الشرق الأوسط في قلب الكارثة

وسط الأزمات الإنسانية والحصار المستمر عاد الحديث عن خطة تهجير سكان غزة إلى السطح وهو ما أكده مؤخرا دونالد ترامب في تصريحات مثيرة للجدل يحاول البعض التقليل من أهميتها.
الأربعاء 2025/01/29
عن أي سلام يتحدثون

2025 يبدو وكأنه الجزء الثاني من 2024. حرب القيامة لم تنتهِ بعد، والملفات ما زالت عالقة. الفيل لا يزال قابعا في الغرفة، والأزمات مستمرة في غزة والضفة ولبنان وسوريا، والمخاوف تتعاظم لدى الدول المحيطة التي تدفع بشكل أو بآخر ثمن هذه الكارثة.

لم تُوزع الغنائم بعد، والجروح ما زالت مفتوحة. لا شيء حُسم، ولن تهدأ المنطقة بسهولة. فمنذ سنوات ونحن نعيش في حالة من الترقب والتأزم، ولا يبدو أن هناك حلا قريبا يمكن أن يحقق السلام والاستقرار الدائمين.

لا يمكننا الحديث عن تحولات إيجابية في هذا العام دون النظر إلى الواقع المرير الذي يعيشه الشرق الأوسط. أحد أبرز المحاور التي لا تزال تسيطر على المشهد هو التوسع الإسرائيلي المتواصل بالسيطرة على المزيد من الأراضي في 2025، وخرقها لسيادة بعض الدول في برها وجوها وحدودها.

◄ العائق الأكبر يبقى في حقيقة أن المفاوضات لا تجلب إلا الوعود الفارغة. منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي لا تزال مشغولة بتقديم الحلول السطحية التي لا تعكس الواقع على الأرض

نرى أن إسرائيل قد تمكنت من السيطرة على أراضٍ شاسعة في جنوب لبنان، فيما تمنع أهالي القرى والبلدات من العودة إلى منازلهم بعد انتهاء مهلة الستين يوما. وأيضا لم تكتفِ بذلك، بل ضمت مناطق جديدة في جنوب سوريا، مع ضرب المقدرات العسكرية والأسلحة التي كان يمتلكها الجيش السوري منعا من وقوعها بأيدي أيّ جهة مستقبلية في سوريا، ومنع أيّ مواجهة محتملة مع إسرائيل.

الواقع يقول إن هذا التوسع العسكري الأمني السياسي السيبراني الإسرائيلي في المنطقة تقابله هشاشة في الحكم السائد في بعض الدول، وشبه فراغ سياسي، اقتصادي، أمني واضح قادر على فرض وجوده أمامها.

هناك دول تقف على شفا الهشاشة والانهيار، وتحاول بناء هياكلها من جديد، لكن التحديات الحقيقية لم تنتهِ، والصراع على السلطات لم ينتهِ، والفجوات الشاسعة بين مكونات الأطراف المختلفة مستمرة وتتعاظم.

إن هذا السيناريو يعمّق الجراح في المنطقة ويزيد من تعقيد أيّ محاولة للسلام ويزيد من معاناة الأهالي. هذه السياسات لن تؤدي إلا إلى تعميق الهوة بين الأطراف، ولا تزال الحروب السياسية والميدانية على أشدها.

قلت سابقا، إن واقع المنطقة يتم إعادة رسمه بريشة أحادية إسرائيلية – أميركية، وعلى كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية أن تعي ذلك وترى الحقيقة لتتمكن من إيجاد حل منصف إلى حد ما للجميع، للحفاظ على ما تبقى للأفراد من أرض، أوطان، حقوق وحياة.

◄ الواقع يقول إن هذا التوسع العسكري الأمني السياسي السيبراني الإسرائيلي في المنطقة تقابله هشاشة في الحكم السائد في بعض الدول

ثم تأتي غزة، فالوضع أكثر تعقيدا وغموضا بين المستقبل المجهول وتهديدات التهجير. مستقبل القطاع يبدو ضبابيا بشكل متزايد.

وسط الأزمات الإنسانية والحصار المستمر، عاد الحديث عن خطة تهجير سكان غزة إلى السطح، وهو ما أكده مؤخرا دونالد ترامب في تصريحات مثيرة للجدل. بينما يحاول البعض التقليل من أهميتها، والشك بحقيقة تنفيذها، إلا أن الواقع على الأرض يروي قصة مغايرة. هناك من يسعى وراء حلول “جذرية” قد تشمل التهجير القسري، وهو ما يفتح الباب لأسئلة صعبة حول مصير الملايين من الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة. في الوقت نفسه، ترفض العديد من الأطراف مثل هذه الخطوات، معتبرة إياها انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، وتغييرا في ديموغرافية المنطقة، وتحميل دول أخرى كالأردن ومصر عبئا أمنيا، سياسيا، اقتصاديا، وجوديا إضافيا إلى ما تحمله من أعباء.

التصريحات حول التهجير يمكن أن تكون جزءا من خطة أكبر تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بالكامل. لكننا لا يمكننا إغفال أن هناك العديد من المحاولات للتنصل من المسؤولية، ونفي الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون تحت الحصار والدمار. ومع كل تصريح يأتي تأكيد جديد على أن غزة هي الأرض التي تُسجل فيها المعاناة الإنسانية الأكبر، ولا يزال الأمل في حل يحقق العدالة مفقودا.

وفي الضفة الغربية، لا يزال الوضع يتصاعد بشكل مستمر. ومع استمرار بناء المستوطنات وتوسيعها على الأراضي الفلسطينية، وتزايد الهجمات الإسرائيلية على المدنيين، يبدو أن الأفق السياسي مسدود تماما. فالسلطة الفلسطينية تجد نفسها محاصرة بين ضغوطات إقليمية ودولية، وفي الوقت ذاته، فإن الشارع الفلسطيني يزداد غضبا واحتقانا من إسرائيل وانتهاكاتها والفشل الفلسطيني في استعادة شارع واحد خلال العقود الماضية.

◄ الغنائم لم تُوزع بعد والجروح ما زالت مفتوحة لا شيء حُسم ولن تهدأ المنطقة بسهولة فمنذ سنوات ونحن نعيش في حالة من الترقب والتأزم ولا يبدو أن هناك حلا قريبا

لكن العائق الأكبر يبقى في حقيقة أن المفاوضات لا تجلب إلا الوعود الفارغة. منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي لا تزال مشغولة بتقديم الحلول السطحية التي لا تعكس الواقع على الأرض. كما أن المشاريع السياسية التي تراهن على السلام والمفاوضات الجادة تبدو بعيدة المنال في ظل تصاعد العنف وعدم الثقة المتبادل بين الأطراف.

المنطقة بأكملها تقف على كف عفريت. كل الأحداث تزداد تعقيدا، وكل طرف يواصل سعيه لتحقيق مكاسب جديدة على حساب الآخرين. في هذا السياق، يظل الاستثمار في الصراع هو الخيار المفضل للكثير من القوى الإقليمية والدولية، بدلا من البحث الجاد عن حلول دائمة. في حين أن الحديث عن “السلام” و”الاستقرار” قد أصبح مجرد شعارات يتم ترديدها من حين إلى آخر، فإن الواقع يعكس أن المنطقة ما زالت تسير في دائرة مغلقة من العنف والمواجهة.

وربما موت الأفراد بات الآن في منتصف النفق بطيئا ومخيفا ومرعبا أكثر. لذا، ما زال الحديث عن الاستثمار في الصراع هو المسيطر على السياسات الإقليمية والدولية. وقد يكون الحديث عن “السلام” في هذا الوقت مجرد محاولة للتغطية على واقع مؤلم.

المنطقة بعيدة عن أيّ حل حقيقي. لا شيء حُسم، والملفات ما زالت مفتوحة. 2025 هو عام الاستمرار في ذات الدوامة التي عاشتها المنطقة في 2024، من دون أن نرى أيّ بوادر لتغيير حقيقي أو تهدئة فعالة. الصراع لن يتوقف، والحديث عن السلام ما زال بعيدا عن الواقع.

9