزعيم اليساري خلال المناظرة، إلى مسؤولية يوسف الشاهد المرشح عن حزب تحيا تونس، المعنوية والسياسية على كل عمليات الفساد التي تحدث في حكومته، ما رآه الأخير حملة تحريضية تستهدفه وتريد التأثير على مؤيديه، بهدف إضعاف حظوظه في السباق الرئاسي.

ولم يلتزم حزب “حزب تحيا” تونس الصمت إزاء الاتهامات التي تلاحق مرشحه، وندد في بيان صدر الخميس، بالخطاب التّحريضي لحمة الهمامي، والذي دفع ببعض أنصاره إلى التعرّض بالعنف لأنصار ومساندي يوسف الشاهد في محافظة باجة، حسب ما ذكره بالبيان. وأشار إلى تقديم الحزب شكوى للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، داعيا الهيئة إلى تحمّل مسؤوليّتها في ضمان حسن سير العملية الانتخابية.

محاربة الفساد تحولت إلى شعار أساسي في الحملة الانتخابية حتى وإن لم يكن من يرفعه قادرا فعلا على تجسيمه، نظرا للفشل الحكومي في التعامل مع هذا الملف

ويقول أنصار يوسف الشاهد إنه مستهدف من قبل خصومه باعتباره من المرشحين البارزين لرئاسيات 2019، حيث بات يحظى بقاعدة انتخابية هامة ما قد يرجح وصوله إلى الدور الأول من الانتخابات. وتمنح استطلاعات الرأي الشاهد مواقع متقدمة في نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية ما بين الترتيب الرابع والخامس.

ونجح الشاهد في أن يكون رقما وازنا في المشهد السياسي التونسي بعدما تمكن من الحفاظ على منصبه كرئيس للحكومة على الرغم الانتقادات الحادة والدعوات المتكررة لإقالته من منصبه، وبات يطمح في الوصول إلى قصر قرطاج رافعا لواء حزب أسسه منذ أشهر قليلة.

واستنكر مروان الفلفال، القيادي بحزب تحيا تونس في تصريح لـ”العرب”، الاعتداءات التي تطال الحملة الانتخابية للحزب. وبدورهم يحذر مراقبون من تأثير المنافسة الانتخابية المحتدمة على سير الحملات الانتخابية، تجنبا لتعكير صفو العملية الديمقراطية بالبلاد والتي تحظى بإشادة محلية ودولية. ويقول الفلفال إن “استهداف الشاهد بسبب تعهده بمكافحة الفساد”.

وفي إعلان ترشحه إلى الانتخابات الرئاسية، قال الشاهد لأنصاره إن الترشح خطوة من أجل “القطع مع المنظومة القديمة والفساد”. ويشير الفلفال “نحن نُهاجم من كل لوبيات الفساد لأننا نريد القضاء عليه بالفعل وليس مجرد كلام”. وزاد بقوله “كل الفاسدين في البلاد يتفقون على مهاجمة وتشويه الشاهد.”

وفي المقابل، ينفي أيوب الجوادي، مدير الحملة الانتخابية  للمرشح الرئاسي حمة الهمامي، تهم التحريض والتشويش على حملة الشاهد أثناء تنقله بالمدن الداخلية من خلال تأليب الناخبين عبر ملف الفاسد.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “نحن نواجه الفساد ومن يقفون خلفه ببرامج بديلة وطرق متحضرة وليس بالتحريض كما يدّعي حزب تحيا تونس. ويرى أن ما تعرض له الشاهد أثناء حملته، هو انعكاس لمد شعبي غاضب من السياسات الحكومية التي أثقلت كاهل المواطن”.

ويتعرض الشاهد إلى انتقادات لكونه وظّف وسائل الدولة في خدمة حملته الانتخابية، فعمد في النهاية إلى تفويض صلاحياته مؤقتا إلى وزير في حكومته، كمال مرجان، حتى انتهاء الحملة الانتخابية. واعتبر الجوادي أن كل من ينتقد الحكومة اليوم بات معرّضا لردود فعل شبيهة بممارسات نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

مروان الفلفال: كل الفاسدين في البلاد اتفقوا على مهاجمة وتشويه الشاهد
مروان الفلفال: كل الفاسدين في البلاد اتفقوا على مهاجمة وتشويه الشاهد

وخلافا لمؤيدي الجهود الحكومية لتطويق الفساد والتي انطلقت عام 2017، تشكك المعارضة التونسية في حملة الفساد الحكومية. وترى أنها حملة انطلقت “انتقائية” ثم تحولت إلى ورقة يستخدمها الشاهد ضد خصومه من المرشحين إلى الرئاسية والذين يشكلون خطرا على حظوظه، في إشارة إلى توقيت المرشح الرئاسي المثير للجدل نبيل القروي بتهم “تبييض الأموال” بعد تحريك دعوى قضائية تقدمت بها منظمة “أنا يقظ” الناشطة في مجال مكافحة الفساد ضده.

ويتهم أنصار القروي رئيس الحكومة الشاهد المتخلي بممارسة ضغوط على القضاء لإعاقة مرشحهم، وهو ما تنفيه الحكومة. ويعتقد الجوادي أن توقيت اعتقال القروي هو محاولة من الشاهد لتصفية خصومه الأقوياء، وليس استكمالا لمسار مقاومة الفساد في البلاد. ووجهت للشاهد اتهامات بمحاولة إقصاء منافسين سياسيين لهم ثقلهم في المشهد السياسي التونسي.

ويذكّر الجوادي بموقف ائتلاف اليسار التونسي من حملة الفساد وبصفة خاصة موقف زعيمه حمة الهمامي الذي سبق وأن شكك في مصداقيتها (الحملة). ويردف بقوله “لطالما ارتأينا أنها ليست حربا على الفساد بل تصفية للحسابات.”

ولم تظهر حصيلة عمل حكومة الشاهد في مجال مكافحة الفساد، ويؤخذ عليها عجزها عن معالجة ملفات حارقة كانت مطالب أساسية في ثورة 2011، وهي البطالة والتضخم، ما ساهم في بروز وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية مجددا.

ويشير المراقبون إلى أن استغلال ورقة الفساد متوقع في المعركة الانتخابية مع احتدام المنافسة بين المرشحين الـ26، وهي ورقة من شأنها جذب انتباه الناخب الذي يتطلع باهتمام إلى هذا الملف لتداعياته الوخيمة على اقتصاد البلاد المتردي.

ويقول خالد عبيد المحلل السياسي لـ”العرب” من “الطبيعي إثارة ملف الفساد في هذا الوقت، فهو إحدى المشكلات الرئيسية والجوهرية في البلد”. ويعتقد عبيد أنه “من البديهي أيضا أن يكون ضمن شعارات مرشحي الرئاسية، وقد وقع استعماله لتبرير اعتقال القروي”.

ويعتقد المراقبون أن الطامحين إلى الوصول إلى كرسي قرطاج عليهم إثبات جدارتهم في التقدم في هذا الملف وألا يبقى (الفساد) مجرد ورقة انتخابية وفي خانة الوعود إذا أرادوا ضمان استمرارية التأييد الشعبي لهم مستقبلا.

ويلفت عبيد إلى أن محاربة الفساد تحولت إلى شعار أساسي في الحملة الانتخابية حتى وإن لم يكن من يرفعه قادرا فعلا على تجسيمه، نظرا للفشل الحكومي في التعامل مع هذا الملف. ويتابع “هناك فشل حكومي في محاربة الفساد الذي اخترق دواليب الدولة وإقرار غير معلن بالعجز عن محاربته”.

وفي منتصف 2017 أعلنت الحكومة حملة لمكافحة الفساد، رجال أعمال وأعوان جمارك ومهربين.

4