الصحافيون في مصر أمام معضلة اختيار الحريات أو الخدمات

تدرك الحكومة المصرية صعوبة السيطرة على انتخابات الصحافيين وسط أزمات مهنية واقتصادية يتعرض لها الكثير منهم، لذلك تخشى أن يحقق أعضاء الجمعية العمومية مفاجأة بالتصويت ضد مرشّحيها على مقاعد عضوية المجلس، وإن نجحت في حسم اسم النقيب لصالحها، فهذا سيمثل عائقا أمام القيام بدوره.
القاهرة - أثار إعلان القائمة النهائية للمرشحين لانتخابات نقابة الصحافيين المصريين مخاوف حكومية حافلة بالدلالات السياسية في ظل ارتفاع أعداد المرشحين من تيار اليسار والمستقلين من أصحاب الشعبية في الأوساط الصحافية مقارنة بمنافسيهم المحسوبين على السلطة والقريبين منها.
وتُجرى الانتخابات على ستة مقاعد في عضوية مجلس النقابة بجانب مقعد نقيب الصحافيين في الثالث من مارس المقبل، وضمت القائمة النهائية 55 مرشحا، بينهم ثلاثة عشر يتنافسون على منصب النقيب، و42 على عضوية مجلس النقابة.
ويتصدر قائمة المرشحين لمقعد النقيب عمّا يسمى “تيار الاستقلال” الصحافي والناشط اليساري ووكيل النقابة الأسبق ورئيس تحرير موقع “درب” خالد البلشي في منافسة رئيس تحرير صحيفة “الأخبار” الحكومية ووكيل مجلس النقابة خالد ميري.
وترتبط مخاوف الحكومة المصرية بأن ترشح البلشي كمعارض قوي على مقعد نقيب الصحافيين في مواجهة ميري ربما يقود إلى منافسة شرسة يمكن أن ينتصر فيها الأول، أو يحقق الثاني فوزا بفارق ضئيل من الأصوات يتحول إلى إشارة سياسية سلبية.
وتقود العديد من الشواهد إلى صعوبة نجاح مرشح مناهض للحكومة لمقعد نقيب الصحافيين، لكن إجراء الانتخابات في توقيت بالغ الحساسية، حيث يواجه الصحافيون صعوبات مهنية واقتصادية، قد يتسبب في تصويت عقابي لمرشح الحكومة.
وثمة معضلة أخرى ترتبط بأن الكثير من المرشحين لعضوية مجلس النقابة معروف عنهم التركيز على الحريات ورفض القيود الأمنية، في حين لا يبدو أن الأسماء القريبة من السلطة تمتلك قواعد سياسية تجعلها تضمن المنافسة لصالحها.
واعتادت الحكومات المصرية المتعاقبة دعم مرشح واحد لمقعد النقيب ومنح امتيازات مالية للصحافيين من خلال زيادة البدل النقدي الذي يتحصلون عليه شهريا، وهذا يمثل أهمية كبيرة لكثير من الصحافيين وسط ظروف معيشية صعبة.
ونجح ضياء رشوان في الانتخابات الماضية على مقعد النقيب بعدما قدم نفسه كمفاوض جيد مع الحكومة باسم الجماعة الصحافية وتحسين الأوضاع الاقتصادية لأبناء المهنة من خلال زيادة البدل النقدي بنحو 20 في المئة.
ويشعر الكثير من أبناء المهنة بخيبة أمل من تكرار نجاح مرشحين محسوبين على الحكومة، لأنهم أسهموا بشكل أو بآخر في تدهور أوضاعهم الاقتصادية والمهنية، ولا بديل عن انتخاب وجوه جديدة تملك جرأة في التمسك بتغيير الأحوال الراهنة.
وتكمن المشكلة حاليا في عدم توحد المؤسسات الصحافية القومية على مرشح واحد لمنصب النقيب، ما قد يتسبب في تفتيت الأصوات لصالح مرشح التيار المستقل (البلشي) حيث ترشح 14 صحافيا لمنصب النقيب، أغلبهم من مؤسسات حكومية.
ويعوّل البلشي على رفض الكثير من الصحافيين لما يوصف بـ”التغول الحكومي” على النقابة، ولخص برنامجه الانتخابي في أنه “لم يبق لأبناء المهنة إلا الدفاع عن النقابة والقيم النقابية والتنوع داخلها”، وهذه شعارات كفيلة بأن تقود إلى صدام مع النظام لاحقا، لكنها تلامس هموم الغالبية.
وجرت العادة أن تفرز الانتخابات مجلس نقابة رئيسه أكثر تناغما مع الحكومة، على أن يحتضن المجلس شخصيات تضم تنوعا سياسيا لتحقيق التوازن وتبدو النقابة ممثلة لكل التوجهات السياسية، لكن التحدي الأبرز أمام المحسوبين على السلطة الآن أنهم ربما لا يستطيعون تقديم وعود خدمية مثلما كان في الماضي.
دوائر سياسية تخشى من تبعات ما سوف تؤول إليه انتخابات الصحافيين مع ترشح عدد كبير من أصحاب التوجهات المختلفة
وغلب على الانتخابات الماضية الطابع الخدمي على حساب الشعارات السياسية من جانب المرشحين لعضوية مجلس نقابة الصحافيين، لكن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في الوقت الراهن، وندرة العروض الخدمية والإغراءات التي يمكن أن يقدمها أي مرشح، يرى كثيرون أن المرشح المستقل “حظه أفضل”.
ويبرر أصحاب هذا الرأي أن العضو المقرب من الحكومة لن يستطيع تقديم مزايا خدمية، وقد يكون عبئا على المهنة بالتخاذل عن التصدي بقوة لتحجيم الدور النقابي، في حين يمكن للعضو المستقل ممارسة دور أكثر أهمية في عودة قلعة الحريات إلى مبارزة الحكومة وانتزاع حقوق الصحافيين.
وقال محمد عوض وهو اسم مستعار لصحافي بجريدة حكومية، إن انتخاب أعضاء مجلس لهم توجهات سياسية مناهضة للسلطة سوف يجلب المزيد من المشكلات، وقد يصبح استحواذهم على النقابة أشبه بـ”الجنون” لأن المهنة فقدت بريقها واصطفت أغلب مؤسساتها الصحافية خلف الحكومة.
وأضاف لـ”العرب” أن ما يشغل الصحافي حاليا تحسين مستواه المعيشي، ولا يهمه بقاء النقابة قلعة للحريات أم لا، وسوف تظل مصدرا ثابتا للدخل والرعاية الاجتماعية، لذلك من المتوقع نجاح النقيب القريب من الحكومة (خالد ميري) لاستمرار الحصول على الامتيازات، مع بعض الأسماء المستقلة لتحقيق التوازن المطلوب.
وقد يكون الدور النقابي القوي لكيانات مثل الأطباء والمحامين والمهندسين في الوقوف بوجه الحكومة في قضايا عديدة مؤخرا حافزا للصحافيين لاختيار مجلس قوي يستطيع التصدي لدوائر داخل النظام تريد وأد العمل السياسي داخل النقابات، وربما يمهد ذلك لخيبة أمل بالنسبة إلى المحسوبين على السلطة.
وتنظر بعض القوى السياسية والحزبية لانتخابات نقابة الصحافيين بشغف وترقب، لأنها قد تمثل طوق النجاة لعودة الحيوية للشارع مرة أخرى، شريطة أن تكون الغلبة للتيار المستقل، ودون ذلك سيكون من الصعب حل أزمة الحريات في البلاد.
ويرى متابعون أن الشريحة التي تنتصر لصوت الحكومة هم الصحافيون الذين لا يرغبون في تحويل النقابة إلى مكان تزداد فيه أزمات المهنة، وهذه فئة ليست بالقليلة، فلا يعنيهم الدور السياسي للنقابة بقدر ما يعنيهم تحسين أوضاعهم الاقتصادية.
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في الوقت الراهن، وندرة العروض الخدمية والإغراءات التي يمكن أن يقدمها أي مرشح، يرى كثيرون أن المرشح المستقل "حظه أفضل"
ورأت النقابية المخضرمة والسكرتيرة العامة لنقابة الصحافيين سابقا أمينة شفيق أن الخلفيات السياسية ستحكم عملية التصويت في انتخابات النقابة، لكن هذا توجه خاطئ، فالمهم البحث عن كوادر نقابية بعيدا عن التوجهات الحزبية.
وأوضحت لـ”العرب” أن انتخابات نقابة الصحافيين تفرز دائما أعضاء يقدمون خدمات ولا يرفعون شعارات سياسية، فدورها خدمي أكثر منه حزبي، ومهما كانت الخلفية السياسية للمرشح مؤيدة أو معارضة للنظام الحاكم سوف ينتهي به الحال إلى أن يتحول إلى خدمي.
وتحول الكثير من أبناء المهنة إلى عاطلين بعدما تعرضوا للفصل التعسفي في بعض المؤسسات بذريعة ترشيد النفقات المالية، وآخرون أصبحوا ضحايا غلق الصحف، ولهم حق التصويت، فعلاقتهم بالمهنة انقطعت إلا من خدماتها الاقتصادية والاجتماعية.
وتدرك هذه الشريحة العريضة أن المهنة تحتضر، ولا أهمية لاختيار مناضلين وأصحاب توجهات سياسية بعينها، ولو نجح بعضهم فلن يقدموا خدمات أو يجلبوا مكاسب في ظل علاقاتهم المضطربة بالحكومة، في حين أن العضو القريب من السلطة يمكنه أن يفعل ذلك بسهولة.
وستشهد الأيام المقبلة نقاشات متباينة لتحديد توجهات أعضاء الجمعية العمومية، فهناك مستقلون حظوظهم وفيرة بحكم قواعدهم الشعبية، لكن بالنسبة إلى المقربين من الحكومة، فالتصويت لهم يتوقف على طبيعة ما يقدمونه من خدمات.
وتخشى دوائر سياسية من تبعات ما سوف تؤول إليه انتخابات الصحافيين مع ترشح عدد كبير من أصحاب التوجهات المختلفة، فالتصويت العقابي ضد مرشحي الحكومة يمكن أن يدخل النقابة منعطفا خطيرا قد يقضي على ما تبقى من بريق مادي في النقابة العريقة إذا انتصرت الحريات وضاعت معها الخدمات.