الطلاق الحضاري نهاية لعلاقة زوجية لا تهدم الأسرة المصرية

نشر ثقافة الانفصال الهادئ يتطلب تعريف الشباب والفتيات بأسس العلاقة الصحيحة.
السبت 2022/02/12
الطلاق الحضاري يحافظ على الروابط الأسرية

يدعو خبراء العلاقات الزوجية في مصر إلى ضرورة نشر ثقافة الطلاق الحضاري بين الأزواج، بحيث يتم الانفصال بطريقة هادئة وبلا لجوء إلى المحاكم أو تشويه أحد الزوجين لصورة الآخر، مشيرين إلى عدم اقتصار هذا المشروع على المؤسسة الدينية، داعين لأن يكون أشبه بمشروع قومي توعوي تتبناه الهيئات الثقافية والإعلامية والدينية والتعليمية.

القاهرة – تعكس أحيانا نوعية القضايا التي تنظرها محاكم الأسرة في مصر لأزواج وصلت بهم العلاقة إلى مرحلة الطلاق حجم الكراهية بين الطرفين، ومحاولة كل منهما الانتقام من الآخر وتشويه صورته دون إدراك لتأثير ذلك على حياتهما مستقبلا.

وتتعدد صور وأشكال الطلاق ويظل أسلوب الانفصال المعيار الحاكم لمدى انهيار الكيان الأسري فوق رؤوس كل الأفراد ويمكن أن يكون ذلك مقدمة لعلاقة طيبة بين الزوجين بعد أن يعيش كلاهما بعيدا عن الآخر عبر الانفصال بطريقة راقية.

وأطلق شوقي علام مفتي الديار المصرية قبل أيام دعوة صريحة لضرورة نشر ثقافة الطلاق الحضاري بين الأزواج، بحيث يتم الانفصال بطريقة هادئة وبلا لجوء إلى المحاكم أو تشويه صورة الآخر، بعيدا عن التناحر والنزاع والانتقام خصوصا في حالة وجود أبناء قد يدفعون وحدهم ثمن الخصومة بين الأبوين.

رحاب العوضي: نشر ثقافة الطلاق الحضاري يفترض أن يتم عبر مسارات كثيرة

وفتحت دعوة المفتي نقاشا أسريا واسعا حول الأسلوب الذي يمكن أن يحدث من خلاله الطلاق الحضاري، وكيف يمكن أن يصل الزوجان لهذه المرحلة من التفاهم والتشارك حتى وقت اختيار الانفصال، وماذا عن موقف العائلة في هذه الحالة، هل تتدخل للإصلاح وسماع رأي الطرفين أم تبتعد وتترك لهما الحرية؟

وتشهد مصر ارتفاعا في نسب الطلاق وتتربع على قائمة الدول الأكثر طلاقا في العالم، وصار هذا الملف مزعجا للحكومة لما يترتب عليه من أزمات مجتمعية معقدة، والمصير المجهول الذي يواجه أبناء الآباء المنفصلين، إضافة إلى الصراعات التي أصبحت تعجز المحاكم الأسرية عن الفصل فيها بسبب كثرتها.

وهناك حالات لطلاق حضاري حدثت، لكنها تقع بعيدا عن أعين الناس والأسر ولا يتم تصدير إلا الحالات السلبية لتمسك طرفيها (الرجل والمرأة) بإنهاء العلاقة بطريقة مؤذية كنوع من الانتقام والفضيحة، أما الذين انفصلوا عن بعضهم بشكل راق وهادئ فلا يسمع أحد عنهم شيئا ولا يظهرون في الصورة.

من هؤلاء محمد عيسى، وهو معلم على المعاش يبلغ من العمر 63 عاما، حيث قرر وزوجته الانفصال عن بعضهما بعد عشرة طويلة، لكنهما شعرا بأن حياتهما معا أكثر من ذلك قد تحول علاقتهما من الاحترام المتبادل إلى الأذى اللفظي والمعنوي، حتى عقدا جلسة ودية بينهما ذات يوم واتفقا على إنهاء إجراءات الطلاق في هدوء.

وقال محمد لـ”العرب” إن طلاقه من زوجته حدث قبل خمس سنوات، حيث تم تزويج آخر ابنة وبقي وشريكته وحدهما في المنزل، وبدأت بعض المشكلات تقع بينهما لأسباب واهية، وهذا لم يكن يحدث من قبل، لأنهما متمسكان باستمرار العلاقة المحترمة مع بعضهما، واتفقا على الطلاق دون تدخل طرف خارجي.

ولا يزال الرجل متذكرا كل تفاصيل حياته مع شريكته السابقة، فلم يؤذها بكلمة أو يجرح مشاعرها بتصرف أحمق، وهي كذلك، ما دفعهما لإنهاء العلاقة بشكل حضاري، لأن بينهما أبناء ولا يريدان التسبب في منغصات أسرية، فكثيرا ما يتفق الأب والأم على جمع أولادهما مرتين في الشهر لتناول الغذاء والخروج في نزهة، ثم يعود كل منهما إلى منزله.

وأضاف “للأسف، كلما كانت هناك تدخلات من أطراف خارجية في حياة الزوجين، تكون طريقة الانفصال سلبية وغير إنسانية، أما الطلاق الحضاري فهو يؤسس لحياة هادئة لكل طرف ولا يسبب ضغينة بين الزوجين ولا عائلتهما وأيضا لا يسيء للأبناء ولا يجعلهم موصومين في المجتمع، والأهم أن المطلقة نفسها لا يُنظر إليها بشكل سلبي ولا تحملها أسرتها مسؤولية ذلك”.

وغالبا ما يحدث الطلاق الحضاري بين الفئات المجتمعية المتعلمة أو كبار السن، حيث يخشون على سمعتهم في المجتمع ولا يسمحون لأحد بالتحدث عنهم بالسوء، ودائما ما تكون سنوات العشرة نصب أعينهم وهناك من يتعاملون مع الطلاق الحضاري باعتباره مرحلة لمراجعة النفس ربما تنصلح الأمور ويعود كل منهما للآخر.

بعكس الطلاق الذي يتم عبر المسار القضائي، إذ يقوم على فضح كل طرف للآخر، وإظهار عيوبه وسلبياته في محاولة لتحميله المسؤولية كاملة، وهذا تستحيل معه العودة أو ترميم العلاقة بين الشريكين لتتحول حياتهما إلى معارك وصراعات يكون فيها الأبناء الطرف الأضعف الذي يدفع وحده فاتورة باهظة.

الأغلبية تتعامل مع الطلاق باعتباره بداية لمشكلة جديدة، أما الطلاق الحضاري فهو قائم على أن يفترق الزوجان وتبقى الأسرة

وأكدت رحاب العوضي استشارية العلاقات الأسرية بالقاهرة أن نشر ثقافة الطلاق الحضاري يفترض أن يتم عبر مسارات كثيرة لا المؤسسة الدينية وحدها، بحيث تكون أشبه بمشروع قومي توعوي تتبناه الهيئات الثقافية والإعلامية والدينية والتعليمية، وإظهار النماذج الإيجابية للناس والكف عن تصدير الحالات السلبية التي تنهي علاقتها الزوجية بالمعارك وصراعات المحاكم.

وأشارت لـ”العرب” إلى أن الظاهر للمجتمع أن العلاقة الزوجية عندما تنتهي يجب أن تكون مدعومة بكراهية وبغضاء، مع أن الإسلام دعا إلى إنهائها بإحسان وتذكر المعروف بين الزوجين، والمشكلة أن الأغلبية تتعامل مع الطلاق باعتباره بداية لمشكلة جديدة، مع أنه وُجد ليكون حلا للمشكلات، أما الطلاق الحضاري فهو قائم على أن يفترق الزوجان وتبقى الأسرة.

وقالت إنه من المفترض عندما يقرر الزوجان الطلاق ألا يسبقان ذلك بما يسيء لهما ولأولادهما ولعائلتيهما، وهذا هو قمة التحضر عند إنهاء العلاقة، فما المانع أن يشارك كل طرف في تربية الأبناء وسد احتياجاتهم ورعايتهم بدلا من اللجوء إلى مسارات غير إنسانية، لكن الطلاق الحضاري لا يتحقق بسهولة ويجب أولا أن تكون علاقة الطرفين وقت الزواج ممهدة لذلك.

فالرجل الذي اعتاد أن يضرب زوجته ويتعرض لها بالإهانة من الطبيعي ألا يحدث بينهما طلاق حضاري، والمرأة التي كانت تسخر من زوجها لأي سبب أو تعايره بقلة حيلته أو فشله في الإنفاق على الأسرة لن يتم التعامل معها برقي عند إنهاء العلاقة، وبالتالي فالتحضر في الزواج يمهد للتحضر عند الانفصال، وهذه قاعدة من الضروري تطبيقها وعلى الرجل والمرأة استيعابها.

وليس من الصعب على الزوجين إنهاء العلاقة بطريقة تحفظ آدمية كل طرف شريطة ألا يحمل كلاهما ضغينة أو كراهية للآخر أو يتجاوز الطرفان في حق بعضهما بأسلوب يترك أثرا سلبيا، لأن الحياة لا تقف عند لحظة الانفصال، بل ربما يكون ذلك راحة للأبوين والأبناء معا، طالما أن هناك احتراما متبادلا بين كل الأطراف.

ويعتقد خبراء في العلاقات الاجتماعية أن نشر ثقافة الطلاق الحضاري يتطلب أولا تعريف الشبان والفتيات كيفية بناء علاقة أسرية سوية وسليمة وصحية، وتثقيف كل طرف بما له من حقوق وما عليه من واجبات، حتى خلال فترة الخلاف، لأن تدريس القواعد الصحيحة للزواج يؤسس لطريقة انفصال راقية تحفظ إنسانية كل طرف.

17