الفايروس يغذي الإعلام: هل بالغنا بالتغطية وأفلسنا العالم؟

الصحافة العربية تخصصت في الإشادة بالإجراءات الحكومية وحسن الإدارة.
الخميس 2021/01/07
تغطية صحية بخلفية سياسية

تعاملت وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم بنوع من الارتباك في بداية تغطية وباء كورونا، لتتحول التغطية إلى انعكاس للموقف السياسي للمنصات المختلفة، بين مناصبة العداء للسياسيين وتحميلهم مسؤولية تأزم الوضع في الغرب، وبين الإشادة التامة بحسن الإدارة وصوابية التوجيهات الحكومية وقرارات السياسيين في العالم العربي.

ساو باولو (البرازيل) - ألقى الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو الثلاثاء، باللوم على وسائل الإعلام واعتبرها مسؤولة عن الكارثة الاقتصادية التي تمر بها البلاد قائلا إن “البرازيل مفلسة. أردت تعديل الشرائح الضريبية، لكن جاء هذا الفايروس الذي يغذيه الإعلام الذي لدينا، هذا الإعلام الذي لا فائدة منه”.

والرئيس بولسونارو هو واحد من ضمن كثيرين حول العالم هاجموا وسائل الإعلام في تعاطيها مع وباء كورونا، معتبرين أنها ساهمت في نشر الذعر والتخويف من الفايروس، وبالتالي جعلت تداعيات الأزمة أقسى على الناس من مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وحتى الصحية.

في حين يزداد الاهتمام العالمي بالأخبار المتعلقة بأزمة كورونا، تشكّل هذه الأزمة اختباراً للمنصات الإعلامية في جميع أنحاء العالم، والتي تسعى إلى كسب ثقة الجمهور والمحافظة عليها.

لكن وسائل الإعلام نفسها عانت من الارتباك في معالجة الأزمة الوبائية وتغطيتها مماثلة لحالة الارتباك السياسي التي لم تكن أقل وطأة، وقد وجدت وسائل الإعلام نفسها أمام مسؤولية أخلاقية ومهنية غير مسبوقة، في تغطية الحدث ونقل أخبار الفايروس وحدود انتشاره وأعداد الإصابات في الوقت المناسب مع التزام الحذر من التضليل والأخبار الكاذبة، والمهمة الثانية نقل التعليمات والتوجيهات والوصايا التي تطرحها الجهات ذات العلاقة والاختصاص كالمؤسسات الصحية والأطباء.

مارينا ووكر: إنها فترة تضامن والعمل في العمق والبرهنة على أننا نكتب لقراء وليس لأجندات سياسية أو لمصالح

وتأثرت التغطية الإخبارية إلى حد كبير بالموقف السياسي لوسائل الإعلام وتبعيتها بقصد أو من غير قصد، فما بين الشرق والغرب كانت السياسة حاضرة في المعالجة الإعلامية، سواء في الاعتماد الكامل على ما يقوله السياسيون والحكومات دون تدقيق أو مراجعة كما حدث في غالبية الدول العربية، أم في اتخاذ موقف عدائي من السياسيين واعتبارهم مسؤولين بالكامل عن سوء الأوضاع  وتفشي الفايروس، كما في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

ويرى متابعون أن حجم انتشار الفايروس لم يختلف كثيرا في أنحاء العالم، إلا أن الفارق هو في إفصاح الحكومات عن مدى تفشي الفايروس فيها، ومدى قدرة وسائل الإعلام على نقل الحقائق في هذه الدول.

وغالبية وسائل الإعلام العربية التزمت بشكل تام بالبيانات الرسمية وتصريحات المسؤولية، لتنأى بنفسها عن تهمة تصدير الرعب والتخويف من خلال التهويل، وتهمة نشر الأخبار الكاذبة والتضليل.

لكنها في الوقت نفسه وقعت في فخ المبالغة في الثقة بالجهات الصحية وكفاءتها وإمكانيتها في مواجهة الفايروس، كما هو الحال في الصحافة المصرية، التي كانت التزمت بالمحاذير الرسمية والبيانات الحكومية وتصريحات المسؤولين والسياسيين بشأن الأوضاع ونفي كل ما يخالفها، بعد أن مرت بحالة الإنكار لتفشي الوباء واتهام الإعلام الخارجي بالمؤامرة.

بدورها أفردت الصحافة الخليجية مساحة واسعة للإشادة بالتوجيهات والإجراءات الرسمية في التعامل مع الوباء، والتركيز على أنها مجتمعات “ركنت إلى ثقافة عالية، وأظهرت أنظمتها وقوانينها قيماً رشيدة، واهتماماً نموذجياً بالإنسان”.

وأكدت النصائح التوعوية للمواطنين والمقيمين في الإعلام الخليجي على أن الأفضل والأجدى متابعة المعلومات والتوصيات التي يتم إصدارها من الجهات المختصة، وزارة الصحة، والالتزام التام بها بشكل صارم ودقيق.

واعتبرت أن التهاون والتراخي الذي حدث في بعض الدول كان كارثياً بسبب القرارات التي تتخذها حكومات تلك الدول.

أما الإعلام المغربي فقد تأخر في مواكبة الحدث، إذ كان المغاربة يتناقلون أخبار الوباء من القنوات الفضائية العالمية وكأنه في كوكب آخر، إلى أن حلّ الوباء بالبلاد، فكان التعامل الإعلامي مع الوباء إجباريا لمتابعة تطورات الخطر.

تغطية لفاح كورونا
تغطية لقاح كورونا

وعلى الضفة المقابلة، اتخذت الصحافة البريطانية موقفا معاديا من السياسيين معتبرة أن التقصير الحكومي أحد أسباب تفشي الوباء، وركزت بشكل كبير على فشل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في التعامل مع الأزمة.وكان الوباء تحديا غير مسبوق بالنسبة إلى مشهد إعلامي يواجه العديد من الإشكاليات من حيث التنظيم والهيكلة والمهنية والأخلاقيات وفوضى المنصات الاجتماعية. وتباينت وسائل الإعلام في التغطية الإعلامية للفايروس، ونقل تعليمات الأجهزة الصحية.

وانتقلت هذه الرؤية إلى الإعلام الأوروبي الذي أشار مرارا إلى حالة انقطاع التواصل بين جونسون وفريق مستشاريه العلميين، وحتى الإعلام الأميركي الذي يعتبر موقف جونسون مشابه للرئيس الأميركي دونالد ترامب في بداية الأزمة الصحية، الذي لم يكن موقفه أفضل، فقد تساءلت شبكة “سي.أن.أن” التلفزيونية “أين كان الخطأ في مواجهة المملكة المتحدة لفايروس كورونا؟”.

وعنونت صحيفة “واشنطن بوست”، في افتتاحية لها في بداية تفشي الجائحة ببساطة “رد الحكومة البريطانية على فايروس كورونا كارثة”. وقالت بأن الاستراتيجية البريطانية كانت “مشوبة بالعيوب” وأن الحكومة أدركت، في وقت متأخر، أنها ارتكبت خطأ.

وأشار عالم الاجتماع الإيطالي إدواردو نوفيلي من جامعة “روما 3” إلى أن عدداً من وسائل الإعلام تباطأت في العمل في بداية الأزمة.

وكتب في دراسة بعنوان “إنفومود” أن “الصحف تأثرت إلى حد كبير بحكوماتها الوطنية التي قللت، في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، من خطورة الأزمة المقبلة”.

وعبر نوفيلي عن أسفه لأن وسائل الإعلام هذه “لم تقم بدورها”. ونقل بعضها أخباراً مضللة، مثل “ديلي ميل” في بريطانيا التي أوردت فكرة أن الفايروس التقطه شخص تناول حساء خفاش في الصين. وهذه المعلومات تناقلتها صحف صفراء عديدة تعيش على أخبار الإثارة.

وكان لحالة العداء المتصاعدة بين الرئيس ترامب وإعلام بلاده تأثير كبير على تغطية أخبار الوباء، خصوصا بالنسبة إلى وسائل الإعلام التي اتهمها ترامب بنشر الأخبار الكاذبة والتضليل، ففي أحد تقاريرها، قالت شبكة “سى.أن.أن” الأميركية تحت عنوان “الوباء يمكن أن يعيد تشكيل النظام العالمي”. تعمل استراتيجية ترامب الفوضوية على تسريع الخسائر الأميركية، إن جائحة فايروس كورونا “دفعت العالم إلى مرحلة الغليان حيث زادت التوترات بين الحلفاء الديمقراطيين التاريخيين، إذ اندلعت منذ تولي ترامب منصب رئاسة البلاد منذ 3 سنوات”.

ووجّه مختصون انتقادات لوسائل الإعلام التي تخلط موقفها السياسي بالعمل الصحافي مما يشكك في مصداقيتها ونزاهتها، خصوصا في فترة الأزمات التي تستوجب معايير عالية من المهنية وتوخي الدقة والحذر.

وقالت مارينا ووكر من “مركز بوليتزر”، المنظمة غير الحكومية الأميركية التي تدعم الصحافة “نحن جميعاً نواجه العدو نفسه. إنها فترة تضامن والعمل في العمق والبرهنة على أننا نكتب لقراء وليس لأجندات سياسية أو لمصالح اقتصادية”.

18