الغسق الأغنى من الـ"توايلايت" في أعمال المصور القطري خالد المهندي

من خصوصية بلده وثقافتها، ومما يؤمن به في ما يتعلق بعلاقة الرجل والمرأة والتغيرات التي تطرأ عليها في هذا العصر، يأتي معرض المصور الفوتوغرافي القطري خالد المهندي. وهو معرض يركز أيضا على التشنجات في العالم العربي.
افتتحت صالة “أرت ديستريكت” في بيروت المعرض الفردي الأول للفنان المصور القطري خالد المهندي تحت عنوان “توايلايت”. يضم المعرض 15 صورة فوتوغرافية فنية ويستمر حتى التاسع والعشرين من شهر يوليو الحالي.
يُعتبر المصور القطري خالد المهندي من أبرز المصورين الفوتوغرافيين في بلاده. وهو معروف بتناوله لقضايا اجتماعية من خلال فن التصوير الفوتوغرافي. كما هو معروف بولعه بثنائية الأبيض والأسود وقدرتهما على سرد القصص وطرح الأفكار الشائكة والمشاعر المتناقضة.
هو اليوم يقدم معرضا في صالة “أرت ديستريكت” في بيروت ويمكن اعتباره ثمرة خبرة دامت 10 سنوات، وهي الفترة التي انغمس فيها الفنان في عالم التصوير الفني.
يعتمد الفنان خالد المهندي في أعماله الفوتوغرافية أسلوبا مسرحيا رتّب من خلاله مواقع وهيئات شخوصه لتعبر عن الأفكار التي يريد أن يطرحها.
وتحضر ثنائية الأسود والأبيض التي يعشقها الفنان والمُطعمة بقليل من ومضات لونية تمت إلى ثقافة البلد لتعطي أعماله قوة خاصة تسيّر عين مُشاهد الأعمال ذهابا وإيابا نحو أقانيم المعاني التي أراد الفنان المصور أن يعبر عنها.
الموضوع الذي يتناوله الفنان المصور في مجموعة أعماله المعروضة ليس بجديد، بل هو من أكثر المواضيع التي تم تناولها في العالم الفني المعاصر (الغربي أولا والعربي ثانيا وفي هذا التتالي مفارقة لسنا هنا في صدد الكلام عنها) بشتى الأساليب الفنية ومن خلال وجهات نظر من الصعب حصرها وهو علاقة المرأة بالرجل وعلاقتهما مع مجتمعهما الضيق وتاليا مع العالم الأوسع والمحيط.
وليس تناول الفنان لهذا الموضوع الرائج ينتقص من أهمية معرض “توايلايت” بل بالعكس. فبغض النظر عن الأهمية الفنية والحرفية العالية التي تمتعت بها أعمال المصور تقع أهمية أخرى وهي أنه جاء في زمن ضاج فيه العالم من قضايا النسوية حتى التخمة (وضاجت النسوية من ذاتها أيضا) وملّ من الانغماس بتداعيات وأصول العلاقة ما بين الرجل والمرأة وبدورهما في المجتمع وانطلق في عالم الذكاء الاصطناعي الذي لا يزال غامضا وتمكين “حق” الآلة في الوجود وتشجيع ظواهر مُلتبسة مثل الـ”ترانس جاندر” (العبور الجنسي) و”الشايب شيفترز” (المتحولون جنسيا) وتأسيس لمنطق “الساسيبورغية”، مع العلم بأن كل ذلك “التطور” يجيء تحت رعاية تضخم قوى الفساد بشكل غير مسبوق.
وجاء معرض الفنان المصور أيضا في ظل تشجيع هائل غير مسبوق لكل ما يصدع علاقة الفرد العربي بذاته وبمجتمعه قبل تصدع علاقته مع الآخرين، وبالتالي كرّس عقدة الدونية والتوق إلى التمثّل بما يُصور أنه أفضل منه.
الفنان قلب الأدوار ما بين القامع والمقموع في إشارة إلى مرضية العلاقة الناشئة بين المرأة والرجل
جاء معرضه ليسلط الضوء وإن بشكل غير مباشر وبأسلوب فني يحمل إمضائه، على ما هو جوهري ولم يكن مهما بقدر ما هو اليوم وهو تصويب علاقة المرأة بالرجل، والعكس صحيح بداية بنظرتهما إلى بعضهما البعض. فالتصدع الهائل الذي حدث في هذه العلاقة البنيوية/الأصلية/ المفصلية هو على الأرجح أساس معظم البلاء الذي يحدث على وجه الأرض والذي يجيء الكثير منه تحت قناع التحديث.
وقد ذكر الفنان أن علاقة الرجل بالمرأة هي أساس كل المجتمعات الإنسانية على اختلافها حين كتب في تقديم معرضه “إن عدنا إلى البداية.. حين لم يكن هناك إلا امرأة ورجل.. كيف كانا يتعاملان مع بعضهما بعضا قبل أن تتكون الحياة الاجتماعية وتبدأ قوانينها في ترتيب شؤون العلاقة؟ كانا في حالة انسجام وتكامل وفي حالة تعاون كامل بهدف حماية أنفسهما من أي أذى ممكن. فما الذي حصل؟ لماذا حلّ الأذى وصارا يتقاذفان به جسديا ونفسيا؟”.
في صوره الفنية الفوتوغرافية الحاضرة في المعرض يتناول الفنان مظاهر التصدعّ في المجتمع الذي يحرص على القول إنه ليس المجتمع القطري حصرا وإن كانت ملابس أبطال صوره من الطراز القطري، بل ممكن رؤيتها وبكثرة في كل المجتمعات الإنسانية. ومما أشار إليه في أعماله الفوتوغرافية ازدواجية المعايير والتحكّم بالآخر وإمحاء الآخر وتطهير الذات من الأفكار التي أدت إلى التصدعات المُدمرة للمجتمعات.
في العديد من الصور يقلب الفنان الأدوار ما بين القامع والمقموع في إشارة إلى مرضية العلاقة الناشئة بين المرأة والرجل والتي لم تكن كذلك “في البداية حين لم يكن هناك إلا امرأة ورجل” في إحالة إلى ما قدم به الفنان معرضه.
ويشير خالد المهندي في تصويره لحالات القمع الرمزية المتناوبة ما بين الرجل والمرأة إلى إمكانية انقلاب الأدوار في كل لحظة. وبدلا من التكامل بين الطرفين في وجه عالم يتغير بسرعة هائلة يحلّ أذى الأول على الثاني والعكس صحيح في محطات تتتالى من تاريخ إنسانية هي على شفير الانهيار.
في سياق آخر يعنون الفنان معرضه بتعبير أجنبي “توايلايت” بدلا من تعبير عربي مثل “غروب” وربما “غسق” شديد البلاغة وعديد الأصداء.
ويتساءل المرء حول السبب لاسيما أن الفنان يريد من خلال معرضه أن يظهر بشكل خاص التشنج الحاصل في المجتمعات العربية وتحديدا في علاقة المرأة بالرجل ونظرتهما إلى بعضهما البعض. وهذا التشنج ليس بعيدا البتة عن تأثير النظرة الغربية المتعالية التي لا تخفى على أحد وإن تدثرت بعناوين كالانفتاح على الحضارات المتنوعة وقبول الآخر، وحرية الرأي وما إلى ذلك من هرطقات معاصرة. أغلب الظن أن “غسق” كان سيكون عنوانا بارقا ففيه بلاغة العربية التي تتحدث عن الخط الرفيع الدقيق الذي يفصل النهار عن الليل والأبيض عن الأسود وما يترتب على ذلك من إحالات ذات منحى اجتماعي ونفسي أراد الفنان التحدث عنها من خلال صوره. ولكن الفنان أدرى وأحق باختيار العناوين لمعارضه.
ويبقى العمل الفوتوغرافي الذي يحتفي بالمرأة كأم وصديقة وأخت، هو الأهم من المجموعة لأنه أولا حاضر بين كل الأعمال الفوتوغرافية الأخرى ليذكر بالتوازن الغائب. وثانيا لأنه عمل قوي في تركيب العناصر ومبتكر في عزّ تقليديته. عمل وقعه كالبلسم على التقيحات التي أصابت المجتمعات العربية حين قوضت علاقة العدالة ومعناها الأصلي ما بين الرجل والمرأة لتساهم بشكل هائل في إيصال العالم بأسره إلى ما هو عليه اليوم.