الفحوصات الطبية تكرس المصارحة بين الشريكين قبل الزواج

أثرت إلزامية إجراء الفحوصات التي فرضتها الحكومة المصرية على الشباب المقبلين على الزواج إيجابا على الشركاء الذين يريدون بناء حياتهم الزوجية على المصارحة، حيث أصبح بإمكانهم إما مواصلة العلاقة أو قطعها بعد أن كشفت نتائج الفحوصات إصابة أحدهما بمرض وراثي يمكن أن ينتج أطفالا مشوهين. ويعكس عدم استكمال الزيجات تنامي الوعي الأسري تجاه الزواج الصحي، وفق خبراء الأسرة.
القاهرة - قادت الفحوصات الطبية الإلزامية التي يجريها الشباب والفتيات في مصر قبل إتمام عقد الزواج لإنهاء علاقات عاطفية بعد أن أظهرت نتائج الفحوصات لتحذر من خطورة الزواج على الطرفين، فمن المحتمل إنجاب أطفال مشوهين.
وأصبحت الفحوصات تكرس المصارحة بين الشريكين قبل الزواج، فكل طرف على دراية مسبقة بالظروف الصحية والنفسية التي يعيشها شريكه لتجنب حدوث صدامات في المستقبل بين الطرفين.
واضطرت أسرة علياء محمود إلى إنهاء خطبتها بعد أن علمت بإصابة الشاب بمرض وراثي وهناك احتمال عدم قدرته على الإنجاب، في حين أن الفتاة تحلم أن يكون لديها أبناء وإلا سوف تعيش حياة زوجية تعيسة قد تؤدي بها إلى الانفصال لاحقا.
وقالت الفتاة لـ”العرب” إن الشاب تقدم لخطبتها بشكل تقليدي ثم زادت فترة الخطوبة لتصبح بينهما علاقة عاطفية، وصدمت عند اقتراب عقد القران وبدء إجراءات إتمام الزواج بأن قدرته على الإنجاب قد تكون صعبة طبيا، فاضطرت للانسحاب.
وأضافت “كان الموقف بالغ الصعوبة، وأمام ضغط أسرتي لم أستطع استكمال العلاقة، مع أن الشاب أنكر صحة ما جاء في تقرير الفحوصات، ومن حقي أن أختار استكمال العلاقة أم لا، وما أستطيع قوله إنني فكرت بعقلانية قبل تدمير حياتي”.
ويتم إجراء الفحوصات على كل أجزاء الجسم وتقييم الحالة العقلية للطرفين والتحقق من خلوهما من الأمراض التي تؤثر على حياتهما مستقبلا، على أن يكون ذلك جزءا من سلامة عقد الزواج، ولن يستطيع المأذون توثيق العقود قبل إتمام الخطوة.
وحال جاء تقرير الفحوصات بأن الزواج غير صحي يجب أن يوقع الشريكان بما يفيد أنهما يوافقان على استكمال العلاقة ولن يكون من حق المأذون توثيق العقد إلا بموافقة كتابية بأنهما يعرفان عدم صحية الزواج وإلا تعرض لعقوبة تصل إلى الحبس.
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي طرح الفكرة كي لا تكون العلاقة الزوجية قائمة على الخداع والمغالطة من البداية، وتصبح الفحوصات كاشفة ليقرر كل طرف هل يستكمل العلاقة مع شخص مناسب صحيا ونفسيا أم يتراجع.
وتراجعت الشابة أميرة حلمي عن زواجها قبل أيام قليلة من تحديد موعد عقد القران، بعد أن خلصت الفحوصات لإصابة الشاب المرتبطة به بمرض السكر، وفي مرحلة متقدمة منه، ولم تكن العلاقة بينهما عاطفية وقوية للحد الذي يسمح لها بالتمسك به.
وأوضحت والدة الفتاة لـ”العرب” أن الشاب لم ينكر معرفته بالإصابة بالمرض، ورفض مصارحة ابنتها قبل الخطبة، وتم كشف كل شيء وقت الفحوصات، ولم يكن ممكنا استكمال العلاقة وإتمام الزواج، وهناك شبهة خديعة للفتاة.
وأضافت “الشاب كان لديه احتمال الإصابة بمرض القلب، لكن لا يزال في البدايات، وهو ما أصبحت معه الأمور معقدة، لافتة إلى أن قرار فسخ الخطبة كان من ابنتها، حيث خيرتها الأسرة بين استكمال العلاقة أو إنهائها.
وتتمسك الحكومة بنزاهة الفحوصات وإجرائها بطريقة لا تسمح بالتلاعب فيها للحد من حدوث وانتشار أمراض خطيرة تهدم العلاقة الزوجية، وتقي الأطفال من الإعاقات الذهنية والجسدية وتخفض نسبة الوفيات بين الصغار مستقبلا.
وأخذت فحوصات الزواج في مصر شكلا صوريا أكثر منه ضرورة حياتية وإنسانية لقوام أسري متماسك يخلو من المنغصات والأمراض التي يحملها الزوجان، وغالبا تنتقل بالتبعية إلى الأطفال حتى تدخلت الحكومة لفرضها بشكل حاسم.
وباتت الفحوصات الآن أمرا واقعا، وإذا كان أحد الشريكين يحمل جينات وراثية خطيرة، يتم منحهما الحرية في إتمام الزواج من عدمه، لكن بعد خضوعهما لجلسة توعية بأحد مراكز طب الأسرة حول التأثيرات الصحية المحتملة ليقررا موقفهما.
ولا يزال الشاب المصري أحمد مصطفى يعاني من إنجاب طفل مشوّه منذ خمس سنوات بعد أن أقدم على استغلال وظيفة والده في أحد المراكز الطبية وزوّر شهادة صحية للزواج، لكنه صدم بإنجاب طفل مشوه لصلة القرابة مع الزوجة.
ويعيش أحمد في قرية ريفية بأحد محافظات شمال مصر، ومنذ إنجاب ابنه، يعيش تجربة مريرة لعلاجه حتى نصحه أحد الأطباء للذهاب وإجراء فحص وراثي، وفوجئ بأنه ما كان ليتزوج من شريكته بسبب أمراض جينية مشتركة بينهما.
وأكد الشاب لـ”العرب” أن شقيقته قبل إبرام عقد زواجها تمسكت بإجراء الفحوصات الطبية مع شريكها (ابن عمها)، وجاءت النتيجة بأن الزيجة قد تتسبب في إنجاب أبناء مشوهين بسبب صلة القرابة، وعلى إثر ذلك لم تستكمل العلاقة.
ومعضلة الحكومة أنها عندما قررت إجراء فحوصات صحية لإنقاذ الأسر والأبناء من مشكلات مستقبلية معقدة، لم تتحرك لنشر ثقافة الوعي الصحي بين العائلات حتى صار الكثيرون يخضعون لها بناء على ترهيب حكومي ليس أكثر.
الفحوصات أصبحت تكرس المصارحة بين الشريكين قبل الزواج، فكل طرف على دراية مسبقة بالظروف الصحية والنفسية التي يعيشها شريكه
وثمة أسر غير مقتنعة بجدوى فحوصات الزواج وتراها مجرد وسيلة من الحكومة لتجميع مبالغ مالية بطرق ملتوية دون اكتراث بأن الزيجات المشوهة تنتج عنها ضحايا لا ذنب لهم في أنانية الأبوين، ويتسببون في إرهاق والديهما طيلة الحياة.
وأصبح الكثير من الأسر على قناعة بأن تكريس المصارحة بين الشريكين قبيل الزواج يحول دون أن تكون الحياة بينهما قائمة على الخداع، وكل طرف يدرك ما لدى الآخر من مشكلات حتى لا يصطدم بالبقاء مع شريك لا يتوافق معه.
وذكر محمد هاني الطبيب النفسي والاستشاري المتخصص في العلاقات الزوجية بالقاهرة أن عدم استكمال الزيجات بسبب عقبات صحية يعكس تنامي الوعي الأسري تجاه الزواج الصحي، لأن المضي قدما في علاقة غير مستقرة يقود إلى مشكلات عائلية خطيرة، وأن تنتهي علاقة قبل إتمامها خير ألف مرة من الاستمرار ثم الانفصال بعد فترة قصيرة بسبب تبعات المنغصات.
وأشار لـ”العرب” إلى وجود حاجة ملحة لتوعية الأسر بأن المصارحة مهمة حتى يتغير المفهوم وتصبح المكاشفة وسيلة مثالية لحماية الكيان الأسري من الانهيار فهناك رجل أناني لا يفصح عن الحقيقة الكاملة للشريك وأنه لديه سلوك عدواني، وهناك من تكون حاملة لمرض عضوي أو وراثي، وأصبحت الفحوصات جرس إنذار قبل الزواج.
ولا تزال عند الأسر التي تتعامل مع فحوصات الزواج بأنها إجراء دخيل على العادات والتقاليد في ظل الاعتقاد الراسخ بأن زواج الأقارب لا بديل عنه مهما كانت المخاطر، وهذه الزيجات ملحوظة بين العائلات الريفية والشعبية والقبلية.
وتظل الريفيات من أكثر الفئات الداعمة لفحوصات الزواج، كأمل لهن للتحرر من القيود المرتبطة بزيجات الأقارب لدوافع عرفية، لكن العبرة في قدرة الحكومة على إقناع الأسر وتوعيتها بتبعات الزواج غير الصحي على بناتهن، ما يتطلب الاعتماد على نماذج حية عانت من تجاهل الفحوصات لتكريس الوعي الصحي في ريف مصر.