الشرق الأوسط الجديد حسب المقياس الإسرائيلي

أين دور العرب من المخطط الإسرائيلي الأميركي الأوروبي حول الشرق الأوسط الجديد؟
الأربعاء 2024/10/23
نتنياهو يحمل مشروع تغيير ملامح الشرق الأوسط

ما أتناوله هنا أمر خطير متعلق بهندسة الشرق الأوسط حسب المخطط الإسرائيلي والأميركي في آن واحد. بنيامين نتنياهو أفصح قبل أيام أنه لا يوجد مكان في الشرق الأوسط لا تستطيع إسرائيل الوصول إليه.

وأردف “لا يوجد مكان لا نذهب إليه لحماية شعبنا وحماية بلدنا”. ويقول “تعرف الغالبية العظمى من الإيرانيين أن نظامهم لا يهتم بهم. عندما تتحرر إيران أخيرًا، وستأتي تلك اللحظة قريبًا جدًا وأقرب مما يعتقده الناس، سيكون كل شيء مختلفًا، وسيعيش شعبانا القديمان، الشعب اليهودي والشعب الفارسي، في سلام أخيرًا”.

نفتالي بينت، رئيس وزراء إسرائيل السابق، صرح مؤخرًا “أمام إسرائيل الآن أعظم فرصة منذ 50 عامًا لتغيير وجه الشرق الأوسط بالقضاء على برنامج إيران النووي”. وأيضًا ما دونه شمعون بيريز في كتابه “الشرق الأوسط الجديد”، ملخصه حول محور المقاومة أن كل العقائد المتعلقة بالصراع سواء كانت قومية أو دينية أو ثارات وطنية، يمكنها أن تذوب وتتلاشى بفعل المصالح الاقتصادية والرخاء والقضاء على الفقر الذي لن يتحقق سوى بالسلام.

ولكن المفارقة المريبة هي أنه بعد مقتل يحيى السنوار، كانت أصوات في إسرائيل قد خرجت تقول “الآن انتهت المعركة، ويجب أن تكون ثمة حلول في غزة ولبنان فورية تضمن تحرير الأسرى والانسحاب من غزة”. الإيجاز والدخول المباشر إلى لب القضية جاء على لسان سموتريتش معلنا أن “الحرب لم تنته بعد، وأننا ماضون في القضاء على حزب الله وحماس بشكل كلي”.

يفهم جليًا من ذلك أن المشروع الإسرائيلي لا يقف عند هذا الحد، ولو أراد نتنياهو وضع حد للحرب الدائرة في غزة ولبنان لكان باستطاعته فعل ذلك بعيد اختفاء السنوار عن المشهد السياسي والعسكري.

نفتالي بينت صرح مؤخرًا "أمام إسرائيل الآن أعظم فرصة منذ 50 عامًا لتغيير وجه الشرق الأوسط بالقضاء على برنامج إيران النووي"

المعركة لم تنته، ونحن في ذروة فصولها بعد تعرض بيت نتنياهو مؤخرًا للخراب بعدما اصطدمت به طائرة مسيرة أطلقت من لبنان.

لقد استغل نتنياهو هذه الحادثة أمام الجمهور الإسرائيلي ليبين لهم بأنهم ليسوا هم فقط المستهدفون من صواريخ حزب الله ومسيراته، بل تجاوز الأمر لتصل تلك المسيرات “إلى بيتي في قيساريا، وهذا لا يثنينا عن مواصلة الحرب ضد حزب الله ونحن مستمرون في الحرب.”

على مستوى أعم، استغل نتنياهو هذه الحادثة ليعلن أن الحرب مستمرة، بالقول، “لنا أهداف يجب تحقيقها على صعيد تبديد الخطر المحدق حولنا في غزة ولبنان وسوريا، وأيضًا القضاء على الخطر الأكبر وهو المشروع النووي الإيراني”.

شخصية عسكرية رفيعة في إسرائيل أعلنت بأن إيران بمقدورها تصنيع قنبلة نووية خلال أسبوع. هذا بحد ذاته نقطة انطلاق نحو تقويض مشروع إيران. فلو تكلمنا بمنطق سليم، القنبلة النووية الإيرانية إذا ما أنجزت ليست موجهة إلى إسرائيل وإنما تكون العصا التي تلوح بها طهران في وجه الدول العربية والشعوب العربية.

اللجوء إلى منهجيات المقارنة يقتضي، بادئ ذي بدء، التشخيص المتصل بمشروع الشرق الأوسط الذي تكلم عنه شمعون بيريز، الذي يختلف عما يطرحه اليمين المتطرف في إسرائيل. هنالك مشروع اقتصادي خالص حسب رؤية بيريز، وثمة مشروع احتلالي إحلالي في الشرق الأوسط وبالتحديد الدول العربية، والمتمثل بإسرائيل الكبرى.

القرن الحالي يحمل في خباياه مشروعًا سوف يغير من وجه الشرق الأوسط بما يتناسب مع الطموح الإسرائيلي

يجب ألا يغيب عن أذهاننا هذا الطموح الإسرائيلي الذي تقف خلفه الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، والهدف منه الاستمرارية في تمزيق الشرق الأوسط، وإعادة هيكلته بما يتوافق مع إبقاء إسرائيل هي المسيطرة. لهذا عندما تكلمنا في مقالات سابقة بأن الحرب التي يخوضها نتنياهو اليوم ليست حرب دفاع وإنما هي حرب وجود بالدرجة الأولى وفرض سيطرة كاملة على الشرق الأوسط، وفي جذر ذلك ما تقدم ذكره إعادة ترسيم حدود الشرق الأوسط. لهذا يمكن القول بأن القرن الحالي يحمل في خباياه مشروعًا سوف يغير من وجه الشرق الأوسط بما يتناسب مع الطموح الإسرائيلي.

وأما السؤال الذي طال تلويحي بطرحه: أين دور العرب من المخطط الإسرائيلي الأميركي الأوروبي حول الشرق الأوسط الجديد؟ ويفترض أن يكون نقد الدور العربي الواهن سبيلاً إلى تحرير أفكارنا من البعبع الأميركي وغيره. التوصيف الحالي يكمن في الصورة التي أمامنا بأن الدور العربي للأسف مغيب عن المشهد الحالي، وما يتداول حول الشرق الأوسط والخطورة تكمن في ماهية تطلع الولايات المتحدة وإسرائيل حول برمجته وهو تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ.

بجانب هذا نشعر بالكثير من التشاؤم، أن الإستراتيجية الغربية تجاه العالم الإسلامي منذ منتصف القرن التاسع عشر تنطلق من الإيمان بضرورة تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات إثنية ودينية مختلفة، حتى يسهل التحكم فيه وقد غُرست إسرائيل في قلب هذه المنطقة لتحقيق هذا الهدف. فعالم عربي يتسم بقدر من الترابط وبشكل من أشكال الوحدة يعني أنه سيشكل ثقلًا إستراتيجيًا واقتصاديًا وعسكريًا، ويشكل عائقًا أمام الأطماع الاستعمارية الغربية.

أمر أخير أردنا إبرازه هنا هو ما أعلنته كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية في حكومة بوش الابن، من استقصاء المعاني الحاملة لمخطط أسمته “الشرق الأوسط الكبير” وذلك في حديث لها أدلت به إلى صحيفة واشنطن بوست الأميركية، حيث اعتبرت ما يحدث في تلك الفترة من قتل وخراب ودمار ما هو إلا “فوضى خلاقة” وآلام لمخاض “الشرق الأوسط الجديد” والذي سيعيد ترتيب المنطقة بعد مرور 100 عام على التقسيم الحالي للمنطقة “معاهدة سايكس بيكو 1916” التي لم تراعِ الخصائص الديموغرافية أو الإثنية للشعوب. وتفسير هذا، هو ما يحدث اليوم من فوضى بدأت بالربيع العربي الذي ما زالت بقاياه موجودة حتى الآن، وما يحدث في السودان ومآلات ما يقع في فلسطين ولبنان وهذا غير بعيد عن الفوضى الخلاقة.

6