العفوية المفرطة تؤثر على التواصل السليم مع العائلة

اتباع قواعد التواصل الاجتماعي السليم مع الآخرين يكون من خلال قاعدة تتمثل في عدم طرح موضوعات خلافية تثير غضب الأشخاص.
الأحد 2019/01/27
لا مجال للكلام بتلقائية

عدم تحكم أحد الزوجين في كلامه وزلات اللسان وأحيانا التلقائية المفرطة قد تقف وراء نشوب خلافات بين الشريكين، ويمكن أن تكون سببا لإنهاء العلاقة في بعض الحالات. وقد يعرّض عدم سيطرة كلّ من الزوجين على لسانه في حالات الشجار والغضب مثلا إلى مشكلات كبيرة مع شريكه قد تصل إلى الطلاق لأنه تفوّه بكلام يرى الطرف المقابل أنه لا يمكن التفوه به أو التسامح بشأنه، وأحيانا أخرى يصل الشريكان إلى خراب البيوت بسبب زلة اللسان هذه، كأن ينادي أحدهما شريكه باسم الحبيب السابق.

القاهرة - ينطق الشخص أحيانا سهوا أو عن حسن نية أو بعفوية بما لا يجب أن يقال أو أن يسمعه الطرف المقابل خصوصا أمام شريك الحياة في حالات الترصد وترقب الأخطاء بين الطرفين، وقد تتسبب مجرد كلمات في غير محلها ولا وقتها في خلاف بين الطرفين قد يبلغ أقصاه بالتصعيد من أحدهما أو كليهما إلى القطيعة ثم انتهاء العلاقة.

تروي هند علي ربة منزل، مشكلتها التي دفعتها إلى طلب الانفصال من زوجها؛ بسبب إصراره على أن يناديها باسم زوجته الأولى، وتقول “تزوجت من رجل سبق له الزواج لكن زوجته توفيت في حادث، وكان قطار الزواج قد فاتني ووجدته رجلا مقتدرا وسيما لا يُرفض… ولكن المشكلة أنه طوال زواجنا الذي مضى عليه أكثر من عام لا يناديني باسمي إلا مرات قليلة ودائما يناديني باسم زوجته الأولى”.

وتضيف هند “كنت أشعر بالغرابة عندما أسمع عن زوجات يغرن من زوجة متوفاة، أما الآن فقد زال العجب؛ لأن تكرار خطأ زوجي في اسمي هو دليل على وجود زوجته الأولى في وجدانه ما أثر في علاقته بي كزوجة من بعدها، لقد يئست من أن يعتاد على اسمي فطلبت الطلاق؛ لأن أعصابي لن تتحمل هذا الأمر طوال حياتي”.

ويتحدث عبدالله وهو موظف عن تجربته الخاصة التي تشابه تجربة هند حيث يؤكد أنه سمع زوجته في نومها تردد اسم خطيبها السابق قائلا “سمعت زوجتي تكرر اسم رجل آخر وهي غارقة في نومها.. وقد جنّ جنوني لأنني أعرف أن صاحب الاسم هو خطيبها السابق، ومعنى أن تحلم به هو، بالنسبة لي، أنها لا تزال تفكر فيه، ورغم إدراكي لأنه غير منطقي أن أحاسبها على ما تقوله في أحلامها لكنني منذ ذلك اليوم بدأت أفكر في الطلاق، وحتى هذه اللحظة ما زلت حائرا في اختيار الوقت المناسب لتنفيذ الأمر”.

وإلى جانب هفوات أو زلات اللسان غير المقصودة فإن بعض الأشخاص يكتسبون صفات العفوية أو التلقائية المفرطة إلى الدرجة التي لا يتحكمون فيها بأنفسهم فيقولون ما لا يجب أن يقال، وتعترض العديد من المتزوجات هذه المشكلة حيث يبحن بما يفكرن فيه أمام أزواجهن وعائلاتهن وأصدقائهن والمحيطين بهن ما يوقعهن في مشاكل ونقاشات كن في غنى عنها، لكن طباعهن قادتهن لخوضها.

وتعبر مريم عبدالرحمن، عن حزنها لعدم قدرتها على كتمان أي سر، وتعترف بأنها كثيرا ما تسبب لزميلاتها في الجامعة العديد من المواقف المحرجة.. ولكنها تنفي عن نفسها تعمدها لذلك تصف ما تفعله بأنه عفوي وناتج عن عدم تحكم في لسانها.

لتلافي آثار زلات اللسان يجب أن يحاول الشخص تخفيف وطأة ما تفوه به على المحيطين به بأن يقول مازحا "عذرا"

وتروي مريم أنها دُعيت لحضور خطبة إحدى زميلاتها وعندما وصلت وتقدّمت لتهنئة العروسين فوجئت بالعريس الذي تعرفه جيدا؛ لأنه كان على علاقة بصديقة أخرى لها.. ولم تتمالك نفسها من أن تسأله عن سبب ابتعاده عن صديقتها الأخرى.. عندئذ تفجّر الموقف وانتهى بفسخ الخطوبة.

ويرى الخبير الاجتماعي فؤاد عثمان، أن معظم المتعثرين في حياتهم الأسرية والاجتماعية بسبب أخطائهم اللفظية يمكنهم حماية علاقتهم وأنفسهم باتباع بعض التوجيهات البسيطة.. ويقول “في البداية نشير إلى قاعدة مهمة في التواصل الاجتماعي وهي بسيطة وسهلة التطبيق وتتمثل في عدم إطلاق أي تعميم سلبي على مجموعة أو فئة من البشر خصوصا حينما نتواجد مع شخص لا نعرف عنه كل شيء”، موضحا أن الأحكام المطلقة والشمولية تجعلنا نخطئ في حقائق الأشخاص وفي واقع الأمور والتصريح بهذه الأحكام وبالتفكير فيها قد يعرض صاحبه إلى مشاكل في التواصل ويدخله في خلافات هو في الأصل لا يريد خوضها.

ويضيف عثمان أن اتباع قواعد التواصل الاجتماعي السليم والمتزن مع الآخرين يكون أيضا من خلال قاعدة أخرى تتمثل في عدم طرح موضوعات خلافية تثير غضب الآخرين وعدم استفزاز الآخر بكلام قد يبدو لك بسيطا، ويفسر “يفترض أن لا نناقش الأمور المثيرة للجدل ثم نعلق تعليقات عابرة تدل على السخف ونمرّ..

وعلينا أن ندرك أنه في كل مناسبة اجتماعية يكون المرء محاطا بأشخاص هم في النهاية لا يقرأون أفكاره ونواياه وقد ينتظر أحدهم زلاته وأخطاءه لكي يثير بسببها المشاكل”.

ويؤكد الخبير في علم الاجتماع أن هذه القواعد من المستحسن اتباعها لكنها ليست قواعد علمية ثابتة وصارمة يمكنها أن تفضي حتمًا إلى نجاح التواصل الاجتماعي، لكنها في النهاية تسهل الأمور خصوصا على أصحاب الشخصيات العفوية.

ويعتبر أن في الكثير من اللحظات التي يمر بها الإنسان قد يعمل فيها لسانه بشكل أسرع من عمل عقله، فتنفلت منه كلمات غير مناسبة قبل أن يستطيع إيقافها..

ويقترح عثمان لتلافي آثار زلات اللسان أن يحاول الشخص تخفيف وطأة ما تفوه به على المحيطين به.. موضحا “إذا كنت بين أشخاص تعرفهم حاول مثلا أن تقول مازحا “عذرا”، وتذكّر أن الناس لا يتوقعون الكمال فقد وقعوا هم أنفسهم في أخطاء لفظية فادحة من قبل، كما يمكن أيضا أن تعالج هذه الزلة بذكاء وذلك ببعض التشويش الإيجابي، وإن كان لسوء الحظ أننا لا نتمتع جميعا بمثل هذا الذكاء الاجتماعي، فغالبا ما نقف من دون أن ننطق بكلمة واحدة، وفي هذه الحالة يكون الاعتذار هو السبيل الوحيد حتى لا نترك الأمور تتفاقم.. وإظهار الندم الحقيقي يمكن أن يعالج أسـوأ زلات اللسان”.

ويقول أستاذ علم النفس محمود عبدالمحسن، “زلة اللسان” قد تكون بإفشاء سر خاص أو عام أو بطرح وجهة نظر في غير محلها المناسب.. العشرات من القصص تروي المواقف المحرجة التي تعرض لها الكثيرون بسبب زلات اللسان، وخاصة في ما يتعلق بالعلاقات الزوجية.. فزلة اللسان بين الرجل والمرأة قد تؤدي إلى كارثة قد تنهي علاقتهما، وتهدم أسرة بكاملها.

21