الشهادات لا تثبت أي شيء

مجرد حصولك على شهادات ودرجات علمية، لا يعني أبدا أنك في مستوى إدراك ووعي متطور، ولا يعني أنك مثقف أو إنسان تملك مهارات حياتية جيدة.
الشهادات لا تثبت أي شيء..
لا تفهمني بشكل خاطئ، هذا ليس تقليلا من أهمية إنجازاتك ولا محاولة للتقليل من أهمية نيل الشهادات، بالعكس.. التعليم والمعرفة هي المفتاح لمجتمعات متنورة، متوازنة، مسالمة.
نحن نبجل العلم.. لكن.. المقصد، الشهادة بشكلها التقليدي لا تكفي، لتكون إنسانا واعيا، متزنا، حكيما، ممتلئا بالثقافة والمعرفة.
حتى أنها في ظل بعض المجتمعات التي يغزوها الفساد، وتُحل بها العدالة والقانون بشكل أقل، ستجد أن حتى الشهادات لن تمكنك من الحصول على فرص عمل وحياة كريمة.
بل حتى مع كمية الطلب الهائلة على الوظائف، والتنافس الشديد، أصبح الشخص بحاجة لخبرة عملية متراكمة، وتعزيز الخبرة والعمل بشكل مضاعف على امتلاك مهارات، للتميز في مجالك المهني والقدرة على نيل فرصة عمل، في ظل تقنين فرص العمل، والشح الذي تعاني منه الكثير من الدول اليوم، في حال لم تمتلك "واسطة" أو "شبكة علاقات" تمكنك من الوصول بطريق مختصر أكثر.
التعليم يُبنى في الكثير من الدول على التلقين، بدلا من التحليل. فمجرد الحفظ وجمع المعلومات لا يدل على حكمتك وثقافتك
لنعود لموضوع التعليم التقليدي بشكله الحالي، أعتقد أنه غير قادر غالبا على تعليم الأساسيات التي يحتاجها الشخص في مجاله أو حتى مهاراته اليومية، التعليم يُبنى في الكثير من الدول على التلقين، بدلا من التحليل. فمجرد الحفظ وجمع المعلومات لا يدل على حكمتك وثقافتك.
التعليم التقليدي اليوم خاصة في الدول التي من الممكن أن نصفها بالمتأخرة، يشوبه الكثير من التأخير والمشاكل والانفصال عن الواقع وفجوة كبيرة عن الحياة العملية.
العلم بتطور دائم، والدراسات بتطور وتغير بشكل مستمر، كل شيء يسير بوتيرة سريعة، لذا كلي شك إن يتم تجديد، وتحديث المناهج بما يعود بالنفع على الطلاب.
وطبعا، من الممكن الإشارة، للضرر الذي أصاب قطاع التعليم في كثير من الدول خلال فترة كورونا، بانقطاع الطلاب عن التعليم بشكل صارم وحقيقي.
نحن بحاجة للشهادات بالتأكيد حتى تتمكن في الاستمرار في هذا النظام المجتمعي المفروض علينا. لكن، للوصول إلى مجتمعات متنورة أكثر، ومثقفة وواعية بشكل أفضل، مثلا، الدراسات العليا ينبغي أن تقوم على إشراك الطلاب في بحوثهم بشكل عميق في تخصصاتهم، ليساهموا في الإضافة للمعرفة في مجالهم، فتصبح في النهاية العملية تراكمية عبر السنوات، لنرتقي في النهاية بمعرفة أفضل، وعقول منفتحة بشكل مستمر على التطور وتحديث المعرفة والعلوم بكافة أشكالها.
التعليم يجب أن يعلم الأفراد المهارات التي يحتاجونها في حياتهم سواء العملية، المهنية أو الشخصية. التي تساهم في تطور المرء، عقليا ونفسيا.
أن يكون التعليم بعيدا عن تعزيز أفكار معينة، أو إيمانيات معينة بشكل "مسلمات"، وبأساليب صارمة، تمنع الطلاب من التساؤل، التفكير، التحليل، التشكيك.
قيمتك تكمن في داخلك، أن تكون متصالحا مع نفسك، شكلا وقلبا وعقلا وفكرا
التعليم يجب أن يقوم على تعزيز رغبة الفرد في البحث، التساؤل، وإيجاد شغفه يوما ما، بطريقة تعود على حياته بشكل إيجابي، وعلى المجتمع بشكل لطيف.
إن عملية التطور بالوعي والإدراك عملية تراكمية، لا تحدث خلال أشهر أو سنوات.. عملية لا منتهية أبدا، ستساهم في شكل حقيقي بالتأثير على الفرد، بعقله، قلبه، سلوكه، أحكامه، نظرته لنفسه وللمجتمع، وبالتأكيد ستفيده في مساره المهني.
ممكن أن نشير أيضا إلى أهمية القراءة، فالقراءة ليست رفاهية، إنما يجب أن تكون سلوكا متأصلا في عادات الأفراد، للتطور، لمحاربة الجهل وقصور الفكر، لأن القراءة، الثقافة والعلم، أشبه بنور يساعد المرء على تهذيب نفسه وجعلك منفتحا على الأفكار الأخرى، لذا سيكون متقبلا للفئات المختلفة، وسيكون أقل عنصرية، وأقل قابلية في الوقوع في فخ ظلمات الكراهية التي تتمدد بشكل مريب في المجتمعات، والأهم أن تمتلك عقلا نقديا، يحلل، يفكر، يشكك، يتساءل، يبحث عن نفسه وواقعه، حينها ستكون واعيا أكثر بحقك في ممارسة حريتك الفكرية قبل حريتك بالتعبير، أن تمارس حقك في التحليل والبحث في ظل توفر الكثير من المعلومات اليوم، والنظريات المتباينة.
إن قيمتك تكمن في داخلك، أن تكون متصالحا مع نفسك، شكلا وقلبا وعقلا وفكرا، بأن لا توجه اتهامات لهذا وذاك، ولا تتعامل بثقافة الكره وإطلاق الأحكام الغوغائية والإقصاء والتكفير، ولا تستخدم التنمر كأداة محاولا إخفاء هشاشة نفسك وضحالة قيمك وثقافتك، أن تمتلك شخصية راقية بالتعامل وفكر يصلح لأن يصنفك "إنسانا" فتحترم اختلاف الآخرين، وتتعامل بإنسانية ولطف مع نفسك، ومع الآخر.
لماذا نعيد ونكرر ونؤكد على أهمية الإرتقاء قيميا وثقافيا بالأفراد والمجتمعات!
لأن هناك مسؤولية أخلاقية تقع على كل فرد منّا، أن نعمل بجد أكبر يوميا على شفاء ذواتنا، تطويرها وتطوير عقولنا، والأهم الإلتفات نحو العلم، لأن العلم والمعرفة والثقافة سيكون السبيل في إنقاذ المجتمعات البشرية من الضحالة الفكرية والقيمية، من هشاشة الأخلاق وقصور العقول والأفكار الممزقة الموجهة لتشيتتنا.