الصحافيون في مصر يدعمون تعديلات الحبس الاحتياطي لاقتناص حريات إعلامية

تحاول نقابة الصحافيين المصريين استثمار أي تحرك قانوني أو سياسي لتحقيق انفراج على مستوى الحريات الصحافية رغم أن الكثير من الصحافيين يتفقون على أن اقتناص حريات إعلامية لن يتحقق سوى بإقرار تشريعات صريحة تكرس هذا الحق للجميع.
القاهرة - تدعم نقابة الصحافيين المصريين فتح نقاش سياسي حول نصوص الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية الذي يُناقش في مجلس النواب، في مسعى لاستثمار كل فرصة أو تحرك للحكومة في ملف المحبوسين للبحث عن منفذ أو ثغرة تتحصل منها على مزيد من الحريات الإعلامية.
ورحبت النقابة بالتوجيهات الرئاسية بتخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، بما يمهد للإفراج عن كثير من الصحافيين تفعيلا للقانون الجديد، لكنها لم تتنازل عن إزالة كل نص قانوني يقوّض العمل الصحافي في تنوير المجتمع.
وأكدت لجنة الحريات الصحافية، الأربعاء، ضرورة إجراء حوار مجتمعي موسع حول القانون الجديد، يتضمن مناقشات مع جميع المؤسسات والهيئات ذات الصلة، كي لا يخرج القانون مفرغا من مضمونه، وكي يصبح معبرا عن إرادة حقيقية في صون الحقوق والحريات.
وتجرى داخل البرلمان نقاشات موسعة حول قانون الإجراءات الجنائية وما يتضمنه من إجراءات للحبس الاحتياطي، بتخفيضها إلى الحد الأدنى لفترات تتراوح بين أربعة إلى ثمانية عشرة شهرا، وبعدها يُفرج عن المتهم طالما لم يُحاكم أو يدان، مع تعويضه ماديا وتبرئته علانية.
وقالت نقابة الصحافيين إنها تنتهز فرصة الحراك المرتبط بالحبس الاحتياطي للتأكيد على مطالبها التي قدمتها إلى الحوار الوطني بسرعة الإفراج عن الصحافيين المحبوسين وعددهم 23 شخصا، مؤكدة أنه بمجرد تطبيق القانون الحالي بدقة سيُفرج عن 16 منهم تجاوزوا فترات الحبس.
ويأمل صحافيون في مصر أن تكون خطوة تحجيم مدة الحبس الاحتياطي مقدمة لوقف مطاردتهم ومحاسبتهم على آرائهم وتوسيع مناخ الحريات، وهي مطالب جددت النقابة التأكيد عليها، وحث الحكومة على فتح ملف الحريات الإعلامية بلا قيود.
وأصبحت تهمة نشر أخبار كاذبة تُلحق الضرر بالصالح العام، جاهزة لتبرير الحبس الاحتياطي لبعض الصحافيين ورسامي الكاريكاتير وكُتاب الرأي في مصر، بشكل ألحق الضرر بالحريات الصحافية، رغم تأكيد الحكومة على احترامها لأي رأي مختلف معها، ونفي وجود سجناء رأي في البلاد.
ويتفق الكثير من الصحافيين على أن اقتناص حريات إعلامية لن يتحقق سوى بإقرار تشريعات صريحة تكرس هذا الحق للجميع، ولا يجب أن تظل الأمور خاضعة لوجهة نظر الحكومة فقط، أو حسب الظروف السياسية.
ودعت النقابة إلى “الإفراج عن كل سجناء الرأي، وغلق هذا الملف الموجع، ووضع آلية لفتح المجال العام لكل الآراء”، لكن معضلة الحكومة أنها تبرر التضييق بوجود أطراف معادية تستثمر الحريات غير المقيّدة للثأر من السلطة، واللعب على وتر الحق في حرية الرأي والتعبير.
وبدت كأنها تُحاول إمساك العصا من المنتصف دون أن تدخل في صدام مع السلطة في ملف يحمل تقديرات سياسية حرجة، حيث لا ترغب في تقديم نفسها كحزب معارض يروج لخطاب يخدم أصحاب المصالح من أعداء السلطة، لذلك أثنت على جهود الحكومة، ووضعتها أيضا في مأزق للوفاء بتعهداتها.
ودأب مجلس نقابة الصحافيين الذي يضم أغلبية معارضة ومستقلة على توظيف كل حدث سياسي مرتبط بالحريات والحبس الاحتياطي والزج بأزمات أبناء المهنة في مناخ الحريات، لجذب انتباه السلطة، لإدراك النقابة أن تفويت تلك الفرصة خطأ.
صحافيون في مصر يأمل أن تكون خطوة تحجيم مدة الحبس الاحتياطي مقدمة لوقف مطاردتهم ومحاسبتهم على آرائهم وتوسيع مناخ الحريات
وأشار محمد سعد عبدالحفيظ عضو مجلس نقابة الصحافيين المصريين إلى وجود بادرة أمل لتصفية قضايا الرأي القديمة وبداية صفحة جديدة في ملف الحريات، وخطوط الاتصال مفتوحة مع السلطة في تلك القضية والتعامل معها لتحقيق مطالب الصحافيين.
وقال لـ”العرب” إن نقابة الصحافيين لا تبحث عن أي انتصار سياسي ولها مصلحة عامة، ويعنيها أن يخرج كل أعضائها من السجون وعدم استهداف أحد بسبب رأيه، مع إقناع الجهات المختصة بعدم محاسبة أحد على رأي، وتصنيفه كجريمة نشر.
ولفت إلى أن النقابة مستمرة في وضع ملف الحريات الإعلامية كأولوية، قائلا “من خلال التواصل مع بعض المسؤولين استشعرنا وجود بادرة أمل لإعادة النظر في هذا الملف، وسيكون الإفراج عن الصحافيين المحبوسين بالتزامن مع تعديلات قانون الإجراءات الجنائية بداية يمكن البناء
عليها”.
وتبدو الحكومة على قناعة بأهمية الصوت الواحد في الإعلام، باعتباره سبيلا لتحقيق الاصطفاف السياسي في مواجهة ما تسميه بـ”المؤامرات الخارجية”، ووجود أصوات معارضة في صحف وقنوات يخدم مآرب تنظيم الإخوان.
ويرى مراقبون أن حذر الحكومة من إطلاق الحريات الإعلامية مبالغ فيه لأن استمرار القيود وحبس بعض المختلفين معها في الرأي يبعث برسائل مغايرة لما يتم التسويق له من استقرار وأمان وقوة للدولة، ويجب استثمار الحراك المرتبط بقانون الحبس لإثبات حسن نواياها تجاه حريات الإعلام.
نقابة الصحافيين لا تبحث عن أي انتصار سياسي ولها مصلحة عامة، ويعنيها أن يخرج كل أعضائها من السجون وعدم استهداف أحد بسبب رأيه
وشدد هؤلاء المراقبون على أن الرأي لا يُرد عليه إلا بالرأي، ويجب أن تقتنع السلطة بذلك، والعقوبة الأكبر لنشر الشائعات هي تكذيب صاحبها ونزع المصداقية عنه، وليس حبسه أو إحالته للمحاكمة وترهب كل صوت مختلف يبحث عن مصلحة عامة.
ومهما كانت مبررات استهداف الصحافيين بذريعة نشر أخبار كاذبة دون اقتناع الحكومة بأنها جزء من المشكلة، لن يتم الوصول إلى نقطة اتفاق، لأن هناك تراخٍ لإقرار تشريع يبيح حرية تداول المعلومات للحد من شائعات تلحق ضررا بالسلطة.
وتستثمر نقابة الصحافيين في تسامح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع وجود أصوات معارضة في الإعلام، حيث لديه رؤية لفهم بعض دوائر النظام لفكرة الاختلاف في الرأي، وتحدث عن قيمة وأهمية وجود توازن في الرسالة الإعلامية.
ويبني الصحافيون أملهم بقُرب اقتناص المزيد من الحريات الإعلامية على أن الصوت العاقل داخل السلطة يزداد، وإلا لم تكن الحكومة تتحرك في ملف حساس مثل الحبس الاحتياطي والإفراج عن بعض سجناء الرأي، بما قد يمتد لفتح الأجواء العامة.
وتعد إشكالية الحريات الإعلامية في مصر متشعبة ولا تخضع لحسابات الحكومة فقط، لكنها مرتبطة بالهيئات الإعلامية المسؤولة عن إدارة المشهد، حيث لا تتورع من وضع قيود بحجة ضبط المنظومة، وتحول دون النبش في قضايا سياسية شائكة.
وما يثير استنكار البعض من أبناء المهنة أنه لم يحدث أن تسببت مقالة رأي أو رسم كاريكاتيري في التأثير على الأمن والاستقرار، وهي نقطة تطرحها نقابة الصحافيين في كل مناسبة للتأكيد على أن الخوف من الرأي الآخر يحمل رؤية غير صائبة.
ويمكن تحقيق آمال الصحافيين والحكومة على مستوى الحريات المنضبطة، إذا تم إعطاء العيش لخبازه، كما يقولون، أي إدارة المنظومة من أصحاب التخصص والخبرة، وتكون لدى الإعلام شجاعة خوض غمار معارك بلا منغصات سياسية.
وتشير بعض الشواهد إلى أن الحكومة المصرية تخلت نسبيا عن تحفظاتها تجاه حريات العمل الإعلامي، شريطة أن يكون ذلك وفق سياسة تحريرية لا تقدم خدمة مجانية لخصوم لدولة، لكن لا يجب أن تظل هذه المساحة محكومة بظرف سياسي أو يتم التعامل مع الحريات كمنحة موسمية، بل حق مكتسب لا يخضع لمواءمات.