العناد الأميركي الصيني يصل إلى حافة الهاوية

إصرار متبادل بين واشنطن وبكين على مواصلة التصعيد يبث الفزع في الاقتصاد العالمي.
الأربعاء 2019/08/07
الأسواق تخشى خروج المواجهة عن نطاق السيطرة

تراجعت فرص التسوية في الصراع التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم مع استمرار توجيه الضربات المتبادلة دون أن تلوح أي مؤشرات على إمكانية تنازل أي من الطرفين، الأمر الذي بدأ يثير الهلع في الأسواق المالية وعموم الاقتصاد العالمي.

لندن - بلغ العناد الصيني الأميركي ذروة جديدة، بإصرار الطرفين على التصعيد إلى حافة الهاوية، بإقدام وزارة الخزانة الأميركية على تصنيف الصين كمتلاعب بالعملة، وهو ما يفتح الطريق لفرض عقوبات جديدة عليها بموجب قانون أميركي.

ولم تظهر على بكين أي إشارة إلى إمكانية التراجع بعد أن أمرت شركاتها بإيقاف شراء المحاصيل الزراعية الأميركية، رغم أنها سمحت لعملتها بالارتفاع، لكن بدرجة لا تكفي لتخفيف حدة المواجهة.

وأصيبت أسواق المال العالمية يوم الاثنين بحالة من الهلع وتكبدت خسائر كبيرة ثم تحركت أمس في نطاق ضيق بانتظار أي إشارة جديدة عن آفاق الصدام التجاري بين واشنطن وبكين.

تصنيف وزارة الخزانة الأميركية للصين كمتلاعب بالعملة قد تتبعه عقوبات جديدة
تصنيف وزارة الخزانة الأميركية للصين كمتلاعب بالعملة قد تتبعه عقوبات جديدة

ويكمن القلق في امتلاك البلدين ترسانة تجارية هائلة يمكن أن تدمر الاقتصاد العالمي في ظل غياب مؤشرات على إمكانية تنازل أي طرف للآخر، رغم الأضرار الكبيرة التي يلحقها التصعيد باقتصاد البلدين والاقتصاد العالمي.

وتبدو واشنطن أكثر قدرة على إلحاق الأذى بالاقتصاد الصيني، لكنها أقل قدرة على تحمل تذمر الأوساط الاقتصادية الأميركية مقارنة بقدرة بكين التي تحكم بلادها بسلطات مطلقة.

وقالت الصحيفة الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم في الصين أمس إن الولايات المتحدة “تدمر النظام العالمي عن عمد” بعد ساعات على تصنيف واشنطن بكين متلاعبا بالعملة في ذروة جديدة ومخيفة في الصراع التجاري المتفاقم.

وجاء ذلك الاتهام بعد تراجع حاد لقيمة العملة الصينية في رد على جولة رسوم جديدة يلوح الرئيس الأميركي بفرضها على سلع صينية بقيمة 300 مليار دولار مطلع الشهر المقبل، وهو ما يعني عمليا إخضاع جميع صادرات الصين للولايات المتحدة للرسوم الانتقامية.

وتخشى الأوساط الاقتصادية العالمية من اندلاع حرب عملات مخيفة ويصبح من الصعب إيقافها إذا امتدت إلى دول أخرى. ويحذر محللون من اتساع الإجراءات الانتقامية المتبادلة في النطاق والشدة مما يؤثر بدرجة أكبر على نمو الاقتصاد العالمي.

قالت صحيفة الشعب اليومية في مقالة افتتاحية شديدة اللهجة، إن الولايات المتحدة تحتجز مواطنيها رهائن دون التطرق إلى أحدث قرار أميركي.

وأضافت أن مسؤولية الدول الكبيرة هي توفير الاستقرار والطمأنينة للعالم وتهيئة الظروف والفرص لتحقيق التنمية المشتركة لكافة البلدان “لكن البعض في الولايات المتحدة يفعلون العكس تماما”.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أعلنت يوم الاثنين أنها قررت لأول مرة منذ عام 1994 تصنيف الصين متلاعبا بالعملة لتنقل النزاع التجاري إلى منطقة غير مدروسة، الأمر الذي أثار الفزع في أسواق المال العالمية.

وجاء هذا الإعلان بعد ساعات من سماح الصين لعملتها بكسر مستوى دعم مهم لتسجل أدنى مستوى في 11 عاما، في إشارة إلى أنها تتجه لدخول حرب عملات للرد على تهديد فرض المزيد من الرسوم الأميركية.

وهوى اليوان 2.3 بالمئة خلال ثلاثة أيام منذ إعلان دونالد ترامب المفاجئ عن الرسوم العقابية الجديدة، لكنه استقر أمس وسط مؤشرات على أن البنك المركزي الصيني قد يكون يبحث وقف التراجع الذي أشعل مخاوف من حرب عملات عالمية.

يأتي القرار الأميركي بتصنيف الصين متلاعبة بالعملة بعد 3 أسابيع على إعلان صندوق النقد الدولي أن قيمة اليوان تتماشى مع العوامل الاقتصادية الأساسية للصين بينما يزيد الدولار الأميركي عن قيمته الفعلية بنسبة تصل إلى 12 بالمئة.

ولدى الولايات المتحدة قانون يتعلق بالتلاعب بالعملة، يتضمن فرض عقوبات على الدول التي تصنفها على أنها تتلاعب بسعر صرف عملتها لتحقيق مكاسب اقتصادية غير عادلة.

صحيفة الشعب الصينية: واشنطن تدمر النظام العالمي عن عمد وتحتجز مواطنيها رهائن
صحيفة الشعب الصينية: واشنطن تدمر النظام العالمي عن عمد وتحتجز مواطنيها رهائن

وقال تشانغ آن يوان كبير خبراء الاقتصاد لدى تشاينا سيكيوريتيز “بشكل قاطع لا معنى لأن يخلص الجانب الأميركي إلى أن هناك تلاعبا بسعر الصرف استنادا لتغير سعر صرف اليوان خلال يوم واحد”.

وأضاف “الآن وقد تم التصنيف… لا نستبعد أن تفرض الولايات المتحدة إجراءات عقابية تتجاوز الفهم الحالي للوضع”.

وحذّر الإعلام الصيني من أن بكين قد تستغل مكانتها المهيمنة كمُصدر للمعادن الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة كنقطة قوة في النزاع التجاري.

وتستخدم هذه المعادن في كل شيء تقريبا من المعدات العسكرية إلى الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية عالية التقنية وغيرها.

وأعلنت وزارة التجارة الصينية إيقاف مشتريات البلاد من المنتجات الزراعية الأميركية، ولم تستبعد فرض رسوم على الواردات التي جرى شراؤها بعد الثالث من أغسطس الجاري.

ونتيجة التصعيد، لم يعد يتوقع بنك غولدمان ساكس توصل واشنطن وبكين إلى اتفاق لإنهاء نزاعهما التجاري قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر 2020 مع ميل صناع السياسات في البلدين “لاتباع نهج متشدد”.

ويتوقع أن يقوم مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي بخفضين متتابعين لأسعار الفائدة “في ضوء تنامي مخاطر السياسة التجارية وتوقعات السوق بخفض أكبر بكثير لأسعار الفائدة وتزايد المخاطر العالمية المتعلقة باحتمال بريكست دون اتفاق”.

10