الضغوط الخارجية تعبّد الطريق لحكومة اختصاصيين في لبنان

الخارجية الأميركية تدعم الجهود في الفرنسية لإحداث تغيير في لبنان وإخراجه من عنق الزجاجة.
الخميس 2020/09/03
تشكيل الحكومة أولوية ملحة

لا تملك القوى السياسية في لبنان ترف المماطلة في تشكيل حكومة جديدة في ظل الضغوط الخارجية، لاسيما الفرنسية حيث كان الرئيس إيمانويل ماكرون واضحا لجهة ضرورة تشكيل حكومة في أمد لا يتجاوز الأسبوعين، وأي عرقلة ستتحمل الطبقة الحاكمة مسؤوليتها.

بيروت – حملت تصريحات رئيس الوزراء اللبناني المكلف مصطفى أديب تفاؤلا بإمكانية التوصل إلى تشكيلة الحكومة الجديدة سريعا، بقوله إنّ القواسم المشتركة بين القوى السياسية أكثر من الخلافية.

وأكد أديب أنه “من أجل حل المشاكل الداهمة فإن المطلوب حكومة اختصاصيين تعالج بسرعة وحرفية الملفات المطروحة وتكسب ثقة اللبنانيين والمجتمع العربي والدولي”، وختم بالقول “الوقت للعمل وتفاءلوا بالخير تجدوه”.

وبدأ رئيس الحكومة اللبنانية المكلف الأربعاء مشاوراته مع الكتل البرلمانية لتشكيل حكومة جديدة، غداة إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتزاعه تعهداً من القوى السياسية بإتمام المهمة خلال مدة قياسية أقصاها أسبوعان.

ولطالما مرت الحكومات السابقة في لبنان بمخاض صعب عند ولادتها في ظل صراع على الحصص بين القوى السياسية. ولكن الوضع هذه المرة مختلف حيث أن احتداد الأزمة التي فاقمها انفجار بيروت المدمر في الرابع من أغسطس الماضي، أضف إلى ذلك الضغوط الغربية ولاسيما الفرنسية، يجعل أي طرف سياسي لا يملك ترف فتح معارك على الحصص وتحمّل مسؤولية التعطيل.

سعد الحريري: لن أتحمل مسؤولية إفشال تنفيذ الإصلاحات
سعد الحريري: لن أتحمل مسؤولية إفشال تنفيذ الإصلاحات

وغادر ماكرون، الذي زار لبنان للمرة الثانية في أقل من شهر، صباح الأربعاء بيروت بعد التوافق مع القوى السياسية على خارطة طريق تتضمن تشكيل حكومة بمهمة محددة مؤلفة من “شخصيات كفوءة” تلقى دعماً سياسياً وتنكب على إجراء إصلاحات عاجلة مقابل حصولها على دعم دولي.

وفي تغريدة الأربعاء، قال الرئيس الفرنسي متوجهاً للبنانيين “في لحظة مغادرتي بيروت، أود القول مجدداً وبقناعة: لن أتخلى عنكم”.

وكان ماكرون تعهد في وقت سابق بالعودة إلى بيروت في نهاية العام لتقييم الإنجازات كما دعا الأطراف السياسية إلى اجتماع في باريس الشهر المقبل يعقد بموازاة مؤتمر دعم دولي جديد.

وكُلّف أديب (48 عاماً) الإثنين قبل ساعات من وصول ماكرون بتشكيل الحكومة، وهو شخصية غير معروفة إجمالاً من اللبنانيين. وجاءت تسميته بعد نيله دعم أبرز القوى السياسية المتخاصمة، على رأسها تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري وحزب الله ورئيس الجمهورية ميشال عون.

وبدأ أديب الاستشارات غير الملزمة صباحاً في مقر إقامة رئيس البرلمان نبيه بري، جراء تضرر مجلس النواب بسبب انفجار المرفأ. ويلتقي تباعاً الكتل البرلمانية. ولم يصدر عنه أي تصريح بعد في ما يتعلّق بصيغة الحكومة التي سيشكلها.

وطالب رئيس كتلة حزب الله محمّد رعد بعد لقاء أديب بتشكيل “حكومة فاعلة ومنتجة ومتماسكة” في وقت دعت فيه النائبة بهية الحريري باسم كتلة المستقبل إلى الإسراع في تأليف “حكومة اختصاصيين”.

ومارس ماكرون في بيروت ضغطاً كبيراً على القوى السياسية في ما اعتبره “فرصة أخيرة” لإنقاذ النظام السياسي والاقتصادي المتداعي. وأعلن في مؤتمر صحافي بعد لقائه مساء الثلاثاء تسعة ممثلين عن أبرز القوى السياسية، بينها تيار المستقبل وحزب الله المدعوم من طهران، أن “الأطراف السياسية كافة من دون استثناء التزمت.. بألا يستغرق تشكيل الحكومة أكثر من 15 يوماً”.

وكان الحريري قد وجه خلال هذا اللقاء جملة من الرسائل الحازمة، من بينها تشديده على أن “أي تأجيل في تشكيل الحكومة، أو أي محاولات سياسية لفرض أشخاص فيها، أو حتى أي عرقلة لبرنامج الإصلاحات هذا بعد تشكيلها، فإنني سأسحب يدي بالكامل”.

وأوضح زعيم تيار المستقبل “أنا متعاون لتحقيق نجاح كبير جدا في تنفيذ الإصلاحات، وفي الوقت نفسه لن أتحمل مسؤولية إفشالها، في وقت هناك من يحاول القضاء علي سياسيا. ليكن واضحا، أنني لست خائفا على نفسي، وبصراحة لا يهمني مصيري السياسي، بل أنا خائف على البلد وعلى مصير اللبنانيين”.

وأعلن ماكرون تنظيم مؤتمر دعم دولي جديد للبنان مع الأمم المتحدة في باريس في النصف الثاني من شهر أكتوبر. وكان المجتمع الدولي تعهد، في مؤتمر نظمته باريس بعد أربعة أيام من انفجار المرفأ، بتقديم 250 مليون يورو لدعم اللبنانيين على ألا تمر بمؤسسات الدولة المتهمة بالفساد.

وفي موازاة مؤتمر الدعم المرتقب، “تم توجيه دعوات إلى الرؤساء الثلاثة” للمجيء إلى باريس في الوقت نفسه لتقييم ما تم تحقيقه من خارطة طريق جرى الاتفاق عليها، وفق ماكرون الذي قال إنه سيوجه الدعوة أيضاً إلى “كل القوى السياسية”.

وقال ماكرون إن “خارطة الطريق ليست شيكاً على بياض أعطي إلى السلطات اللبنانية. إذا لم يتم الإيفاء بالوعود في أكتوبر، ستكون هناك عواقب”. وعما إذا كان ذلك يعني فرض عقوبات، لم يستبعد ماكرون ذلك، وقال “إذا تم فرض عقوبات، فسيكون ذلك بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي”.

باريس تتابع عن كثب تطورات الوضع في لبنان
باريس تتابع عن كثب تطورات الوضع في لبنان

ومن الواضح أن الضغوط الفرنسية لتشكيل حكومة والبدء سريعا في تنفيذ الإصلاحات تجري بتنسيق تام مع الإدارة الأميركية، وهو ما أكده وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأربعاء حينما قال في مؤتمر صحافي “إننا نعمل مع الفرنسيين ولدينا نفس الأهداف والسفير ديفيد هيل كان في بيروت قبل أسابيع والتقى العديد من الزعماء”، مشيرا إلى أن “الأمور ليست على طبيعتها في لبنان ولن تكون كما في السابق”.

وشدد بومبيو على “ضرورة أن تكون هناك حكومة تقوم بإصلاحات معتبرة وتحدث تغييرات كما يطالب الشعب”، معتبرا أن “نزع سلاح حزب الله أكبر التحديات”.

واعتبرت صحيفة “الأخبار” المقربة من حزب الله أن ماكرون تصرف “كما لو أنه مرشد الجمهورية اللبنانية في مئويتها. تحدث كمن يعطي الإنذار الأخير. إما أن تنفذ الحكومة المقبلة خارطة طريق وضعتها فرنسا من ألفها إلى يائها وإما لا مساعدات والانهيار آتٍ مع العقوبات”.

وبدا واضحاً إصرار ماكرون، الذي يعرف أن رهانه السياسي في لبنان “محفوف بالمخاطر”، على تحديد جدول زمني لإحراز تقدم، في وقت فقد فيه الكثير من اللبنانيين ثقتهم في قدرة الطبقة السياسية على إحداث تغيير حقيقي، لما لذلك من تبعات على شبكة المصالح والمحسوبيات التي نسجتها على مر السنوات.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في بيروت وباريس كريم بيطار “يدرك الجميع في لبنان أنه لم يعد لديهم ترف الوقت وهم على بيّنة من أنهم سيكونون عرضة لضغط متزايد من فرنسا ومن المانحين والمجتمع الدولي”.

ويعرب عن اعتقاده أنّ الضغط الفرنسي “قد يؤدي إلى إحداث شكل من التغيير على المدى القصير” في أداء المسؤولين الذين قد يحاولون “الإيحاء بأنهم قاموا بالجزء المترتب عليهم من الاتفاق لناحية إجراء إصلاحات تجميلية”. إلا أنه يبدي شكوكاً إزاء “موافقتهم على إجراء إصلاحات هيكلية ومنهجية يحتاجها لبنان بشدّة لأنها قد تعني نهايتهم”.

وكرّر ماكرون مطالبة المجتمع الدولي بإجراء إصلاحات سريعة في قطاعات عدة بينها الكهرباء والمرفأ والمصرف المركزي، وإعادة إطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي لم تسفر 17 جلسة بينه وبين الحكومة اللبنانية عن أي نتيجة.

وفي موقف لافت، حذّر البابا فرنسيس الأربعاء من أن لبنان يواجه “خطراً شديداً” ولا ينبغي التخلي عنه. وفيما ينتظر المجتمع الدولي من قادة البلاد ترجمة التزاماتهم، يرجّح بيطار أن يكونوا “على استعداد لترك البلاد تنهار في الفوضى بدلاً من قبول إصلاحات هيكلية عميقة” تعني عملياً “إطلاقهم النار على أقدامهم”.

2