الصراع السياسي يغذي الفساد الإداري والمالي في تونس

شبهات الفساد تلاحق برلمانيين ووزراء ومسؤولين كبارا في السلطة.
الجمعة 2021/01/29
صراع المصالح يعمق أزمات التونسيين

تونس – طفا على سطح المشهد السياسي التونسي مجددا ملف مكافحة الفساد الشائك، حيث تعكس تحقيقات في شبهات طالت مسؤولين ووزراء في قطاعات عدة، توسّع دائرة الفساد الإداري والمالي الذي استفاد من الصراع السياسي المتفاقم في البلد.

وشهدت معركة مقاومة الفساد المالي والسياسي في تونس، عدّة منعرجات وتطورات في الفترة الأخيرة، فيما رافق الغموض جدّية السلطات في الحدّ من إهدار المال العام واستغلال النفوذ السياسي تحقيقا لمصالح شخصية وحزبية.

وكشف مؤشر الفساد لسنة 2020، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، عن تقدم تونس في الترتيب العام، حيث تحصلت على مجموع 44 نقطة من 100، متقدمة بنقطة واحدة مقارنة بسنة 2019، وهي أعلى درجة تتحصل عليها تونس منذ عشر سنوات وفق ما نشرته منظمة “أنا يقظ”، وهي منظمة رقابية مستقلة.

عبدالعزيز القطي: الفساد استشرى في الفترة النيابية الحالية
عبدالعزيز القطي: الفساد استشرى في الفترة النيابية الحالية

واحتلت تونس المرتبة 69 عالميا بعد أن كانت في المرتبة 74 السنة الماضية، وهي كذلك أعلى مرتبة تتحصل عليها تونس منذ عشر سنوات.

ويستند مؤشر مدركات الفساد إلى 13 استطلاعا وتقييما للفساد أجراها خبراء لتحديد درجة انتشار الفساد في القطاع العام في 180 دولة وإقليما، عن طريق إسناد درجة تتراوح بين 0 (الأكثر فسادا) و100 (الأكثر نزاهة).

ومازالت تونس دون معدل 50 نقطة، وهو ما يعكس نقصا فادحا في مقومات الحوكمة والشفافية في القطاع العام تزامنا مع التضييقات الممارسة على المبلّغين عن الفساد في القطاع العام.

ويأتي ذلك في وقت وافق فيه البرلمان التونسي على التعديل الوزاري، الذي أثار جدلا بين الرئيس قيس سعيّد ورئيس الحكومة هشام المشيشي بسبب شبهات فساد تلاحق الوزراء الجدد.

وكان الرئيس سعيد قد أعلن الاثنين الماضي أنه سيرفض التعديل الوزاري، قائلا “إن التعديل سيكون غير دستوري من الناحية الإجرائية”، مشيرا إلى “وجود شبهة تضارب المصالح حول بعض الأعضاء الجدد في الحكومة”.

وسبق أن أثار قرار توقيف وزير البيئة مصطفى العروي جدلا واسع في تونس والذي طالته اتهامات بتسهيل دخول شحنات نفايات خطرة من إيطاليا.

واعتبر بدرالدين القمودي، رئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد في البرلمان في تصريح لوسائل إعلام محلية، أن “قرار إقالة العروي صدر بعد التأكد من تورّطه في ملف توريد النفايات الإيطالية إلى تونس”.

وانتقد مراقبون تراخي الجهود الحكومية لمكافحة هذه الظاهرة التي أصبحت تنخر مؤسسات الدولة أكثر من أي وقت مضى.

وأفاد المحلل السياسي عبدالعزيز القطي، بأن “هذا الترتيب مهم جدّا، والمواطن الواعي بما تعيشه تونس اليوم يلاحظ توسع دائرة الفساد في البلاد، ولا توجد هناك إرادة للطبقة السياسية لمحاربة الظاهرة بصفة جدية بل بشعارات فضفاضة، وخاصة من كان في الحكم أعطى الضوء الأخضر لتتم عمليات النهب”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هناك سياسيون لهم قدرة على التحكم في مفاصل الدولة”، مشيرا إلى أن “الفساد استشرى في الفترة النيابية الحالية من خلال وجود شبهات تلاحق نوابا ووزراء ومسؤولون كبارا في الدولة”.

وتابع القطي “الشعب أصبح واعيا بخطورة المسألة، والقضاء بدأ يتحرك ويفتح الملفات، وهناك من هو الآن متمتّع بالحصانة للتهرب من العقاب، وآخر متستّر بجزء من القضاء”. واستدرك القطي بقوله “القضاء بطيء ممّا يمنح هؤلاء الوقت لتحصين أنفسهم أكثر، فضلا عن وجود فساد أخلاقي وسياسي وهو ما نراه في التركيبات الحكومية التي أفرزت أحزمة ترعرعت في الفساد”.

انتقادات لتراخي الجهود الحكومية في مكافحة ظاهرة الفساد
انتقادات لتراخي الجهود الحكومية في مكافحة ظاهرة الفساد

واعتبر أن “التخلص من سرطان الفساد يبدأ بالتخلص من هذه المنظومة”. وتابع “هذه المنظومة انتهت وجوّعت الشعب، والأمل كبير في القضاء لمحاسبة هؤلاء لعودة منسوب الثقة”.

وفي أواخر ديسمبر الماضي تم إيقاف رئيس حزب قلب تونس المشارك في الحكومة والمرشح السابق للرئاسة نبيل القروي بتهمة فساد مالي.

وأثار رئيس البرلمان التونسي وحركة النهضة راشد الغنوشي غضب القضاء بعد تصريحات له بشأن (حليفه) القروي. وعبّر الغنوشي عن اعتقاده في براءة حليفه وأن التهم المنسوبة له تتعلق بضرائب وقوانين مالية، وأبدى ثقته الكبيرة في أن “القضاء سينصفه وسيتولى تبرئته وإخراجه من السجن”.

ورأت أوساط قضائية وسياسية أن تصريحات الغنوشي تعكس محاولاته الرامية للضغط على القضاء من أجل حماية شريكه السياسي.

مصطفى بن أحمد: يجب تحرير النظام السياسي من اللوبيات المالية
مصطفى بن أحمد: يجب تحرير النظام السياسي من اللوبيات المالية

وأثار تقرير محكمة المحاسبات، أعلى هيئة قضائية رقابية في البلاد، حول الانتخابات الأخيرة، لغطا سياسيا واسعا.

واتهم تقرير محكمة المحاسبات، الذي جرى الإعلان عنه في نوفمبر الماضي، أحزابا عديدة على غرار حركة النهضة الإسلامية التي تصدرت نتائج هذه الانتخابات وحزب قلب تونس الذي حل ثانيا، بإبرام عقود مع شركات أجنبية من أجل تلميع صورتها وغيرها من الاتهامات التي زادت من حدة الانتقادات الموجهة للبرلمان.

وأكد النائب عن كتلة تحيا تونس في البرلمان مصطفى بن أحمد في تصريح لـ”العرب”، “أنه لا توجد استراتيجية واضحة لمحاربة الفساد، وأن الدولة مخترقة من قبل لوبيات وغير قادرة على تطبيق القانون ضدّ المخالفين”.

وأضاف بن أحمد “يجب تحرير النظام السياسي من براثن اللوبيات المالية والسياسية”، مشيرا إلى أن “مكافحة الظاهرة جزء من سياسة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار مختلف العوامل السياسية والإدارية”.

وشددت هياكل ومنظمات تونسية على أهمية توفر الإرادة السياسية والقضائية في إنفاذ القوانين ذات العلاقة بشفافية الحياة العامة، في وقت تشهد فيه البلاد أزمة سياسية واقتصادية وصحية غير مسبوقة.

ومنذ نحو أسبوعين، أكّد رئيس هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية ياسر التوكابري أنّ “هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية انتهت إلى إثبات أنّ رئيس الحكومة الأسبق إلياس الفخفاخ كان في وضعية تضارب مصالح”، موضحا أنّ “الصفقة التي تحصّلت عليها الشركة المساهم فيها كانت قد حصلت وهو يُباشر مهامه كرئيس حكومة، وهي صفقة جارية وقد تعلّقت بها العديد من النزاعات”.

4