العثور على وظيفة تتطابق مع التخصص الجامعي مهمة شاقة في تونس

خبراء الاقتصاد يجمعون على غياب التنسيق الأكاديمي بين الجامعات وفرص العمل في سوق الشغل.
الأحد 2022/11/06
تخصصات جامعية لا تستوعبها سوق الشغل

تونس - لا يزال غياب التنسيق بين تخصصات الجانب الأكاديمي ومتطلبات سوق الشغل قائما في تونس، ما فاقم أزمة التشغيل وزاد في نسبة البطالة بالبلاد، حيث يجد عدد كبير من خريجي الجامعات أنفسهم كل سنة خارج اهتمامات سوق الشغل، وسط تأكيد الخبراء على أن الدولة لم تضع إستراتيجية واضحة لذلك، فضلا عن تعثر الاقتصاد المحلي وعدم قدرته على توفير الوظائف.

ويستعصي على الشباب التونسيين إيجاد وظيفة تتطابق مع اختصاصاتهم الجامعية، كما يفرض قطاع الوظيفة العمومية شروطا مجحفة للانتدابات، الأمر الذي يصيب الشباب بخيبات أمل كبيرة ويعرضهم للمزيد من الإحباط في ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية.

ونظمت الجمعية الوطنية لخريجي الجامعات المعطلين عن العمل والمعنيين بالقانون عدد 38 وقفة احتجاجية الأربعاء بساحة الحكومة بالقصبة.

وقال رئيس الجمعية كريم تُرعة في تصريح لإذاعة محلية إن “هذه الوقفة تأتي للتنديد بسياسة التسويف والمماطلة في معالجة هذا الملف”، مبينا أن “اجتماعا جمع وفدا عن الجمعية وأحد مستشاري رئيس الجمهورية منذ الرابع من أغسطس الماضي، حيث أكد المستشار أنه سيتم عرض ملفهم على رئاستي الجمهورية والحكومة ورغم تنظيم مسيرة في شارع الحبيب بورقيبة في سبتمبر الماضي إلا أن الملف لم يتحرك قيد أنملة”، وفق تعبيره.

عزالدين سعيدان: هناك غياب لرؤية اقتصادية حول فرص التشغيل في تونس
عزالدين سعيدان: هناك غياب لرؤية اقتصادية حول فرص التشغيل في تونس

وانتقد تُرعة عدم تفاعل الجهات المسؤولة مع الملف والتعامل الأمني مع أعضاء الجمعية، قائلا ”إن كان المسؤول لا يملك الحل فليتنحى عن منصبه”.

ويجمع خبراء الاقتصاد على غياب الرؤية الاقتصادية اللازمة، وغياب التنسيق الأكاديمي بين الجامعات وفرص العمل في سوق الشغل، وسط إقرار بعجز الاقتصاد المحلي عن استيعاب خريجي الجامعات في كل سنة.

وتساءل الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان “من يعلم ما هي متطلبات سوق الشغل اليوم في تونس؟”، لافتا إلى أن “هناك غيابا لرؤية اقتصادية حول فرص التشغيل في البلاد”.

وأضاف لـ”العرب” أنه “إذا كانت لدينا سياسة اقتصادية فعلا والاقتصاد يخلق فرص التشغيل، يمكن التنسيق بين التربية والتعليم ومتطلبات سوق الشغل”، مستدركا “لكن اقتصاد تونس منذ 2011 توقف عن ذلك، ولذلك ارتفعت نسبة البطالة وتفاقم عدد حاملي الشهادات”.

وتابع سعيدان “علينا إنقاذ هذا الاقتصاد وإيجاد حلول لذلك، وهذا يتطلب على الأقل 5 سنوات من العمل، حتى يصبح قادرا على خلق فرص التشغيل والتنسيق مع الجانب الأكاديمي ومنظومة التكوين المهني وهي في غاية الأهمية من المدرسة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية لتكوين مواطن قادر على إيجاد فرص شغل”.

وفرص العمل محدودة في تونس في حين أن الخريجين والعاطلين بالآلاف، وقد بلغ عدد العاطلين عن العمل في تونس خلال الربع الأول من عام 2020 نحو 626 ألفا، فيما بلغت نسبة البطالة خلال الثلاثي الثاني من السنة الجارية 15.3 في المئة.

ويمثل حاملو الشهادات العليا في تونس ثلث العاطلين عن العمل والبالغ عددهم أكثر من 700 ألفا بحسب آخر الإحصائيات الحكومية.

وكان وزير التعليم العالي والبحث العلمي منصف بوكثير أكد أن عملية التوجيه الجامعي للسنة الماضية تمت حسب ما تتطلبه سوق الشغل، حيث شهد دليل التوجيه الجامعي تحيينا بثلاثة إحداثات جديدة وهي المدرسة الوطنية للمهندسين بمنوبة (قرب العاصمة تونس) التي ستدرس باللغة الإنجليزية، والمعهد العالي للتكنولوجيات بالكاف (شمال)، والمعهد العالي للدراسات الهندسية بقابس (جنوب) بالإضافة إلى حذف أخرى.

وأعلن في تصريح إذاعي عن “إمضاء اتفاقية تشمل عدة محاور منها الحوكمة في التعليم العالي وتثمين نتائج البحث العلمي وحركية الطلبة والأساتذة والكادر الإداري وتحسين تشغيلية حاملي الشهادات العليا والابتكار”.

قطاع الوظيفة العمومية يفرض شروطا مجحفة للانتدابات، الأمر الذي يصيب الشباب بخيبات أمل كبيرة

واعتبرت أطراف نقابية أن الحكومات المتعاقبة في تونس حافظت على نفس السياسة الاقتصادية والتنموية، وسط “عجز” عن توفير فرص التشغيل لخريجي الجامعات مدفوع بحزمة من الأزمات الاقتصادية والمالية والصحية.

وأفاد صلاح الدين السالمي أمين عام مساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل المسؤول على الدواوين والمنشآت العمومية أن “الشغل حق دستوري لكل مواطن، ورغم ذلك فالسياسة الاقتصادية مسؤولية الحكومة، والحكومات المتعاقبة واصلت في نفس النموذج التنموي، ما أدى إلى انكماش الاقتصاد، وحتى القطاع الخاص لم يقلل من نسبة البطالة”.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “الحكومات قلصت من دور الدولة في التعليم والصحة، ولم تعد تعنيها مسألة البطالة والوضعية الأكاديمية. عليها أن تهتم بالمواطن من فترة التمدرس حتى المرحلة الجامعية وأن تحدد التخصصات”.

وتابع السالمي “الأزمة الصحية بسبب جائحة كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية وتتالي الأزمات الاقتصادية والمالية كلها عوامل أثرت في تفاقم البطالة”.

وفي يوليو الماضي قال المهندس في الإحصاء وتحليل المعلومات في المعهد العربي لرؤساء المؤسسات محمد نجيب بن سعد إن “فترات الحصول على أول فرصة عمل تتراوح بين أقل من 6 أشهر وأكثر من 4 سنوات في الفترة ما بين 2019 و2022”، مؤكدا أن “المعدل الوطني العام يؤكد أن خريجي الجامعات العمومية ينتظرون 16 شهرا للحصول على أول فرصة عمل”.

وأضاف في تصريح لإذاعة محلية أن “خريجي الجامعات العمومية الذين ينتظرون نحو 4 سنوات للحصول على عمل هم من المتخرجين من المعاهد العليا للعلوم الإنسانية وغيرها خاصة في 10 اختصاصات أهمها الآثار وعلم النفس والفلسفة، في حين أن الذين لا تتجاوز فترة انتظارهم للحصول على أول فرصة عمل 16 شهرا هم خريجو المعاهد والجامعات العمومية التي تدرس الاختصاصات الطبية وشبه الطبية وإدارة الأعمال والتسويق”، مضيفا أن “انخفاض هذه النسبة في الحصول على فرص العمل ساهمت فيه جائحة كوفيد – 19 مقارنة بفترة 2019”.

حاملو الشهادات العليا في تونس يمثلون ثلث العاطلين عن العمل والبالغ عددهم أكثر من 700 ألفا بحسب آخر الإحصائيات الحكومية

بدوره أكد المدير التنفيذي للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات مجدي حسن أن “هناك توجها اليوم من الطلبة إلى اختيار اختصاصات جامعية تضمن لهم العمل في دول أجنبية مستقبلا والتي أصبحت ذات أولوية تشغيلية ويفضلونها على سوق الشغل المحلية”.

وسبق أن كشف المعهد العربي لرؤساء المؤسسات عن نتائج الاستبيان الذي حمل عنوان “دليل التوجيه الجامعي 2022 حسب مدة انتظار خريجي التعليم العمومي للحصول على أول وظيفة” وذلك خلال ندوة صحافية في مقر المعهد.

وبينت نتائج الدراسة أنّ 89 في المئة من خريجي التعليم العالي عبروا عن رغبتهم في الهجرة للعمل، وأكد 15 في المئة منهم عن استعدادهم للهجرة بطريقة غير نظامية.

كما أبرزت نتائج الاستبيان أنّ 64 في المئة من أصحاب الشهادات الجامعية يعملون في مجال دراستهم ويبحث 74 في المئة من خريجي التعليم العالي العاطلين عن العمل عن عمل يتماشى مع مجال دراستهم، فيما يواصل 29 في المئة من أصحاب الشهادات العليا دراستهم نظرا إلى أنهم لم يجدوا وظائف.

وتصدّرت وسائل التواصل الاجتماعي، حسب نتائج الاستبيان، قائمة القنوات الأكثر فاعلية في البحث عن عمل بـ26 في المئة تلتها الإعلانات، فيما أتت الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل في المرتبة الثالثة بـ22 في المئة ومنصات التوظيف الأخرى رابعة بنسبة 18 في المئة.

ويندد الشباب بسياسة الإقصاء والتهميش وعجز الحكومات المتعاقبة منذ 2011 عن الإيفاء بوعودها وتوفير مواطن شغل تحفظ كرامتهم، كما لم تنجح الحكومات في تقديم مقاربة اقتصادية جديدة توازن بين حاجة الشباب إلى العمل ومتطلبات سوق الشغل.

وتتصاعد وتيرة الاحتجاجات بين فترة وأخرى في البلد تنديدا بالبطالة وسوء الأوضاع الاجتماعية. وعلى الرغم من مصادقة البرلمان مؤخرا على مشروع قانون لتوظيف من تجاوزت مدة بطالتهم عشر سنوات في القطاع العام، إلا أنه إجراء يصعب تحقيقه في ظل الصعوبات الاقتصادية.

2