الظروف المعيشية تدفع مصريات إلى إخفاء زواجهن

الزواج السري خيار تتّبعه الأرملة لاستمرار الحصول على الدعم المادي.
الثلاثاء 2024/06/04
التحايل للحصول على الدعم المادي يرفضه الشرع والقانون

حرمت المؤسسة الدينية في مصر الأموال التي تحصل عليها النساء اللواتي يخفين زواجهن، وحذرتهن من مخاطر الانسياق وراء اللجوء إلى الزواج السري. وتتحايل بعض الأرامل على القانون بإخفاء الزواج وعدم توثيقه رسميا كي لا تنقطع مساعدات الحكومة. كما أقر مجلس النواب تعديلات قانونية تضمنت معاقبة من تتزوج عرفيا للاحتفاظ بالمعاش بغرامة مالية تصل قيمتها إلى ألف دولار.

القاهرة - تحولت وقائع عدم توثيق زواج الأرامل في مصر تجبنا لخسارة مساعدات مالية تقدمها الحكومة من مجرد حالات فردية إلى ظاهرة أسرية، دفعت مفتي الجمهورية شوقي علام إلى التشكيك في مشروعية علاقات تأسست على فعل مخالف للقانون بالحصول على أموال من الدولة بطريقة ملتوية، محذرا النساء من مخاطر الانسياق وراء اللجوء إلى الزواج السري.

تلجأ سيدات أرامل ومطلقات إلى عدم توثيق الزواج، ويبررن ذلك بأن تعسف الجهات الحكومية المعنية بملف المعاشات دفعتهن إلى هذا المسار غير الآمن، لأن ظروف المعيشة قاسية والموارد المالية شحيحة، ويتحايلن على القانون بإخفاء الزواج وعدم توثيقه رسميا كي لا تنقطع مساعدات الحكومة.

تتحصل كل أرملة أو مطلقة في مصر على مبلغ مالي كل شهر، ويحق لها الاحتفاظ بمعاش الأب أو الزوج بعد الوفاة، إذا كانت بلا عائل، وتتقدم بطلب للحصول على مساعدات من الدولة، ويُصرف لها مبلغ مالي يساعدها على توفير متطلباتها وأبنائها، لكن هذا المبلغ ينقطع بعد زواجها مرة ثانية وتوثيقه في السجلات الرسمية للدولة.

أصدر مفتي مصر حكما فقهيا قاطعا مؤخرا بأن الأموال التي تحصل عليها المرأة التي تخفي زواجها “محرمة” بالتوازي مع فتوى صدرت قبل أسابيع بأن الزيجات العرفية تفتقد المشروعية الدينية، لأن مفاسدها كثيرة، وعدم توثيق الزواج لغرض الحصول على معاش الزوج المتوفَّى تحايل على القانون، وبذلك تأخذ المرأة مالا حراما.

عبير سليمان: ملف زواج الأرامل في مصر بحاجة إلى التعاطي معه بمرونة
عبير سليمان: ملف زواج الأرامل في مصر بحاجة إلى التعاطي معه بمرونة

تستثمر بعض الأرامل والمطلقات في مصر عدم وجود آلية محددة في قانون التأمينات تتضمن مراقبة مستحقي المعاشات، ولا تقوم الإدارات المختصة بالتحري الدقيق حول أحقية المطلقات في صرف معاش ذويهن، طالما لم يتم التقدم ضدهن بشكاوى موثقة من أقاربهن أو محيطين بهن، وبالتالي يصعب اكتشاف حيلة زواجهن سرا.

وأقر مجلس النواب المصري مؤخرا تعديلات قانونية تضمنت معاقبة من تتزوج عرفيا للاحتفاظ بالمعاش بغرامة مالية تصل إلى ألف دولار، وتُحرم من المعاش، لكن ثمة صعوبات بالغة في إثبات ذلك، لأن الزواج ليس موثقا ومن السهل على الأرملة إنكار وجود علاقة رسمية مع رجل آخر، لأن الزيجة عرفية.

تدافع الحكومة عن مطاردتها للمرأة التي تتحايل وتحتفظ بالمستحقات المالية بعد زواجها ثانية بأنها لم تعد أرملة أو مطلقة، وصارت تحت ولاية رجل يُنفق عليها ويوفر لها احتياجاتها، فقد حصلت على مساعدات لأنها بلا عائل، وليس من دور الدولة أن توفر لها دعما، حيث أصبحت في عصمة شخص مُلزم بالإنفاق عليها.

ترفض عبير مصطفى، وهي معلمة مقيمة في القاهرة، مبررات الحكومة، معقبة “المرأة التي تخفي زواجها للاحتفاظ بمساعدات الدولة لها مضطرة إلى فعل ذلك أمام الظروف المعيشية الصعبة، وكل امرأة كانت أرملة أو مطلقة وتتزوج بلا توثيق الزواج مضطرة إلى ذلك خوفا من تعرضها للطلاق فتخسر ولا تجد من ينفق عليها”.

وأضافت لـ”العرب” أن بعض صديقاتها لجأن إلى خيار عدم توثيق الزواج بعد أن كُن أرامل، والمساعدات الحكومية التي يتحصلن عليها لا غنى عنها لمساعدة أسرهن، وغالبا ما يكون الزواج السري باتفاق بين الطرفين (الرجل والمرأة) مع وجود توافق على عدم الإنجاب كي لا يفتضح أمر السيدة، وتكون مضطرة إلى توثيق الزواج.

وقالت “الحكومة تضع الأرملة بين خيارين كلاهما مُر، إما أن تُكمل بقية حياتها راهبة كي تحصل على مساعدات مالية تعينها على صعوبات الحياة أو تتزوج زواجا موثقا في الدفاتر الرسمية وتخسر ماليا، وفي ظل صعوبات الحياة تختار غالبية الأرامل عدم التوثيق، مهما كانت هناك آراء دينية تطعن في مشروعيته”.

ويوجد اختلاف واضح بين رجال الدين في مصر حول مشروعية الزواج السري الذي يستهدف تأمين حصول المرأة على المعاش بالالتفاف على القوانين، فهناك أصوات أباحته ورفضت الاعتراف بعدم مشروعيته، لأن الزواج السري تم في وجود شهود، لكن مؤسسة الأزهر ودار الإفتاء حرمتا التصرف كجزء من التماهي مع الحكومة في محاربة التحايل على القانون.

وبقطع النظر عن دوافع كل طرف سواء بالتحريم أم لا، فالواضح أن تزايد وقائع إخفاء الزواج يعود إلى تهاوي العلاقة بين الكثير من الأسر والحكومة، وإحساس العائلات بأن هناك جهات تحلل لنفسها استنزاف الناس ماديا برفع أسعار السلع والخدمات، ما أوجد استباحة أسرية مضادة لاسترداد جزء من حقوقها عند الدولة بأي وسيلة، ولو بالتحايل على توثيق الزواج.

الزواج صلة
الزواج صلة

وبلغ تحايل بعض الأسر للحصول على مساعدات شهرية حد اتفاق الرجل وزوجته على الطلاق دون وقوعه رسميا، وعبر اتفاق مسبق بين الطرفين، حيث يستخرجان وثيقة رسمية تفيد بأنهما انفصلا رسميا، وليس شفهيا، وبعدها تتقدم الزوجة بطلب الحصول على معاش بحكم أنها مطلقة، في حين أنها تعيش مع زوجها عرفيا.

جزء من أسباب التحايل النسائي على القانون أن الحكومة لا تساوي بين الرجل والمرأة في الجمع بين الراتب والمعاش عند الزواج، إذ تسمح للرجل أن يحتفظ بنفس الحقوق المالية إذا تزوج مرة ثانية أو ثالثة بحجة أنه مسؤول عن بيت وأسرة ويحتاج إلى استمرار الدعم المالي من الدولة، وهو ما لا يحدث مع الأرملة التي تتزوج بحجة أنها ستكون تحت وصاية عائل.

أكدت عبير سليمان، الباحثة المتخصصة في شؤون المرأة والقضايا الأسرية بالقاهرة، أن ملف زواج الأرامل في مصر بحاجة إلى التعاطي معه بمرونة ومساواة بين الجنسين، لأنه يحمل مخاطر كثيرة للمرأة عندما تضطر إلى إخفائه للحصول على بعض المكتسبات المادية، وقبل التحريم والتجريم، يفترض بحث الأسباب التي تدفع الأرملة إلى هذا الخيار الصعب، لأنها مضطرة.

وأوضحت لـ”العرب” أن هناك من يتزوج من أرملة تحصل على مساعدات شهرية، لأنها لن ترهقه ماديا، وأخريات يبحثن عن شراكة في سن متقدمة حتى لا يعشن الوحدة، وهذا في حد ذاته مبرر إنساني يضع على الحكومة مسؤولية التعامل مع الأمر بنظرة واقعية لإيجاد حل وسط يضمن للأرملة حياة كريمة، وتؤسس أسرة مستقرة.

يغيب عن الحكومة أن هناك شريحة من النساء الأرامل بحاجة إلى استمرار المساعدات عندما يتزوجن، حتى لا يصبحن عبئا على أزواجهن، ومثال ذلك المرأة المصنفة بأنها من ذوات الإعاقة، واحتياجاتها كثيرة وفق ظروفها الصحية، ودائما ما تكون بحاجة إلى المال بعيدا عن موارد زوجها حتى لا تُثقل عليه ويمتعض منها.

أمام الأزمة الاقتصادية الصعبة واختلاف ظروف كل سيدة عن الأخرى، فإن الحكومة مطالبة بالتعاطي بشكل أكثر إنسانية مع ملف مستحقات الأرامل، لا إجبارهن على الزواج السري، لأن ذلك يُفضي إلى أزمات أسرية معقدة ويعمق النظرة الدونية تجاه كل امرأة تتزوج عرفيا كأنها ارتكبت جرما دون اكتراث بما دفعها إلى هذا الخيار المُر.

15