"الغابة والأشجار" مقاربات في الشعر والسرد والفن

يقدم الناقد الأردني غسان عبدالخالق في كتابه “الغابة والأشجار”، الصادر حديثا عن دار فضاءات في عمّان، مقاربات مختارة في النقد والأدب والفن، عبر أربعة فصول ومقدمة وخاتمة.
ويوضح في المقدّمة التي تحمل عنوان “لماذا يحزن النقاد كثيرا” أنه، أولا، لا يشكو باسمه فقط، بل باسم عدد من النقاد، ثم يبيّن المقصود بظلم القراءة، فالقراءة نوعان: قراءة احتفالية وقراءة غائبة؛ معترفا، في ما يتعلّق بالقراءة الاحتفالية، أنه حظي بقدر وافر منها، وهي قراءة تبدأ بالإعلان عن صدور هذا الكتاب أو ذاك، والتنويه ببعض إنجازات الناقد، مرورا باقتباس بعض ما جاء في كلمة الغلاف وتعداد الموضوعات الواردة في الكتاب اعتمادا على ثبات المحتويات، وانتهاء بإعادة إنتاج مقدمة الكتاب عبر لغة ثانية وتحت عناوين برّاقة، إلى الحد الذي قد تبدو معه مثل هذه القراءة ضربا من إنشاء نص على نص، وإلى الحد الذي “يشطح” معه بعض منتجي هذه القراءات، فيسمحون لأنفسهم بإبداء ملاحظات وتعليقات تدلّ دلالة قاطعة على أنهم لم يجشّموا أنفسهم عناء قراءة متن الكتاب.
أما النوع الثاني من القراءة، وهو ضرب عزيز ونادر إلى الحد الذي يسمح بتسميته “القراءة الغائبة”، فهو ذلك الاشتباك الحقيقي والحفر المعرفي المسؤولان مع النص النقدي، بعيدا عن التنويه والإطراء والاستعراض الأفقي. وإن كان إعفاء منتجي النوع الأول من الاضطلاع بمسؤولية ممارسة هذا النوع من القراءة، لأنهم يفتقرون إلى الأدوات والأجهزة المفاهيمية اللازمة، فإنه لا يجوز إعفاء النقاد الحقيقيين أنفسهم من المسؤولية، ويجب الاعتراف بأن الناقد العربي، في الأغلب، لا يزال يتعبّد في مرآة ذاته النقدية، ونادرا ما تعتريه الرغبة في النظر إلى ذاته النقدية في مرآة الآخرين، ما يفسّر حالة الموات في الجدل النقدي الحديث.
ويشخّص عبدالخالق في الفصل الأول المعنون بـ”السّلّم المكسور: مقاربات نقدية في الشعر”، ملامح بارزة في الخطاب الشعري العربي قديما وحديثا. ويعاين في الفصل الثاني “يحكى أن: مقاربات نقدية في السرد” وجوها رئيسة في الخطاب القصصي والروائي العربي القديم والحديث. ليسائل في الفصل الثالث “المسطرة المفقودة: مقاربات نقدية في النقد” مفاصل ساخنة في أزمة النقد العربي. أما في الفصل الرابع “حدائق الدهشة: مقاربات نقدية في الفن”، فيتناول عددا من الأعمال والموضوعات السينمائية والمسرحية.
ويقول المؤلف، في الخاتمة التي تحمل عنوان “ضد مدرسة الشوكة الفضية”، “شهد الربع الثاني من القرن التاسع عشر (1825-1850) ولادة اتجاه أدبي في إنكلترا، دعي باسم مدرسة الشوكة الفضية، وتميّز هذا الاتجاه بالتأنق والحذلقة والتكلّف.. فأين هو الآن؟ صحيح أن الإفراط في طلب الحقيقة يدفع الكاتب، أحيانا، إلى استكشاف ذلك التدرّج الكبير ما بين الأبيض والأسود، إيمانا منه بأن الأجدر به هو القبض على ما يثوي في الرّمادي من أسرار قد تفوق في وضوحها الأبيض الناصع والأسود القاتم.. إلا أن ثمة لحظات لا بد فيها للكاتب من التوقّف عن ترف الاستغراق في البحث عما هو ثاو بين اللّونين، والالتفات إلى ضرورة الجزم بنصاعة الأبيض وقتامة الأسود؛ تاركا للتاريخ تقرير درجة نصاعة هذا وخلوّه من السّواد، وقتامة ذاك وخلوّه من البياض”.
وفيما اختار المؤلف أن يهدي كتابه “إلى القارئ الضمني واليومي الذي لم يخذل كاتبه يوما”، فقد اختار الناشر أن يدوّن على الغلاف الخلفي هذا المقتطف من الكتاب “القرّاء المحترفون فقط يمكنهم أن يدركوا مبدأ ‘التحسين والتقبيح’ الذي يمثل التكتيك الرئيس للكتابة، التكتيك الذي يربض في حديقة المبالغة كي يثمر مفارقات وعلامات استفهام وتعجّب. فالكاتب عليه أن يتمركز أولا في زاوية ما، وأن يُكْسِب هذا التمركز شرعيته المطلوبة، عبر المئات من التفاصيل الصغيرة التي يمكن أن تتكفّل بزيادة قابلية القارئ، لتقبّل إمكانية الحدوث التي يصعب تصورها بعيدا عن الانحياز! نعم الانحياز؛ فالكاتب المحايد خرافة تنتمي إلى قرون لم تبدأ بعد، والقارئ المحايد خرافة تنتمي إلى قرون لم تبدأ بعد أيضا. لا بد في الكتابة من ظالم ومظلوم ومن قوي وضعيف ومن غليظ ورقيق، وإلا تحوّلت الكتابة إلى تحصيل حاصل وضرب من لزوم ما لا يلزم. تصوّروا مدى البرود الذي سنشعر به إذا قرأنا سيرة ذاتية تعجّ بالتوفيق والإنجازات، ومدى الإحباط الذي سنشعر به إذا قرأنا سيرة ذاتية تعجّ بالفشل والخسارات. إننا نحب التأرجح بين اليأس والرجاء، كما نحب الكاتب الذي يملك القدرة على أن يؤرجحنا جيئة وذهابا بين هذين القطبين”.
يذكر أن غسان عبدالخالق يكتب القصة القصيرة أيضا، ويحمل شهادة الدكتوراه في النقد، ويعمل حاليا عميدا لكلية الآداب والفنون في جامعة فيلادلفيا الأردنية، كما يرأس جمعية النقاد الأردنيين، وأصدر 20 كتابا، منها “الزمان، المكان، النص: اتجاهات في الرواية العربية المعاصـرة في الأردن”، “مفهوم الأدب في الخطاب الخلدوني”، “الأخلاق في النقد العربي”، “تأويل الكلام: دراسات تطبيقية في الشعر وأحوال الشعراء”، “الرَّمز والدلالة: مقاربات تطبيقية في الشعر العربي”، “الصوت والصدى: مراجعات تطبيقية في أدب الاستشـراق”، و”لذّة السّرد: النصوص القصصية ومراياها”، وغيرها.