الشمس جسر للعبور في لوحات الفنان الفلسطيني يزن أبوسلامة

يبتكر الفنان الفلسطيني يزن أبوسلامة من الشمس آلة حماية، ومصدر خلاص جماعي ينتصر به فنيا ضدّ الاحتلال الذي شوّه الكثير من معالم فلسطين في محاولة منه للتحرر افتراضيا وفنيا من القيود التي يفرضها المحتلّ على المدن فيمنعها من التوسع والحرية.
عندما نتحدث عن الفن الفلسطيني نقصد بشكل خاص الفن الذي استبق بقليل المأساة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي وتزامن معهما. لكن الأعمال الفنية المنشغلة بالهمّ الفلسطيني يستحيل إحصائها. فهي أعمال اختلفت في توجهاتها وأساليبها وفي المواد المستخدمة.
ثمة أعمال فنية لاسيما تلك التي يقدمها الجيل الجديد من الفلسطينيين مسكونة بذات الهاجس الذي دمغ روح الفنانين الفلسطينيين الرواد والمخضرمين وذاكرتهم، ولكنها أعمال تمتلك هدوءا غرائبيا ونظرة شاهد شامل يرتفع بنظره نحو الأرض المسلوبة بكل ما ترتب على هذه الحالة الشاذة من كوارث ليُقارب ويُباعد بين المنشئات، والهياكل والخطوط الجامعة والمشرومة ليرسم خرائط مدنية واقعية ولكن بنفس فني طاغ ومنخرط في تشكيل المعنى والحدود المرسومة بين الإسرائيلي الغاصب والفلسطيني الهادئ، وهو هدوء مسنون كحد سكين لا يرى منه الغريم إلا بريقه ولمعية حدّه.
من هؤلاء الفنانين نذكر وبكل جدارة الفنان التشكيلي يزن أبوسلامة، الذي يقدم اليوم معرضا بعنوان “الانحناء نحو الشمس".
"الانحناء نحو الشمس" هو المعرض الافتراضي الأول لصالة "زاوية" الفلسطينية الكائنة في رام الله وفي دبي. معرض ليس هو الأول من حيث المضمون فالفنان يزن أبوسلامة سبق وأن قدم معرضا في هذه الصالة تحت عنوان “سماء إسمنتية”، وهو من دون شك شكل منطلقا لمعرضه الجديد الذي استمر حتى آخر شهر يوليو الفائت.

ضمن سياق البيان الصحافي المرافق للمعرض تحدث مدير الصالة زياد عناني حول التوجه إلى العالم الافتراضي “نخطط لتنظيم معارض افتراضية على مدار العام إلى جانب المعارض في صالات الغاليري في فرعيْنا في دبي ورام الله، ونتطلع إلى توفير فرصة أمام الجمهور للتجول في الغاليري افتراضيا من خلال استخدام تقنيات متطورة تتيح إمكانية مشاهدة المعارض بجودة عالية وفي تجربة قريبة جدا من الواقع، من أي مكان في العالم”.
ويمكن اعتبار اختيار معرض “انحناء نحو الشمس” اختيارا موفقا جدا لانطلاقة الصالة بتقديم مثل هذا النوع من المعارض الافتراضية لأن أعمال الفنان يزن أبوسلامة الحالية وتلك التي قدمها تحت عنوان “سماء إسمنتية” تشبه العالم، افتراضية من حيث دعوتها للمُشاهد إلى أن يحلّق فوق مدن واقعية / افتراضية ليتفحص الجدلية القاتمة والقائمة ما بين جدران الإسمنت والسماء، ما بين الشمس البرتقالية الأشبه بأسطوانة افتراضية - والتي يبدو حجمها في بعض أعماله يتخطى ما يُمكن تسميته بـ”المعقول” في زمن اللامعقول - وجدران الإسمنت والكتل الخرسانية المُعرضة “للانتكاسة” في أي لحظة تقرر فيها الشمس إطلاق موجات جيومغناطسية مدمرة لها.
كما يُمكن تخيل ما يقدمه الفنان مادة دسمة لإنشاء لعبة إلكترونية متطورة ديجيتاليا يقوم فيها “البطل” بتحطيم الجدران وتقويض المسارات وتبريد حرارة الشمس لتعود “جديرة” إذا صح التعبير، بأشجار الزيتون واللوز والبرتقال ولتكون أقل وطأة على جناحي الطائر الذي أطلقه الفنان حُرا ومُتعقبا ومُستفسرا عن أحوال الأرض ومنحازا إلى ناسها في معرضه السابق.
يشير البيان الصحافي المرافق للمعرض إلى أن “الفنان يحاول من خلال أعماله المعروضة أن يتخطى الحواجز إلى الحريّة ممثلة في الشمس المطلّة على الهياكل الخرسانيّة التي تبرز في لوحاته باعتبارها رموزا للاحتلال العسكريّ. يدقّ المعرض الجدران الخرسانيّة كصرخة شرعيّة من أجل العدالة وفي محاولة للتخلص من الإسمنت الذي يحاصر المدن والتي لا يسمح لها بالتمدد الأفقي الطبيعي”.
وهو في ذلك يبدو كأنه يستكمل ما بدأه في معرضه السابق حيث مشاهد أعماله هي عبارة عن متقطعات زمنية لم يتمكّن طائر خفيّ وعابر أرسله الفنان من سبر أغوار معالم البلد الذي اجتاحه الإسمنت الإسرائيلي عرضا بجدران العزل، واختنقت فيه السماء بفعل القيود الإسرائيلية التي دفعت الفلسطينيين إلى البناء عموديا.
ولكن في لوحات يزن أبوسلامة الجديدة حضرت الشمس بقوة شمل تأثيرها من حيث التركيب الفني والمضمون معالم معظم لوحاته. ويبدو أنه ابتكر في لوحاته خلاصا غرائبيا قادما، وللمفارقة من سطوة شمس حارقة. فهي، من ناحية جسر خلاص مزلّ لقيمة الخرسانات، ومن ناحية أخرى هي فقاعة رحبة ومضيافة على الرغم من كونها من نار غير أنها حامية فقط لكل فلسطيني أدرك كيفية الدخول إليها ليجعل منها مركبة فضائية باستطاعتها أن تشن حربا غير تقليدية ومنصورة ضد المُحتل.
وهنا يجدر الذكر أن الفنان في معرضه السابق رسم تحت أثر رواية كنفاني “رجال في الشمس” وعنون إحدى لوحاته بـ “رجال في الشمس” نسبة إلى الرواية.
◙ الفنان يحاول من خلال أعماله المعروضة أن يتخطى الحواجز إلى الحريّة ممثلة في الشمس المطلّة على الهياكل الخرسانيّة
وهو اليوم، أكثر من السابق في معرضه الجديد يبدو وكأنه استوحى كل أعماله من تلك الرواية غير أنه حاول إخراجها من مأساوية النهاية. ففي حين حُبس حتى الاختناق تحت أشعة الشمس الحامية في رواية كنفاني، رسم الفنان أولادا يدقون الخزان من الخارج. خزان هو في لوحاته الجديدة عبارة عن صناديق وليس فقط الأسوار الإسمنتية.
هذا التناقض بين اللون الإسمنتي واللون البرتقالي المتفجر يصرح إلى صالح من تكون القوى. هي حتما لصالح شخوصه الرانية دوما إلى الشمس. فالشمس صديقة الفلسطيني. هي تذكره بأن الطبيعة أقوى. بأن الشمس ساطعة على كل الحقائق وكاشفة للانتهاكات وهي مركبة فضائية خيالية وجسر ناري “بردا وسلاما” تحت أقدام الفلسطينيين.
ويذكر أن يزن أبوسلامة هو فنان من مواليد عام 1993 في القدس، درس الفنون الجميلة في جامعة دار الكلمة في بيت لحم في عام 2011، وشارك في عدّة معارض جماعية في فلسطين والأردن والإمارات بما في ذلك معرض رام الله آرت فير 2020 و2021، وآرت دبي 2021 من خلال غاليري زاوية. أقام معرضه الفرديّ الأول في غاليري زاوية / دبي في عام 2021.