الطلاق المبكر معضلة تربك حسابات الأسر المصرية

تشير الأرقام الصادرة عن جهات رسمية في مصر إلى ارتفاع حالات الطلاق خصوصا في السنوات الثلاث الأولى بعد الزواج، ما يعكس هشاشة العلاقات الأسرية وسهولة تفكك بنيانها. ويرى خبراء علم الاجتماع أن الطلاق المبكر غالبا ما يكون ناجما عن زواج مبكر، يفتقد فيه كل طرف أو كلاهما إلى الخبرة في التعامل مع المشاكل الزوجية.
القاهرة – أحدثت إحصائية الطلاق الصادرة عن وزارة التضامن المصرية ممثلة في مشروع مودة للحفاظ على الأسرة المصرية صدمة كبيرة بعد أن تبين أن 50 في المئة من حالات الانفصال الرسمي تقع خلال السنوات الثلاث الأولى من الزواج، وهناك 15 في المئة منها يقع فيها الطلاق قبل مرور عام واحد على العلاقة الزوجية.
تحول الطلاق المبكر في مصر إلى ظاهرة مخيفة أظهرت إلى أي درجة أصبح الكيان الأسري مفتقدا للحد الأدنى من التماسك، ما انعكس على المجتمع، فبدا كأنه لا يستطيع حماية أفراده في ظل زيادة نسبة التفكك التي تحدث بسبب الطلاق.
وأصبح العام الأول في الحياة الزوجية المحطة الأصعب لدى الشريكين في سبيل تكوين أسرة ذات قوام راسخ، حيث يكتشف فيها كل طرف عادات الآخر، وثمة تصرفات مفاجئة وربما صادمة للبعض، وتفشل محاولات التأقلم على التغيير الحاصل في حياة الزوجين والخلفية الثقافية والاجتماعية التي أتى منها كل طرف.
يتفق العديد من المتخصصين على أن الطلاق المبكر غالبا ما يكون ناجما عن زواج مبكر يفتقد فيه كل طرف أو كلاهما إلى الخبرة الحياتية التي تحصن العلاقة الزوجية من الانهيار سريعا، لكن الخطر يكمن في وقوع ضغط نفسي على الفتاة لقبول الزواج، ما يسبب لها القلق والتوتر ويطاردها الفشل في التأقلم مع شريك حياتها.
نسبة السعادة الزوجية بين الشريكين اللذين قررا تأجيل الإنجاب تكون أعلى من نظرائهما الذين أنجبوا سريعا
قالت مروة مجدي، وهي واحدة من الفتيات اللاتي أجبرن على الزواج المبكر، وحملت لقب مطلقة بعد تسعة أشهر فقط، إن الفتاة التي تتزوج في سن مبكرة تفتقد عند زواجها الخبرة في التعامل مع المشاكل الزوجية وصعوبات الحياة بشكل عام، ولا تميز بين الصواب والخطأ فتأتي من بيت أسرتها إلى منزل زوجها مصحوبة بكراهية لشريكها.
وأضافت لـ”العرب” أنها لم تكن تميز بين الأشياء التي يجب أن تطيع فيها زوجها، وتلك التي لابد من مناقشته فيها بهدوء وعقلانية، فكانت صدامية لأنها لا تهدف من هذه العلاقة إلا إلى إرضاء أسرتها، وبعد فترة قصيرة وجدت حالة غير مسبوقة من عدم التوافق النفسي مع زوجها، وقررت أن زواجها محكوم عليه بالفشل، فطلبت الطلاق.
ما سرّع الطلاق أن والدتها أجبرتها على الإنجاب المبكر، مع أنها كانت رافضة إلى حين اختبار مصير العلاقة الزوجية، فلم تمنح لنفسها فرصة التقارب مع الشريك وفهمه والتأقلم مع شخصيته دون خلافات لتركيزها في الحمل، قائلة “غالبية من ينجبن مبكرا تأكدت أنهن يواجهن مشكلات أسرية معقدة تنتهي بالطلاق”.
وسبق أن وجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رسالة إلى أرباب الأسر قائلا لهم “لماذا لا يطلب كل أب من ابنته تأجيل الإنجاب عاما أو اثنين، لأنها كانت في حضانة أسرة وستخرج لحضانة زوجية وحياة جديدة، لا بد أن تتأقلم معها أولا قبل أن تنجب، لأن ما يحدث أن الفتاة تنجب سريعا وقد يحدث الطلاق بعد أول عام لتعود مرة ثانية إلى بيت أسرتها محملة بأعباء وأزمات نفسية وصراعات مع الزواج”.
وأشارت دراسات اجتماعية إلى أن نسبة السعادة الزوجية بين الشريكين اللذين قررا تأجيل الإنجاب تكون أعلى من نظرائهما الذين أنجبوا سريعا، فبعد الزواج تنشأ مسؤوليات كبيرة من نوع خاص مرتبطة بمحاولة كل طرف إسعاد الآخر، وفي حالة عدم وجود أبناء في السنوات الأولى يكون كل شريك مؤهلا للتقرب من الآخر ليفهمه ويتأقلم مع شخصيته دون خلافات، ولو حدثت فمن السهل تجاوزها لغياب الضغوط التي يسببها الأبناء للأبوين.
وهناك معضلة أخرى مرتبطة بارتفاع حالات الطلاق في السنوات الأولى من الزواج، تكمن في أن الظاهرة تسببت في صدمة نفسية للشباب والفتيات، حتى صار بينهم وبين مؤسسة الزواج حاجز نفسي، لأنهم فقدوا الثقة على وقع التوتر النفسي الذي يعيشون فيه، جراء الأزمات الأسرية المتلاحقة وشعورهم بإمكانية أن يكونوا ضحايا هذا الفخ.
وقالت عنان حجازي استشارية العلاقة الأسرية بالقاهرة إن ارتفاع معدلات الطلاق وتجاهل الدورات التوعوية للمقبلين على الزواج، لتعريفهم بأبجديات التعامل والتقارب والتفاهم للحد من الانفصال المبكّر، تترتب عليهما مشكلات عائلية ومجتمعية قد يكون من الصعب علاجها بعدما تصل علاقة الشباب بالزواج إلى حد القطيعة، جراء الخوف من تكوين أسرة أو تحمل المسؤولية أو الاصطدام بشريك خطأ.
وأكدت لـ”العرب” أن عدم التوفيق في الاختيار يكون سببه ضغوطا أسرية أو هروبا من شبح العنوسة، وهذا يخلّف وراءه صدمات للشريكين بسبب اختلاف الطباع والمزاج والميول، فتحدث قطيعة نفسية لا يستطيعون التعايش معها، ومن ثم يقع الطلاق سريعا، لذلك تتحمل العائلات الجزء الأكبر من المسؤولية لعدم توجيه الأبناء للصواب، أو مجاراة العادات والتقاليد، والإكراه على الزواج من شريك بعينه.
وأبرز الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الطلاق بين المتزوجين حديثا ترجع إلى عدم التوجيه وغياب التكافؤ والاتكالية وعدم إحساس الشاب بمسؤوليته تجاه أسرته الجديدة، وتوجد أسباب أخرى مرتبطة بسوء اختيار شريك الحياة وعدم وجود التوافق في الميول والعمر والاتجاهات والطبقة الاجتماعية والتعليم، ما يتسبب في صدام بين الشريكين قد يصبح حله الوحيد الانفصال دون محاولة لمنح كل طرف الفرصة للتأقلم.
الأجيال الجديدة تخوض تجربة الزواج دون فهم صحيح لدستور تلك المؤسسة، ولا تدرك معنى العائلة
ويصعب فصل الطلاق المبكر عن تزايد الضغوط الناجمة عن الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء الأسعار وتغيّر العادات عمّا كان موجودا في الماضي، وغياب الطريقة الصحيحة لتربية الأبناء وتأهيلهم لتحمل المسؤولية وتعريفهم ماذا يعني تكوين أسرة، وبأي طريقة، والأهداف الحقيقية من الزواج بعيدا عن اختزال الأمر في الإنجاب.
وتظل المشكلة الأبدية لدى عدد كبير من الشباب والفتيات المتزوجين حديثا بمصر أن أهداف الزواج تتم صياغتها من خلال العائلة تنفيذا لنمط اجتماعي سائد، فالأسرة هي التي تحدد أهداف الزواج وترسم المظاهر الخارجية له، وكل عائلة تنصّب نفسها رقيبا على سلوكيات الشريكين وكيفية ممارسة حياتهما، وتبدأ التدخلات في حياة الزوجين بطريقة فجّة، فتقع خلافات يصعب علاجها وربما ينتهي الأمر بالانفصال.
وترى عنان حجازي أن ارتفاع حالات الطلاق المبكر ينجم عن التغيرات التي شهدها المجتمع المصري، إذ توجد فجوة أثرت على العلاقات العائلية بشكل عام، فلم يعد الاستقرار هدفا للكثير من الأفراد وكل طرف يسعى لمصلحته بعيدا عن الترابط والمودة، ما تسبب في تحول العلاقة بين بعض الأزواج إلى مناكفة وتربص وعناد دون تقديم تنازلات، وهذا أيضا ناتج عن البيئة الأسرية التي تربى فيها كل طرف.
وتعتقد بعض الأصوات أن زيادة وعي المرأة بحقوقها أحد أسباب زيادة الطلاق المبكر، فالقوانين المعاصرة جعلت النساء غير مجبرات على تحمل حياة زوجية كئيبة، إضافة إلى زيادة حالات الاستقلال الاقتصادي للمرأة، ما جعلها تشعر بأنها لا تحتاج إلى أموال زوجها وتملك الشجاعة في مواجهة نفوذ الرجل وتؤمن بأن الطلاق ليس نهاية المطاف، وثمة سيدات أصبحن يتفاخرن بطلاقهن كنوع من هزيمة النظرة السلبية.
والثابت أن الأجيال الجديدة تخوض تجربة الزواج دون فهم صحيح لدستور تلك المؤسسة، ولا تدرك معنى العائلة، فمعظم من يتزوجون يكون السبب الأساسي لديهم إشباع غريزة أو عاطفة أو واجهة اجتماعية، وبمجرد أن يتم الزواج يحدث صراع القوة في السنة الأولى، وكل فرد يريد أن يفرض سيطرته على الآخر بلا تشارك أو تفاهم، فيصبح الانفصال القرار الأول والأخير.