الصين تحطم قطاعها التقني لبناء نموذج تجاري جديد

على اقتصادات الشرق الأوسط أخذ هذه المستجدات بعين الاعتبار، خاصة وهي تأمل في تحسين مستوى قطاع التكنولوجيا لديها وأيضا مد جسور الشراكة مع الشركات الصينية.
الأربعاء 2021/08/25
ثمن باهظ للتغيير والمنافسة

شرعت الصين في اتخاذ إجراءات صارمة ضد شركات التكنولوجيا المحلية، وقد تسارعت وتيرة تلك الإجراءات خلال الأشهر القليلة الماضية، مما أثار حيرة البعض، وبدأت التكهنات حول دوافع وأسباب تلك الخطوات.

ولكن التفسيرات التي قدمها الخبراء حتى الآن تشير إلى غياب الحنكة والدراية، إن تلك الحملة كبيرة الحجم ومن المحتمل أن تشكل نقلة نوعية، وسوف تعيد تعريف كلمة “تقدم” في عالم التكنولوجيا، وستصل تداعياتها إلى كل منحى من مناحي عالم التكنولوجيا.

وعلى اقتصادات الشرق الأوسط أخذ هذه المستجدات بعين الاعتبار، خاصة وهي تأمل في تحسين مستوى قطاع التكنولوجيا لديها وأيضا مد جسور الشراكة مع الشركات الصينية.

وفي الأشهر الأخيرة الماضية، أجبرت الحكومة الصينية العديد من الشركات الرائدة على اتخاذ قرارات تؤثر بشدة على سير عملياتها. وكان المثال الأكثر وضوحا هو عندما ألغت بكين الاكتتاب العام الأولي لمجموعة “انت غروب” ودفعت مؤسسها جاك ما إلى الاختفاء لعدة أسابيع. كما استهدفت الحكومة أيضا شركات التكنولوجيا المالية وبدأت في إجراء تحقيقات لمكافحة الاحتكار في شركات مثل تنسنت وبايدو.

344

مليار دولار خسائر علي بابا وتنسنت وويتشات في يوليو جراء حملة الحكومة ضد القطاع

وقد خسر قطاع التكنولوجيا الصيني المليارات من الدولارات من قيمته في شهر يوليو الماضي، وبينما حاول المستثمرون فهم واستيعاب دوافع تلك القوانين والتنظيميات، خسرت شركات علي بابا وكوايشو وتنسنت التي تمتلك ويتشات مبلغا وقدره 344 مليار دولار من قيمتها، وكثيرا ما يشار إلى تلك الشركات بمسمى الإصدارات الصينية للشركات العالمية مثل أمازون ويوتيوب وفيسبوك.

وللوهلة الأولى، يبدو للناظر أن الصين تقوم بتفكيك قطاعها التكنولوجي، لكن لماذا تُقدم على مثل هذا الفعل؟ أليست هي أكبر مقلد تكنولوجي في العالم؟ فلماذا إذاً تهدم بيدها النسخ الصينية الجيدة لشركات التكنولوجيا الأكثر نجاحا في الغرب؟

يعتقد محلل بلومبرع نوح سميث مع غيره من المحللين أن الأمر مرتبط بقطاع التكنولوجيا العسكرية في الصين، فقد تدفقت الكثير من الموارد (بما في ذلك مهندسين ومبرمجين صينيين موهوبين) إلى قطاع التكنولوجيا الاستهلاكية، وعليه، قد تُفضل بكين إعادة توجيه تلك المواهب والإمكانيات البشرية نحو أهداف وغايات قومية عوضا عن أهداف تجارية.

ومن وجهة نظر سميث، أصبح الرابط بين القوة الجيوسياسية وقطاع الإنترنت الاستهلاكي ضعيفا جدا لدرجة يستحيل معها الاستمرار في ضخ رأس المال والعمالة عالية المهارة صوب الإنترنت الاستهلاكي. لذلك، تم اتخاذ القرار للحد من سُلطات تلك الشركات وقدرتها على استغلال تلك الموارد.

وقد يكون هناك شيء من الحقيقة في تلك النظرة، ولكنها نظرة مفرطة في التبسيط. فليس كل شيء مرتبطا بالحرب والقوة العسكرية، كما يعد ذلك فشلا من جانب الغرب لفهم ما يجري مع الحكومة الصينية التي تدير تعدادا سكانيا قوامه 1.4 مليار شخص، حيث ينظر إلى سياسة الحكومة من منظور ضيق ومحصور في عدة زوايا، وهي الزاوية الأمنية والتنافسية والاقتصادية وأخيرا من منظور القضية التايوانية.

Thumbnail

وذلك المنظور ذو أفق ضيق، لدرجة أن قضية التبت لم تعد قضية محل اهتمام عالمي كما كانت في السابق، بعد أن حلت محلها قضية الأويغور في شينغيانغ.

لقد بدأ قطاع التكنولوجيا الاستهلاكية في الصين للتو بإحراز تقدم في الأسواق الناشئة حول العالم، ورغم أنه لا يزال متخلفا عن ركب شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، إلا أن الشركات الصينية حققت نجاحا كبيرا في أجزاء من آسيا وأفريقيا وأوروبا، بفضل حجم وعدد المواهب في مجال التكنولوجيا التي تملكها، ويجب أن تكون الدولة قادرة على الاستثمار في احتياجاتها العسكرية مع السماح للشركات الربحية بالتطور بصورة طبيعية، أي أن الصين قادرة على المضي قدما في كلا المسارين من دون أدنى تعارض.

وقد يكون التفسير الأفضل لحملة القمع تلك هو أن الحكومة الصينية لا ترى قيمة أو فائدة في بعض من تلك الشركات التكنولوجية التي تعمل على إلهاء الناس من خلال تزويدهم بالترفيه الخالي من القيمة والمعنى.

وتبقى الصين دولة يقودها الحزب الشيوعي الصيني، وهي دولة لا تزال ممزقة ما بين التقدم الاقتصادي وما بين ما تراه أنشطة برجوازية تافهة.

فعلى سبيل المثال، تخلق تطبيقات مثل تيك توك فائدة كبيرة للمعلنين وأرباحا طائلة لأصحاب تلك التطبيقات، والخوارزميات التي تستعين بها شركات مثل بيت دانس ومالك شركة تيك توك هي خوارزمية في غاية القوة، لكن من الصعب القول إنها تخدم تقدم وازدهار المجتمع، بل من الأرجح أنها تستنزف طاقاته وإنتاجياته.

بكين تريد توجيه الموارد لتحويل الإنجازات العلمية إلى سلع لإعادة كتابة ما بات يُفهم على أنه تقدم تكنولوجي

ولا يعني ذلك أن الحكومة الصينية تركز على التنوير الفكري لشعبها، فهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. وفي واقع الأمر إن القيادة الصينية معنية بالسلطة، ولا يبدو أن هذه المنصات الرقمية الاستهلاكية تقدم الكثير في مجال تعضيد وتقوية سلطاتها.

وبدلا من الاستثمار في المزيد من التكنولوجيا التي تركز على مقاطع الفيديو الخاصة بالقطط، فلماذا لا نستخدم تلك المواهب لتطوير الحوسبة الكمومية على سبيل المثال؟ لا يريد قادة الصين أن ينظر إليهم العالم على أنهم مقلدون للغرب، وقد شعروا بالإحباط لأنه على الرغم من التقدم الكبير والضخم في العلوم البحتة والتطبيقية، فإن البلاد تتعرض للسخرية باستمرار بسبب افتقارها إلى التطور العلمي والتكنولوجي وعنصر الخيال.

ولأن بكين لا هاجس لها حول ردة فعل المستهلكين الذين قد لا يرحبوا بما تقوم به، ويمكنها أخذ الموارد من قطاع التكنولوجيا بعد التعامل مع شيء من المعارضة أو دون معارضة تذكر، فمن المحتمل أنها ستوجه الموارد لتحويل الإنجازات العلمية التي حققتها مختبراتها الجامعية إلى سلع تجارية.

وبذلك، ستعيد كتابة ما أصبح يُفهم على أنه تقدم في عالم التكنولوجيا، والذي جسدته شركات كبرى في العقدين الأخيرين من أمثال أبل وغوغل وغيرها من شركات وادي السيليكون.

ويعني ذلك في نهاية المطاف إعادة صياغة قواعد المنافسة، إن قوة شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون لا نظير لها على مر العصور، ولكن إذا أعادت الصين تعريف مصطلح التقدم في التكنولوجيا التجارية، فسيتعين على بقية قطاع التكنولوجيا في العالم أن يشدوا الهمم لمواجهة تناقص العائدات من مقاطع الفيديو الراقصة التي تبلغ مدتها 30 ثانية وألعاب الفيديو القتالية المختلفة، ناهيك عن السماح بنشر المعلومات المضللة باعتبارها جزءا من حرية التعبير التي تدافع عنها شركات وسائل التواصل الاجتماعي.

ومع “تحطيم” الصين لقطاعها التكنولوجي لتحويل مركز الصناعة، ربما حان الوقت لبقية دول العالم لإدراك ما أدركته الحكومة الصينية، بما في ذلك اقتصادات دول الشرق الأوسط التي رأت مؤخرا التكنولوجيا كبديل مربح لصناعاتها الاستخراجية، وهذا لا يعني تفكيك الشركات، ولكن بناء جسور حوار جديدة حول دور تكنولوجيا المستهلك في المجتمع. ربما تقوم الصين بإعادة تعريف مصطلح التقدم التكنولوجي في هذا العقد الجديد من القرن الحادي والعشرين.

* سينديكيشن بيرو

10