الطبوبي يصعّد من جنيف للفت نظر الرئيس التونسي

تونس - ما زالت الأمانة العامة للاتحاد العام التونسي للشغل، تمنّي النفس بعودة قنوات التواصل والحوار مع مؤسسة رئاسة الجمهورية، وهو ما كشفته تصريحات نورالدين الطبوبي الأخيرة في جنيف، التي يرى مراقبون أنها تهدف إلى لفت اهتمام الرئيس قيس سعيد.
وتقول أوساط سياسية إن المنظمة العمالية اختارت التوقيت المناسب للاستثمار في هذه المرحلة التي تسبق موعد الانتخابات الرئاسية بأشهر قليلة، في مسعى منها لتقديم نفسها كسند سياسي وانتخابي للرئيس سعيد إذا ما أعلن رسميا الترشح لولاية رئاسية ثانية.
كما لا يستبعد هؤلاء أن الخطاب الموجه من جنيف فيه رسائل عمّالية عالميّة مفادها أن اتحاد الشغل يبحث عن غطاء نقابي أو سياسي، في وقد تشعر فيه المنظمة الشغيلة بأن قياداتها وهياكلها مستهدفة.
وقال الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي إنّ “الاتحاد لن يقبل باستمرار انتهاك الحق النقابي في تونس”، مشدّدًا على أنّ “إبرام العقود والمواثيق سواء على المستوى الوطني أو الدولي يتطلب حوارا صادقا ومتكافئا بين الأطراف المعنية دون إملاءات أو ممارسة أيّ شكل من الإقصاء أو الضغوط”.
ونقل موقع الشعب نيوز عن الطبوبي تأكيده في كلمة ألقاها الأربعاء، خلال الجلسة العامة في الدورة 112 لمؤتمر العمل الدولي – جينيف 2024، “التفاعل الإيجابي للجنة الخبراء مع تقرير الاتحاد حول الانتهاكات في تونس وإدراج الحكومة التونسية ضمن قائمة الانتهاكات للحق النقابي”، مستنكرًا “استمرارها في سياسة الإنكار والهروب إلى الأمام”.
وأشار الطبوبي إلى أنّ “الانتهاكات واستهداف استقلالية العمل النقابي ومصداقية الحوار الاجتماعي وضرب المفاوضة الجماعية تكرّرت وأضرت كثيرا بحقوق العمال ومكاسبهم”، موضحا أن “ذلك تجلى في سلسلة الاعتقالات والمحاكمات التي استهدفت النقابيين وفي عدم الالتزام بتطبيق الاتفاقيات المبرمة وفي رفضها للحوار والمفاوضة مع النقابات”.
كما أكد على “ضرورة استئناف الحكومة التونسية للحوار فورا مع الاتحاد العام التونسي للشغل ووقف الانتهاكات والتضييقات والمحاكمات التي لم يعد ممكنا السكوت عنها حماية لاستقرار تونس وتقدمها وتحقيقا لتضحيات شعبها وعمالها في مجال الديمقراطية والحريات عموما، والحقوق والحريات النقابية بالخصوص”.
وكثيرا ما سعى اتحاد الشغل إلى لفت اهتمام السلطة بعد إجراءات 25 يوليو 2021، خصوصا من خلال مبادرة الحوار الوطني الذي يرى مراقبون أنها “ولدت ميتة”، كما حاول مناورة السلطة سياسيا من خلال المراهنة على احتجاجات النقابات في عدد من القطاعات مثل التعليم والنقل وغيرهما، حتى يثبت الوجود الهيكلي والسياسي للمنظمة.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أن “اتحاد الشغل يحاول استرجاع مساحة فقدها جراء تقديم صكّ على بياض في علاقة بإجراءات 25 يوليو 2021، حيث قدّم الدعم الكامل للمسار، وفي المقابل لم يحصل على الموقع التقليدي كمرجع تحكيمي في الساحة السياسية”.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “ما يقلق الاتحاد، هو أن الرئيس سعيد اعتبر أنه لا مجال أن تكون النقابات سلطة خارج السلطة الرسمية توزّع الأوراق”، لافتا أن “الاتحاد فقد سلطته سياسية”.
وتابع ثابت “الاتحاد يفترض أن الرئيس سيتفاعل مع خطابه، لكن لا أعتقد أن هذه الرسالة ستجد آذانا صاغية، والرئيس يرى أنه بصدد تأسيس وضع جديد، والمنظمة تبحث عن غطاء داخل الحركة العمالية العالمية حماية لنفسها ولهياكلها من الاستهداف”.
واستطرد منذر ثابت قائلا “مداخلة الطبوبي في جنيف فيها رسالة موجهة للرئيس من أجل تقديم دعم انتخابي”.
وتدرك الأمانة العامة للاتحاد أن المنظمة لا زالت تعاني من تداعيات “خيبة الأمل السياسية” لإجراءات قيس سعيد التي وضعت حدا للتعامل مع المفهوم التقليدي للحياة السياسية (الأحزاب والمنظمات)، فضلا عن ارتدادات المؤتمر الأخير الذي أغضب بعض القيادات التي كانت تنتظر تكريس مبدأ التداول السلمي على القيادة.
وبات على الاتحاد شأنه شأن بقية مكوّنات الطبقة السياسية المعارضة في تونس أن يستوعب أنه جُرّد من دوره السياسي السابق، وأصبح عليه التأقلم تدريجيا مع الوضعية الجديدة المقتصرة على الدور النقابي.
واعتبر الناشط السياسي نبيل الرابحي أن “المنظمة العمّالية فقدت بريقها، والطبوبي يحاول إنقاذ ما تبقى فيها، والاتحاد اليوم في أضعف حالاته”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن خطاب الأمين العام من جينيف خطأ اتصالي، وكان يمكنه أن يتوجه للرئيس من داخل تونس، لكن سعيّد كان واضحا منذ البداية”.
وبعد أن كانت المنظمة الشغيلة تفرض على الحكومات تقديم التنازلات والقبول بشروطها، على غرار المطالبة بزيادة الرواتب أو إقرار علاوات للموظفين، خصصت السلطة التونسية لها بعد الخامس والعشرين من يوليو مجالا معينا من التحرك يقتصر على أداء مهام نقابية واجتماعية دون الاقتراب من دائرة صنع القرار السياسي، لكن قيادة الاتحاد ظلت تراوح بين التصعيد والتهدئة في صراعها مع السلطة.