الصيف في مصر موسم للابتزاز بين المطلقين للولاية على الأبناء

احتكار طرف واحد للولاية جعل منها وسيلة إذلال للطرف الآخر.
الثلاثاء 2024/08/20
الولاية قد تصبح وسيلة للمكايدة بين الزوجين

يؤكد مستشارو العلاقات الأسرية في مصر أن تقاسم الولاية بعد الطلاق أو قبله يؤسس لحياة خالية من المنغصات، ويجعل الأبناء بعيدين عن الاستغلال السيء من جانب أيّ طرف، بما يحفظ حقهم في التعليم. وأصبحت الولاية التعليمية منغصا لعدد كبير من الأبناء في حال عدم توافق الأبوين حولها، ذلك أن الطرف الذي يستخدمها يضغط بها على الآخر.

القاهرة - تحمل فترة الصيف من كل عام منغصات متشعبة لأبناء المطلقين والمطلقات في مصر، فهي موسم للتقديم والتحويل من المدارس وإليها، وتستغل من الرجال والنساء في ابتزاز الآخر وقهره بشأن حق الولاية التعليمية.

وأصبحت هذه الفترة منغصا لعدد كبير من الأبناء في حال عدم توافق الأبوين حول الولاية التعليمية، بحكم أن الطرف الذي يستخدمها يضغط بها على الآخر، كلما كانت هناك خلافات أسرية معقدة ووصلت إلى ساحات القضاء.

ورغم التجاذبات بين المطلقين وتداعياتها السلبية على المستقبل التعليمي للأبناء، ما زالت الحكومة المصرية ترفض التدخل لحل الأزمة بحسم، وسط ارتفاع سقف المطالبة بضرورة تقاسم الولاية ليصبح لكل من الرجل والمرأة حق المشاركة في تحديد مسار الأبناء في المرحلة التعليمية الأولى.

وأدى احتكار طرف واحد للولاية بعد الانفصال إلى تحولها إلى وسيلة ضغط على الطرف الثاني بطرق مختلفة، إما بنقل الأبناء إلى مدرسة بعيدة لا يُسمح لمن ليس له حق الولاية رؤيتهم، أو الهبوط بهم إلى مستوى تعليمي أقل دون اكتراث بالمخاطر النفسية.

وفوجئ أيمن عادل، وهو رجل أعمال ميسور الحال ولديه طفلان بأن مطلقته قررت سحب أوراقهما من المدرسة الدولية التي تم إلحاقهما بها إلى أخرى حكومية متهالكة، في إحدى القرى المجاورة لسكن عائلة الأم لمضايقة الأب فقط.

وحاول عادل إثناء الأم عن القيام بهذا التصرف بشتى السبل، لأنه لم يتأخر عن دفع المصروفات الدراسية التي تتجاوز مئة ألف جنيه (نحو ألفي دولار) لكل منهما، في المدرسة، لكنها لم تنصع لرغبته وأبلغته بحقها في التحكم بالمستقبل التعليمي لابنيها.

في مصر، لا يحق لأي أب أو أم التعامل مع المدرسة في التقديم والتحويل إلا إذا كان يتمتع بسلطة الولاية

وقال الأب لـ”العرب” إنه يعيش في معاناة، وأصبح عاجزا عن فعل أي شيء لوقف تدمير حياة ابنيه، وأنه أدخل وسطاء من عائلة الأم لإقناعها بترك الطفلين يدرسان في مستوى تعليمي لائق وسوف يلتزم بكل متطلباتهما، لكن كل محاولاته فشلت.

ولم يكن أمام الأب سوى اللجوء إلى القضاء، متهما مطلقته بسوء استغلال الولاية التعليمية وتدمير مستقبل ابنيه بتحويلهما من مدرسة تُعلّم اللغات العصرية إلى أخرى لن يجد فيها الطفلان مقعدين يجلسان عليهما لتدهور حال المدارس الحكومية.

وحاول إثناء المدرسة الدولية عن تسليم ملفات الطفلين إلى الأم لمنع تحويلهما إلى مدرسة بعيدة متهالكة وفي قرية نائية، تختلف فيها طباع السكان عن البيئة التي عاش فيها الطفلان، رفضت المدرسة والتزمت بالاستجابة لرغبة صاحبة الولاية التعليمية.

وفي مصر، لا يحق لأي أب أو أم، التعامل مع المدرسة في التقديم والتحويل إلا إذا كان يتمتع بسلطة الولاية، وبخلاف ذلك لا تتعامل معه المؤسسات التعليمية، بينما لا يشترط القانون مدرسة بعينها للأبناء حتى لو كانت الأسرة مقتدرة ماديا.

وتمثل الواقعة صورة مصغرة لحجم المعاناة التي يتعرض لها الطرف الذي لا يتمتع بالولاية التعليمية بعد الانفصال، حتى تحولت وقائع استغلال الأبناء وقت الخلافات التي تقع بعد الطلاق إلى ظاهرة أسرية، لا توجد حلول عملية وحاسمة لها.

ويُقدم البعض من الرجال على نقل أو تحويل الأبناء وقت الخلافات الزوجية التي تقع قبل الانفصال ليكونوا في بيئة سكنية بعيدة عن مقر سكن الأم، حتى لا تستطيع أن تراهم أو تتابعهم دراسيا، بحكم أن الولاية قبل الطلاق تكون مع الأب فقط.

احتكار طرف واحد للولاية بعد الانفصال أدى إلى تحولها إلى وسيلة ضغط على الطرف الثاني بطرق مختلفة

وهناك حالات أخرى لآباء يتعمدون تغيير مسار أولادهم بنقلهم إلى مدارس حكومية رغم نشأتهم في مدارس خاصة وأجنبية، بحجة عدم القدرة الاقتصادية لدفع المصروفات الدراسية، بحيث إذا رفعت الأم دعوى نفقة بعد الطلاق لا يستطيع الرجل دفع مبالغ مالية كبيرة.

وتعكس العديد من وقائع الاستغلال السيء للولاية احتدام حدة الخلافات وتراجع مستوى تسويتها بين الأزواج بطريقة متحضرة، إذ يعمد كل طرف، خاصة الرجل، إلى استغلال الأبناء كوسيلة للانتقام من الزوجة ولو لم تصل الأمور إلى الطلاق.

وتنادي منظمات نسوية وحقوقية في مصر بضرورة تدخل الحكومة بسن تعديلات تشريعية تكون فيها الولاية التعليمية مناصفة بين الزوجين، والمطلقين أيضا، ولا يجب تحت أيّ ظرف أن يحتكرها طرف واحد، سواء استمرت العلاقة أم انتهت.

وتبرر هذه الأصوات موقفها بأنه طالما أن العلاقة الزوجية قائمة ولم يصل الشريكان إلى مرحلة الانفصال الرسمي يكون للطرفين الحق في اتخاذ القرارات السليمة بما يحفظ حقوق الأبناء دون ابتزاز، كذلك الحال للمطلقين، لأن رعاية الأبناء حق لهما.

وتواجه الكثير من المطلقات خلال فترة ما بعد الطلاق مباشرة وإلى حين حسم القضاء مسألة حق الولاية، مشكلة كبرى عند تسجيل أو نقل الأبناء في المدارس بدعوى أنهن لم يحصلن على أحكام نهائية بالولاية، رغم امتلاكهن ما يثبت الطلاق.

المناصفة بين الطليقين في الولاية حل وسط للأزمة، كما أن هذا التقاسم قد يكون نقطة تحول مستقبلية في العلاقة بين الشريكين

وتشترط المدارس حضور وموافقة الأب كشرط لتحقيق مطالب الأم بينما هي الطرف الحاضن لأولادها بعد الانفصال، لكنها تواجه تعنتا وابتزازا من الرجل، كأن يطلب منها التنازل عن حقوقها أولا، إذا أرادت الاستجابة لها في ما يخص تعليم الأبناء.

ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن صمت المؤسسات الرسمية أمام تحول الولاية التعليمية إلى وسيلة للانتقام، يُدمر المستقبل التعليمي للكثير من أبناء المطلقين، ولا بد من تدخل فوري للحكومة لمعالجة الخلل وسوء استغلال الولاية.

ويعتقد هؤلاء المتخصصون أن احتكار أيّ طرف لسلطة التحكم في مصير الأبناء بعد الانفصال أو قبله، يجعل من الأبناء وسيلة سهلة لإذلال الطرف الآخر، لأن وجود الولاية مع أحدهما لا يعني أن المحروم منها ليس له الحق في ما يخص مستقبل أولاده.

ويؤمن الفريق المؤيد لمقترح تقاسم الولاية بعد الطلاق أو قبله بأن ذلك يؤسس لحياة خالية من المنغصات بالنسبة إلى الأبناء، ويجعلهم بعيدين عن الاستغلال السيء من جانب أيّ طرف، بما يحفظ حقهم في التعليم ويعيشون حياتهم بشكل طبيعي.

وأكد علاء الغندور استشاري العلاقات الزوجية في القاهرة أن غياب خطاب التحضر في إنهاء الخلافات الزوجية يُحوّل الولاية إلى وسيلة للمكايدة وتصفية الحسابات، باستغلال الأبناء كأضعف حلقة داخل الأسرة، ما يعرضهم لانتكاسة نفسية واجتماعية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المناصفة بين الطليقين في الولاية حل وسط للأزمة، كما أن هذا التقاسم قد يكون نقطة تحول مستقبلية في العلاقة بين الشريكين، ويعودان إلى بعضهما مجددا، ويتم ترميم كيان الأسرة حفاظا على مستقبل الأبناء.

وبعيدا عن إمكانية تدخل الحكومة بتعديل تشريعي أم لا سريعا، من المهم إلزام المؤسسات التعليمية بوضع شروط ومعايير صارمة لتعامل صاحب الولاية مع أولاده، على مستوى التقديم أو النقل، وذلك لضمان عدم العبث بمستقبلهم التعليمي.

15