العقوبة السجنية لقضايا الصك دون رصيد تثير الجدل في تونس

تونس - لا تزال عقوبات الصكّ دون رصيد تثير الجدل في تونس، مخلفة تباينا في وجهات النظر بين من يرى أنه من الضروري الإبقاء على العقوبات السجنية، ومن يدعو إلى إلغائها نظرا إلى محدودية نتائجها وإخلالها بالنظام الاقتصادي. وتقول أطراف مطالبة بالتغيير إن العقوبة في شكلها الحالي أدّت إلى إنهاك المحاكم واكتظاظ السجون وإثقال كاهل الدولة بنفقات إضافية، كما أن إلغاء العقوبة السجنية يتطلب توفير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والقانونية الملائمة.
وأكد رئيس لجنة التشريع العام بالبرلمان ياسر القوراري، في تصريح لإذاعة محلية، أن "اللجنة لمست خلال جلسات الاستماع لممثلي وزارة المالية، والبنك المركزي، والهيئة الوطنية للمحامين، ونقابة القضاة التونسيين، بشأن تنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية، اختلاف في وجهات النظر، بين من يرى ضرورة الإبقاء على العقوبات السجنية في أحكام الصكّ دون رصيد ومن يدعو إلى إلغاء هذه العقوبات".
وبيّن ممثلو وزارة المالية أهمية تناول هذا الموضوع الذي "يهم شريحة هامة من المجتمع التونسي خاصة في جانبه الجزائي"، وأكدوا أن "تونس اختارت تجريم عملية إصدار الصك دون رصيد باعتباره جريمة اقتصادية تخل بالنظام العام الاقتصادي". كما أوضحوا أن "هذه الخيارات يمكن أن تراجع في إطار مقاربة عامة وشاملة تنخرط فيها كافة الأطراف المتداخلة مع الأخذ بعين الاعتبار الجانب الردعي للإبقاء على الصك كورقة تجارية أساسية في المعاملات التجارية".
وأكّد مسؤولون من البنك المركزي على أهمية التداول حول هذه المسألة لتعديل وتطوير أحكام الصكّ الذي لا يزال يحتل مكانة هامّة على مستوى المعاملات المالية والتجارية والاقتصادية. وأوضحوا أن أحكام الصكّ تمّ تنقيحها في العديد من المناسبات في محاولات للتقليص من الطابع الزجري من خلال تمكين المدين مصدر الصكّ دون رصيد من فرصة وآجال لتسوية وضعيته وتفادي العقوبات السالبة للحرية.
وتسبب إفلاس العديد من المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تتبع أصحابها عدليا في قضايا إصدار صكوك دون رصيد، وهو ما دفع بالبعض منهم إلى التحصن بالفرار فيما حوكم البعض الآخر. وتصاعدت أصوات منادية بإلغاء العقوبة السجنية التي عمقت مشاكل أصحاب المؤسسات ومنعتهم من استكمال نشاطهم لسداد ديونهم. وقال أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي إن “الوضعية الحالية لعقوبات الصك دون رصيد مضرة بالاقتصاد التونسي، وتتطلب إصلاحا كاملا من الناحية التشريعية، ويجب أن تراعي العقوبة حق صاحب المال في الحصول على أمواله".
وأكد في تصريح لـ"العرب" أن "العقوبة السجنية لا تحلّ المشكل، وصاحب الدين لا يسترجع أمواله، وبالتالي لا بد من التفكير في عقوبات أخرى". وتابع المغزاوي "البنوك تتحمل جزءا من المسؤولية، ويجب أن يفكّر المشرّع في ذلك، لأننا أمام منظومة بنكية فاسدة". بدوره، توجه عبدالرزّاق حواص المتحدث باسم الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة بنداء إلى الرئيس قيس سعيد، طالبه فيه بـ"التعجيل في رفع العقوبة السالبة للحرية في الصكوك دون رصيد، وإيقاف التتبعات العدلية".
وشدد حواص، في تصريح لإذاعة محلية، الأسبوع الماضي، على أن "العقوبة السجنية ليست حلا، والسجون تساهم في صنع مجرمين جدد"، مؤكدا أن "منظومة الصكوك في تونس قد استنزفت المؤسسات الاقتصادية"، لافتا إلى أن "ما بين 5 و6 مؤسسات تغلق أبوابها بصفة يومية".
◙ تصاعدت أصوات منادية بإلغاء العقوبة السجنية التي عمقت مشاكل أصحاب المؤسسات ومنعتهم من استكمال نشاطهم لسداد ديونهم
وتفيد آخر الأرقام الصادرة عن البنك المركزي بوجود 2 مليون إشعار لصكّ دون رصيد وأن القضايا المعروضة على المحاكم كانت سنة 2019 في حدود الـ268 ألف ليبلغ اليوم عددها حوالي 640 ألف قضية صك دون رصيد، في حين بلغ عدد المساجين حوالي 8700 سجين وعدد المفتش عنهم 80 ألف شخص خلافا للذين خيروا الفرار خارج أرض الوطن والذين يتراوح عددهم في حدود الـ10 آلاف شخص. وقال مسؤولون عن الهيئة الوطنية للمحامين إن "جريمة الصك دون رصيد هي جريمة شكلية بالأساس وإن الاستعمال المتداول للصك هو استعمال في غير موضعه باعتباره وسيلة خلاص وليست وسيلة ضمان".
واعتبر هؤلاء أن "إلغاء العقوبة السجنية يتطلب توفير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والقانونية الملائمة وأن الإصلاح في هذا المجال لا يقتصر على تعديل الفصل 411 من المجلة التجارية، بل يجب أن يكون شاملا لعدد من النصوص القانونية الأخرى يراعى في ذلك التدرج على غرار العديد من الدول الأخرى التي اتبعت مسارا تدريجيا، فضلا عن ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التطور الرقمي والتكنولوجي الذي يوفر الضمانات اللازمة لحقوق جميع الأطراف".
ودعا المحلل السياسي المنذر ثابت إلى ” الإبقاء على العقوبة كما هي، لكن بضمان الحقوق عبر وجود إنشاء تطبيقة للتثبت من وجود رصيد لمن أصدر الصكّ، مع ضرورة حذف الصك في صيغته البسيطة وتعويضه بصكّ معرّف ويجمّد المبلغ آليا بالوسائط الإلكترونية". وقال لـ"العرب"، "بالنسبة إلى الصكوك ذات الصلة بمشاريع الدولة، المفروض ألا يسجن من أصدرها، والعقوبة السجنية ضروري أن تبقى مع إلغاء الأسباب التي تقود إليها".