العملية الجراحية المعقدة تسبب تراجع الإدراك

يخشى العلماء أن يرفض بعض المرضى خاصة من المتقدمين في السن إجراء عمليات جراحية كبرى ودقيقة بعد معرفة آثارها البالغة على المخ وبأنها قد تشكل خطرا كبيرا على قدراتهم الإدراكية والمعرفية، كلما زاد سنهم.
نيويورك – تشير دراسة جديدة إلى أن التعرض لجراحة كبرى ودقيقة قد ترتبط بانخفاض طفيف في الأداء الإدراكي عندما نكبر في السن، أي ما يعادل في المتوسط أقل من خمسة أشهر من شيخوخة المخ الطبيعية.
وقال الدكتور روبرت ساندرز، الأستاذ المساعد في قسم التخدير في جامعة ويسكونسن ماديسون الأميركية وكبير مؤلفي الدراسة، “تشير بياناتنا إلى أن الجراحة الكبرى ترتبط في المتوسط” بضربة صغيرة للقدرات المعرفية. “وعلى الرغم من وجود خطر مضاعف لاحتمال تراجع المهارات المعرفية، فإن هذا لم يؤثر إلا على عدد صغير من المرضى. ومع ذلك، يجب أن تؤخذ هذه الإمكانية الصغيرة للضرر في الاعتبار عند تقييم الفوائد الصحية المقترحة للجراحة أثناء الموافقة على إجرائها”.
قرر ساندرز وزملاؤه إجراء الدراسة لأنهم يخشون أن يتجنب بعض المرضى العمليات الجراحية خشية أن تؤثر على أدائهم المعرفي بعد ذلك.
أوضح الباحثون أنه “على مدى 60 عاما، كان مصدر القلق الرئيسي هو أن الجراحة قد تكون سببا في حدوث تغييرات في الإدراك، على المدى الطويل. وقالوا “أشار استطلاعنا الأخير إلى أن 65 بالمئة من العينة التي سألناها قلقون بشأن العجز بعد العملية الجراحية”.
ولإلقاء نظرة فاحصة على حجم هذا الضرر الكبير، راجع الباحثون بيانات من دراسة “وايتهول 2”، التي تابعت أكثر من 10 آلاف موظف بريطاني في الخدمة المدنية منذ أواخر الثمانينات عندما كانت تتراوح أعمارهم بين 35 و55 عاما. بعد مرور عشر سنوات على الدراسة، طُلب من المشاركين أخذ مجموعة من الاختبارات الإدراكية والتي تكررت حتى أربع مرات على مدار السنوات العشر إلى العشرين سنة المقبلة.
وذكرت المجلة الطبية البريطانية (بي.أم.جي) أن الباحثين كانوا قد ركزوا على 7532 مشاركا، مع إجراء تقييم إدراكي واحد على الأقل. ومن بين هؤلاء، تم إدخال 1250 شخصا إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية كبرى -تطلبت إبقاءهم للإقامة فيها لمدة ليلتين على الأقل- وتخلل تلك الفترة اختباران للقدرات المعرفية.
كما تم قبول 715 شخصا لأكثر من ليلتين بسبب أمراض غير ناجمة عن الجراحات الدقيقة، بما في ذلك السكتات الدماغية.
وبعد حساب مسارات الانخفاض المعرفي المرتبط بالعمر لدى المشاركين قبل دخول المستشفى، توصل الباحثون إلى أن الجراحة الكبرى ارتبطت بانخفاض إضافي صغير يعادل ما يزيد قليلا عن أربعة أشهر من الشيخوخة المعرفية الطبيعية.
في المقابل، تم ربط حالات دخول المستشفيات غير المرتبطة بالجراحات الدقيقة بما يعادل 1.4 سنة من الشيخوخة بينما تسببت الجلطات بشكل خاص بظهور أعراض ما يعادل 13 عاما من الشيخوخة.
ولقد ثبت وجود انخفاض ملحوظ في القدرات المعرفية بعد الخروج من المستشفى لدى 5.5 بالمئة من المرضى الذين أجروا عمليات جراحية ولدى 12.7 من هؤلاء الذين تعرضوا لتدخل طبي دقيق غير جراحي.
ومع ذلك، تبين أن 2.5 من المشاركين في الاستطلاع والذين لم يواجهوا أي تدخل طبي تعرضوا بدورهم لانخفاض في مهاراتهم المعرفية. وأوضح الباحثون أن خطر تراجع القدرة الإدراكية كان أكبر بمعدل 2.3 عند التدخل الجراحي الدقيق.
ولا يعرف الباحثون تحديدا سبب انخفاض الإدراك لدى المشاركين الذين خضعوا للجراحة. وقال ساندرز، في رسالة لرويترز بالبريد الإلكتروني، “من المعروف، بشكل عام، أن التخدير قد يؤثر على الإدراك على المدى الطويل، لكن هذا لم يكن مدعوما بقوة من قبل الأبحاث الحديثة”.
التخدير يؤدي إلى فقدان الوعي وعدم قدرة أجزاء مختلفة من الدماغ على التفاعل في ما بينها.
وأشارت الدراسات التي أجريت على مدى العقود الماضية إلى أن التخدير يؤدي إلى فقدان الوعي وعدم قدرة أجزاء مختلفة من الدماغ على التفاعل في ما بينها. وعلى ما يبدو فإن تعطيل حركة تبادل المعلومات بين مختلف الأجزاء في القشرة المخية يؤدي إلى “توقف الوعي”، ولكن هذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى آثار جانبية غريبة بعد التخدير، مثل فقدان الإدراك المعرفي والذاكرة. ويقول برونو فان سوينديرين، وهو أحد مؤلفي الدراسة إنه “بفضل الدراسات السابقة، تمكنا من معرفة أن مادة التخدير العام بما في ذلك دواء البروبوفول، تؤثر على نظام النوم في الدماغ، تماما كما هو حال تأثير الحبوب المنومة”.
ويضيف سوينديرين أيضا أن دراسة فريقه أظهرت أن البروبوفول يؤثر سلبا على آلية شبكة التواصل بين الخلايا العصبية في جميع أنحاء الدماغ.
وفي سياق البحث، تمّت دراسة تأثير البروبوفول (والذي غالبا ما يستخدم للتخدير العام) على الخلايا الفردية في الجسم الحي وفي المختبر. حيث استخدم المختصون عينات حية من الخلايا العصبية للفئران وذباب الفاكهة. واتضح لهم أن البروبوفول يرتبط بالبروتين الرئيسي الذي تستخدمه الخلايا العصبية للتواصل مع بعضها في الدماغ. وهذا كما يقول سوينديرين “يؤدي إلى تدهور التواصل بين الخلايا العصبية في الدماغ، بسبب تعطيله عمل بروتين (سينتاكسيس آي-1) الموجود لدى الحيوانات والبشر، وهذا يؤدي إلى تعطيل التفاعل ما بين خلايا الدماغ وتصبح هذه العملية بطيئة على الأقل لفترة من الوقت”. وقالت ساندرا وينتراوب، الأستاذة والمديرة الأساسية في مركز ميسولام لعلم الأعصاب الإدراكي ومرض الزهايمر في كلية فاينبرج للطب بجامعة نورثويسترن في شيكاغو، إن التقرير الجديد يقدم “أخبارا سارة وأخبارا سيئة”.
وأشارت وينتراوب إلى أن الخبر السار هو أن انخفاض الإدراك بالنسبة إلى معظم الناس لم يكن بالحجم الكبير والمخيف.
وأوضحت “يصاب المرضى بالقلق، إذا قيل لهم إنهم بحاجة إلى الجراحة وهم يدركون أنهم معرضون لفقدان جاهزية الوظائف العقلية”.
وقالت “أود أن يتحمل الأطباء مسؤولية أكثر قليلا في المساعدة في جعل المخاطر أكثر وضوحا”.
وأضافت وينتراوب أن الأمر الأفضل هو إجراء اختبار إدراكي قبل الجراحة لأن التأثير على الدماغ قد يكون أسوأ في المرضى الذين يشكون بالفعل من مرض دماغي مثل الزهايمر ولكن لديهم أعراض خفية. وأردفت “ربما أريد أن أعرف ما هي وظيفتي العقلية قبل الدخول في الجراحة”. “لا يمكن أن تعرف إذا كنت معرضا للخطر إذا لم يتم اختبار ذاكرتك”.