الفحوصات الطبية أمل الريفيات في مصر للهروب من زواج الأقارب

أقرت الحكومة المصرية وجوب تطبيق الفحوصات الطبية قبل الزواج، وستخصص لذلك منصة رقمية وقانونا يعاقب المزورين لحماية الأسر من المعاناة من تشوّه الأجنة، وهو ما تجد فيه الفتيات أملا للهروب من زواج الأقارب وخاصة أولئك اللاتي يعشن في الأرياف والصعيد ويفرض عليهن المجتمع الزواج بالأقارب رغم المخاطر الصحية.
القاهرة – تبدأ الحكومة المصرية بعد أيام قليلة التحرك لإلزام المقبلين على الزواج بإجراء فحوصات جسدية وعضوية كشرط لإتمام الزواج على أن تكون هناك عقوبات تصل إلى الحبس في حال التلاعب بنتيجة الفحوصات، فيما تنظر إليها الفتيات في المناطق الريفية على أنها ملاذ وحيد للهروب من زواج الأقارب.
وأعلنت وزارة الصحة في مصر عن قائمة من الفحوصات الطبية للمقبلين على الزواج، تضمنت الإيدز والسمنة والضغط والسكري ونسبة الهيموغلوبين في الدم، والفحص الخاص بالأمراض الوراثية لتجنب إنجاب أطفال مصابين بسبب ارتفاع ظاهرة زواج الأقارب في الريف ومناطق عديدة في صعيد مصر (جنوب مصر).
وتفتقر الفتيات في المناطق الريفية التي تحكمها العادات والتقاليد والأعراف إلى القدرة على رفض الزواج من أحد أفراد العائلة أو القبيلة، طالما أن الأسرة قررت ذلك، حيث تكون الفتاة مضطرة للقبول بالارتباط من أحد أقاربها، بغض النظر عن درجة التوافق الفكري والثقافي والنفسي بينهما، وإلا أصبحت متمردة.
وتنظر الفتيات في البيئة الريفية إلى فحوصات الزواج المرتبطة بالكشف عن أمراض وراثية على أنها الأمل الأخير للتحرر من القيود العائلية المرتبطة بزيجات الأقارب، لاسيما وأن الحكومة أكدت رفض التزوير أو التحايل عليها وسوف تتم بصورة دقيقة من خلال إجراءات رقمية.
وتهدف الحكومة من وراء هذه الخطوة إلى نشر ثقافة الزواج الصحي، وهو مفهوم يؤسس لحالة من الاكتمال بين الزوجين من النواحي الصحية والاجتماعية لحماية الشريكين وأولادهما من الأمراض، حيث يخضع الطرفان لفحص مبكر ودورة تأهيل شاملة.
وإذا كان أحد المقبلين على الزواج حاملا لجينات وراثية خطيرة فلهما الحرية في إتمام الزواج من عدمه بعد حضور جلسة توعية بطب الأسرة حول التأثيرات الصحية، وإبلاغ أسرتي الشاب والفتاة بخطورة إتمام الزواج لكونه سوف يمثل خطورة على حياة الأبناء مستقبلا، ما ينعكس على علاقة الشريكين.
وجاءت فكرة الفحوصات الوراثية بعد دعوة أطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بضرورة ألا تكون الحياة الزوجية قائمة على الخداع، بل تعتمد على المكاشفة والمصارحة ليصبح كل طرف فيها مدركا لما لدى الآخر من أمراض حتى لا يصطدم بالواقع، وقد تصل العلاقة إلى الطلاق.
وعادة لا يذهب المقبلون على الزواج من الأقارب إلى مراكز طبية لإجراء الفحوصات، وتتم الاستعانة بوسطاء ومعارف للحصول على شهادة صلاحية دون الخضوع للفحص الطبي، وبعد فترة من الزواج قد يتعرضون لصدمة، مثل عدم قدرة أحد الزوجين على الإنجاب أو إصابة الأبناء بأمراض خطيرة.
وأصبحت كل الفحوصات تابعة لمؤسسات طبية حكومية، ومحاطة برقابة صارمة من أجهزة مستقلة لتجنب التلاعب بها، مع وضع عقوبات تصل إلى الحبس عدة سنوات في حال تزوير نتيجة الفحص، سواء للشاب أو الفتاة، مع تقديم تقرير معتمد إلى الشريكين يفيد بأن الزواج صحي، أو يحمل خطورة.
ولن يكون بوسع المأذون الشرعي إبرام عقد الزواج للأقارب أو غيرهم إلا بعد الاطلاع على نتيجة الفحوصات وإقرار الشريكين وأرباب الأسرة بالموافقة على الزواج، مع رفض اعتماد الفحوصات التي تجرى في مؤسسات طبية خاصة، لمنع التلاعب بها أو الحصول عليها بمقابل مادي.
وتجهل أسر كثيرة في البيئات السكانية الريفية والقبلية مخاطر الإصرار على زواج الأقارب، وانعكاسه على صحة الأبناء، رغم التحذيرات الطبية من أن هذه الزيجات قد تنتج عنها الكثير من التشوهات لدى الأجنّة، وإصابة الأطفال بأمراض وراثية معقدة.
ولا تزال هناك معضلة كبيرة مرتبطة بأن الكثير من العائلات في المناطق الريفية والقبلية تتعامل مع فحوصات ما قبل الزواج على أنها بلا جدوى أو صورية، وتهدف الحكومة من وراء ذلك إلى تحصيل مبالغ مالية من الناس فقط، وهي إشكالية تتعلق بضعف الوعي الأسري المرتبط بجدوى الفحوصات.
ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أنه يصعب تغيير ثقافة العائلات التي تدمن زواج الأقارب بجدوى الفحوصات الطبية، طالما أنه يتم اختزال أهميتها في الكشف عن الأمراض، لأن ذلك يخلق مخاوف لدى بعض العائلات من التعاطي معها بجدية على اعتبار أنها تمثل انتهاكا للخصوصية.
هناك معضلة كبيرة مرتبطة بأن الكثير من العائلات في المناطق الريفية والقبلية تتعامل مع فحوصات ما قبل الزواج على أنها بلا جدوى أو صورية
ومن الصعب على سكان بيئة ريفية تحكمها أعراف وتقاليد معينة أن يقتنعوا بالفحوصات الطبية إلا بتكثيف الخطاب التوعوي المقدم للأسر في ظل ارتفاع معدلات الفقر والأمية، وبالتالي لا بد من إقناعهم بأن الهدف الأساسي هو الحفاظ على تماسك العلاقات الأسرية وحماية الأبناء من التشوهات الخلقية.
وترتبط مخاوف بعض الأسر من التعاطي بجدية مع تلك الفحوصات بأن كل عائلة قد تتدخل لوقف إتمام الزيجة إذا كان أحد الطرفين يحمل مرضا وراثيا أو جينيا، لكنها لا تدرك تبعات تجاهل الفحوصات على الحياة الزوجية إذا استمر التعامل بالعاطفة لا بالعقل، والتخطيط لمستقبل العلاقة بالمنطق.
وقال عمرو حسن مقرر المجلس القومي للسكان سابقا، واستشاري النساء والتوليد، إن زيجات الأقارب تنتج عنها غالبا مخاطر صحية على أحد الشريكين والأبناء أيضا، وهناك الكثير من الأبحاث المعتمدة تحدثت عن ارتفاع معدلات الوفيات والتشوهات بين أبناء الأزواج من الأقارب.
وأضاف لـ”العرب” أن العبرة في استجابة العائلات لنتيجة الفحوصات الطبية ليست في إجرائها فقط، فإذا جاءت سلبية فلا بد من وقف إتمام الزواج، وهنا الأمر بحاجة إلى توعية مكثفة لإحكام العقل أولا قبل العادات والتقاليد والأعراف بين الأقارب، مع حتمية تقديم نماذج حية لزيجات أقارب نتجت عنها مخاطر لإقناع الأسر.
ولفت إلى أن زيجات الأقارب ليست بالضرورة كلها محاطة بالأمراض، لكن ميزة الفحوصات أنها كاشفة للحقيقة المرتبطة بالسجل الوراثي للعائلة، وبالتالي فإن التطبيق الحرفي لفحوصات الزواج ركيزة أساسية لقوام أسري صحي، ومن المهم تنحية الأنانية والتقاليد جانبا ووقف إتمام الزيجة إذا كانت سوف تترتب عليها مخاطر.
ويقود ذلك إلى حتمية الاستعانة بوقائع حية لأسر لم تقتنع بالفحوصات ودخل الأزواج في متاهة الأمراض المعدية والوراثية التي انعكست بشكل سلبي على حياتهم وصحة أولادهم، وتسببت في تكدير حياة العائلة لتكون التوعية قائمة على التحذير من مخاطر تعترض أسرا بالفعل، وليست مجرد شعارات.
ولدى العديد من الأسر مبررات واهية حول زواج الأقارب، بينها الحفاظ على ميراث العائلة وعدم ذهابه إلى غرباء، لذلك تفضل تزويج الفتيات من أبناء العمومة برضائهن أو رغما عنهن، إضافة إلى الاقتناع بأن الزيجات بين الأقارب سوف تكون كلفتها أقل، وهو منطق تجاري يجلب كوارث أسرية.
ووفق إحصائية رسمية صادرة عن وزارة الصحة المصرية هناك سبعمئة إصابة بأنيميا البحر المتوسط بين كل ثلاثة آلاف شخص بسبب زواج الأقارب، وتنتقل هذه الأمراض إلى الأبناء وتتسبب في أزمات صحية على رأسها عجز أجساد الأطفال عن تكوين مناعة داخلية ضد مواجهة الفايروسات والأمراض المعدية.
وتظل الميزة الأهم أن الحكومة قررت إنشاء سجل رقمي موحد للأمراض الجينية للمقبلين على الزواج، خاصة الأقارب، يشمل نتائج فحوصات الأمراض الوراثية، لتكون هناك مرجعية للزوجين، فإذا تعرض أحدهما أو الأبناء لمرض في المستقبل يمكن العودة إلى النتائج لمعرفة الأسباب وتحديد شكل العلاج.