"الشرار" دراما هادفة تشكل انعكاسا للبدو في السعودية

“الشرار” مسلسل يغوص في عالم البدو والبادية بشكل مختلف، لم نعتده في الدراما من قبل، إذ يأخذنا نحو البادية السعودية التي هي النواة الرئيسية للبدو في المنطقة العربية، ليركز على مبادئ وقيم وضوابط الحياة فيها، انطلاقا من مسألة الشرف التي لاتزال تهمة تلاحق النساء.
لا يمكن أن ندعي أن مسلسل “الشرار” قدم طرحا جديدا، فقضية الشرف التي شكلت أساس سردية العمل هي من القضايا التي طالما ظلت لصيقة أعمال الدراما البدوية.
ولعل هذا التكرار هو نفسه الذي عانت منه الدراما البدوية العربية منذ ما يزيد عن 50 عاما، فمن حيث المضمون نجد تشابها يطغى عليها من النزاع بين القبائل وحبك المؤامرات والدسائس وقضايا الثأر والحب. أما من ناحية الشكل فقد اعتادت الدراما البدوية على نقل بيئة الأحداث كما هي في الواقع، صحراء قاحلة وبيوت شعر متناثرة.
هذا ما أفقد الجمهور العربي ثقته بهذا النوع من الدراما وأخذ يتطلع إلى دراما أخرى ذات توجهات تثير فيه الشغف الذي افتقده. ولا يمكننا أيضا اعتبار هذا المسلسل بداية موجة دراما بدوية خليجية جديدة في مواجهة تيار الدراما الاجتماعية الطاغية على المشهد الفني الخليجي، فهو في النهاية عمل واحد لا يمثل أي نسبة تذكر أمام طغيان الدراما الاجتماعية والكوميدية في الوقت الحالي، إلا أنه يمكن اعتبار هذا العمل نوعا من التحرر من وطأة الأعمال سابقة الذكر، وإضافة جديدة للمشوار الخليجي الذي يبدو في سعي دائب لإحداث طفرة فنية وتحقيق ريادة جديدة على صعيد الدراما بشكل عام.
الدراما البدوية كما يعلم الجميع قد تزيّت بالثوب الأردني منذ أمد بعيد واحتفظت به طوال السنوات السابقة إلا أن هذا الأمر لم يمنع السعوديين في موسم رمضان الماضي من الدخول بقوة في مجال المنافسة من خلال مسلسل “الشرار” الذي استطاع نيل إعجاب المشاهدين والنقاد بل وتم ترشيحه لجائزة الدانا للدراما كأفضل نص.
اليوم نحتاج إلى دراما بدوية برؤية جديدة تتناول موضوعنا وتلتزم بقضايا مجتمعاتنا بعيدا عن الحب والعشق والغزو
وليس عجيبا أن نشهد في السنوات القادمة حضورا دائما للدراما البدوية الخليجية في الخارطة الفنية العربية، ولماذا الغرابة؟ فكما استطاع الأردنيون التفرد بقيادة هذه الدراما، يمكن للخليجيين القيام بهذا الدور، فلا تستغرب إذا قلت لك إن السوريين هم أول من أطلقوا الدراما البدوية عربيا، فقد كان أول مسلسل درامي أحدث ضجة في العالم العربي، وفتح شهية الأشقاء العرب علي الالتفات إلى هذه الدراما هو “وضحي وابن عجلان” الذي أخرجه المخرج السوري غسان جبري، لتتلوه أعمال سورية ناجحة أخرى.
ومن منا ينسى مسلسل “جواهر” الذي شغل جمهور الخليج في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي. مسلسل “الشرار”، الذي نحن بصدد تحليله، تدور أحداثه بين بادية وقرية متجاورتين بين الحجاز ونجد في حقبة زمنية تعود إلى أكثر من 100 عام.
وتدور أحداث العمل حول قصة امرأة من البادية السعودية، توجه إليها أصابع الاتهام الطاعنة في شرفها وعفتها، فتناضل من أجل أن تثبت براءتها. تتطور الفضيحة وتتشابك مع قصص أكبر فأكبر، وتجر وراءها أسرارا خفية. والمسلسل من إﺧﺮاج الفوز طنجور ومن ﺗﺄﻟﻴﻒ لمياء الزيادي ومن بطولة الفنانة ليلى السلمان، ريم عبدالله، علي السبع، خالد صقر. لقد أكدت كاتبة العمل لمياء الزيادي أن عملها يتناول قضية القذف، التي غلفتها برسالة هادفة للمجتمع مع الحرص على إبراز الشيم والقيم والعادات والتقاليد البدوية في هذا العمل.
ولعل السر وراء هذا الإعجاب بهذا العمل، أنه انعكاس لصورة البداوة في الجزيرة العربية التي هي أصل البداوة، وهو السبب في الإقدام على كتابة هكذا عمل كما صرحت كاتبته بأنها لم نعثر على درامي يعكس هذا التراث العريق. وقد خلا هذا العمل من نقل صورة خاطئة عن البدو والبداوة التي وقعت فيها الكثير من الأعمال البدوية الأخرى، وشكلت في نظر كثيرين انتقاصا من البداوة.
وهنا تبدو صاحبة العمل على دراية واسعة بديدن مثل هذه الأعمال، فقد استطاعت أن تجردها من التصورات الخاطئة التي ظلت ملازمة للأعمال البدوية العربية ولاسيما الغزو وامتهان كرامة المرأة والخيانة. ففي الشام مثلا تعتبر البداوة عيبا نتيجة الصورة الخاطئة التي رُسمت لها، فصار البدوي مرادفا للفظة بواق (سارق)، وهذا التصور خاطئ وناتج من عدم خبرة ودراية بالبدو إلا أن الكاتبة استطاعت أن تزيح عن كاهلها مثل هذه التصورات. فشخوص العمل من الرجال أصحاب كرامة وعزة وأنفة وخير مثال على ذلك شخصية الشيخ سلمان. أما شخصية منيفة فهي شخصية صلبة قوية ترفض الضيم فكانت مثالا صادقا للمرأة البدوية.
وعلى رغم وجود شخصية أخرى تمثل الشر كما في شخصية سارة التي حملتها الكاتبة كل شر ممكن والتي تحرك الشر في الأحداث، إلا أن موتها في النهاية على يد أخيها لهو خير دليل على رفض المجتمع البدوي أي قيمة تنال من شرفه. وقد نجحت الكاتبة في تسليط الضوء على القيم الإيجابية في مجتمع البدو وأهمها إغاثة الملهوف، فالشيخ سلمان في إنقاذه منيفة ووقوفه بجانبها، وقيام ذعار بالوقوف إلى جانب فتاة تعرض أهلها للمهاجمة من العثمانيين هو خير دليل على هذه القيم الراسخة في هذا المجتمع.
ومما ساهم في نيل استحسان الجمهور هو القصائد التي طرحتها الكاتبة في ثنايا عملها، والتي لاقت ثناء وقبولا كبيرين فقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بهذه القصائد لتغدو ترند، إذ ساهمت القصائد في اكتمال جمال المشاهد بطريقة إبداعية، فالشعراء هم من أبرز وأهم الشعراء المخضرمين بالمملكة.
ومع هذا فهناك نقاط ضعف بدت في هذا العمل نكتفي ببعضها، ومنها انتفاء أي دور للقبيلة التي تنتمي إليها منيفة فأنت تشعر أن هذه القبيلة قادمة من فراغ، فلا تلمح لها دورا بمجريات الأحداث من حولها رغم أن كاتبة العمل أكدت على وجود العثمانيين في المنطقة وقيامهم بأذية القبائل، فلا نلمح أي توجه لذكرهم والتعريض بهم. كذلك لم نشهد حضورا لافتا للربابة ولا للمهن التي تقوم بها القبيلة سوى في الحلقة الأخيرة لدى قيام ذعار أخ منيفة بالذهاب لبيع الأصواف ولقائه بأخته.
إننا نحتاج اليوم إلى دراما بدوية برؤية جديدة تتناول موضوعنا وتلتزم بقضايا مجتمعاتنا بعيدا عن الحب والعشق والغزو، وترسم لنا مراحل انتقال المجتمع البدوي إلى ما وصلنا إليه اليوم، ودوره في مواجهة المحتلين والقضايا الوطنية والقومية.