الشاعرة والإعلامية السورية نوار الشاطر لـ"العرب": الشعراء يولدون شعراء

المرأة العربية كانت ومازالت حاضرة في المشهد الثقافي.
الخميس 2023/11/02
وظيفة الأدب هي الارتقاء بالإنسان

تجمع الشاعرة والإعلامية السورية نوار الشاطر بين عالمي الإعلام والكتابة الشعرية، الأول بما يفرضه من تواصل وانغماس في الأحداث المتقلبة والمجالات المتشابكة، والثاني بما يتطلبه من عودة إلى الذات في فرديتها قبل اشتباكها مع محيطها، لكن الشاعرة تجيد هذه اللعبة، وهو ما نطالعه في حوارها مع "العرب" حول تجربتها ورؤاها.

كتابات نوار الشاطر بكل أنواعها هي حالة حياتية هذيانية، اجتماعية، كأنها تحمل رسالة إنسانية وأخلاقية ومعرفية فحواها أن تقدم انطباعا حضاريا عن المرأة العربية عموما والسورية خصوصا، بقدراتها الفذة وما تخبئه بين جوانحها من ابتكارات، كما أن نوار آصرة قوية تربط الشعر بالإعلام، ويمكن القول إنهما متلازمان في الأغلب الأعم.

وما من أحد يستطيع إغماض عيون الشعراء وما من أحد يستطيع التلاعب بأصواتهم، هذا ما تؤمن به نوار الشاطر التي تكثف الحياة في شعرها، وفي عينيها تسكن دهشة الأطفال فتفتح على المدى أبوابا ونوافذ، نشاطها لافت في مجتمعات الشعر، مشاركة وتقديما وكذلك تنظيما، وحضورها يضفي دائما ضوء إضافيا، وهي أيضا الإعلامية التي تميزت بتجربة طويلة ومتنوعة، متسلحة بثقافة واسعة وجرأة ورؤية عميقة وكذلك بحضور أنيق وسرعة بديهة واحترام للضيف، ابتسامتها لا تفارقها وهذا ما يشيع جوا من الارتياح والفرح في نفوس من تحاورهم.

حول البدايات وسبب اختيارها الشعر مختبرا، وعن أهم المؤثرات التي لعبت دورا في توجهها نحو هذا اللّون الكتابي الإبداعي، تقول الشاطر “البدايات كانت منذ الطفولة، كنت أحب الأدب كثيرا، وأقرأ بنهم شديد، وذلك ساعدني على زيادة المخزون اللغوي عندي، وجعل لدي القدرة التعبيرية على رسم الصور البيانية أفضل، فكنت أكتب الخواطر الشعرية بصورة مستمرة، وأشارك بعض كتاباتي في مجلة المدرسة، والتشجيع كان من مدرسات اللغة العربية، حيث لاحظن وجود ميول أدبية ولغة أدبية جميلة لدي، لكن تركيزي كان على الدراسة إلى حين تخرجي من كلية العلوم والبدء في المجال العملي".

تجربة الكتابة

نوار الشاطر: الكتابة الشعرية والأدبية في عمقها ترتكز على الموهبة
نوار الشاطر: الكتابة الشعرية والأدبية في عمقها ترتكز على الموهبة

وتضيف “لم آخذ الكتابة الشعرية على محمل الجد إلا بعد أن عشت في المغترب، الشوق الشديد للوطن وللأشياء التي أحبها فيه دفعني بشدة نحو الشعر واختارتني القصيدة لأكون بيتا لها واخترتها لتكون قافيتي فكتبت: أتنفس الشعر شهيقا بأوزان مختلة المشاعر بقافية حزن أشبع رويها بندى الألم لا بحر يحتوي ملحي لينْظم سفن قصائدي الغارقة بالشوق”.

نجد في قصائد الشاطر تظافرا معرفيا وأدبيا وفكريا، وتعلق الشاعرة “الكتابة الشعرية والأدبية في عمقها ترتكز على الموهبة، ولكن التراكم المعرفي والثقافي للشاعر يضيف إليها الكثير، ويمكنني القول إن كتابة الشعر ليست بالأمر السهل إذا أردنا قصيدة حقيقية تخاطب وجدان الإنسان، وتعيش في داخله لزمن طويل. وعلى الشاعر دوما أن يطور أسلوبه وأدواته وينوع مواضيعه ويصقل موهبة الكتابة عنده، لتكون القصائد لديه متدفقة العاطفة بشكل مستمر".

 في حوار سابق معها قالت الشاطر "أنا كاتبة حالمة تعشق الأدب والشعر منذ صغرها، تؤمن بقوة الكلمة وقدسيتها، لذا لجأت إلى الكتابة لتكون مساحتي الحرة التي بها أتنفس الحياة”. نسألها هل وجدت ضالتها؟ لتجيبنا “لست إلا بقايا حالمة طاعنة بالخيال، تصادق الكلمات التي تعطر محبرة أثيرها وتربي القصيدة في حجر ضوئها حبا على حب. نعم الكتابة هي رئتي الثالثة التي أتنفس بها شغف الحياة، وبواسطتها أجد ذاتي وأحدد ماهية وجودي على خريطة الحياة".

الشاطر متحصلة على بكالوريوس علوم أحياء تخصص مخبري، نسألها هنا كيف استطاعت أن تجمع بين العمل والهواية في ملحمة عشق وجهد ومثابرة، لتقول “الشعراء يولدون شعراء، عندما تكون الموهبة حقيقية فإنها تنمو في داخل الإنسان، وتأتي الظروف لتظهرها، هناك شعراء وكتاب اكتشفوا موهبة الشعر والكتابة عندهم في أعمار متقدمة، ولمع اسمهم في سماء الشعر. العمل المخبري وخاصة أني كنت أمارسه في إحدى المشافي الخاصة، نمّى عندي الجانب الإنساني، وجعلني قريبة دوما من ألم الإنسان، وحاملة لقضياه، فالشاعر دون رسالة سامية لا قيمة لشعره، وأيضا أثر عملي على لغتي الأدبية ففي بعض القصائد حاولت إضفاء الرومانسية على المصطلحات الطبية فقلت: عندما أصحو من نوبة الهيام أدرك كم أنني مصابة بك بكثرة كم أن ولعي بك قد تفشى في أعماقي بشدة حتى قصائدي دخلت في غيبوبة هواك".

◙ المرأة العربية حاضرة دائما في المشهد الثقافي والشعري عربيا ولكن في المجتمعات التي تعاني من تبعات الحروب هناك تراجع في الاهتمام والمتابعة

القضية الفلسطينية اليوم تعيش حالة لا تحسد عليها وخاصة في غزة الجريحة، نسأل الشاعرة كيف تنظر إلى هذه القضية وما يحدث على الساحة اليوم، لتقول “فلسطين للإنسانية قضية ليست مواسم شعرية إنما هي فصولنا المالحة. ما يحدث اليوم في غزة وفلسطين هو امتداد للأمس، هذا الشعب يريد التحرر من الاحتلال الصهيوني، ولن يستكين حتى يمحى هذا الكيان الغاشم من أرضه، وتكتب له الحياة من جديد، المؤلم حقا هو الخذلان الذي يتعرض له هذا الشعب، أين العروبة مما يجري هناك؟ إلى متى سنقف مكتوفي الأيدي، نشاهد المجازر والإبادة الوحشية ونتألم ونحترق ولا نستطيع أن نقدم شيئا لهم. باسم الرحمة وباسم السلام وباسم الإنسانية أناشد المعنيين لفك الحصار عن غزة وإيقاف هذه الإبادة الوحشية. أعرف أن صوتي لن يبلغ مداه، ولكن نحاول، نحن لا نملك إلا المحاولة وسط هذا العجز الخانق".

أما عن الحضور الأدبي النسائي في المشهد الشعري والثقافي العربي، فترى الشاطر أن المرأة العربية كانت ومازالت دوما حاضرة في المشهد الثقافي والشعري عربيا، ولكن في المجتمعات التي تعاني من تبعات الحروب وآثارها القاتلة، نلاحظ تراجعا في الاهتمام والمتابعة، لكن هناك الكثير من الشاعرات والكاتبات العربيات اللواتي أثبتن حضورهن وتركن بصمة في سجل الأدب العربية.

وتضيف “بالنسبة إلى الجوائز هي وسيلة للتشجيع والمنافسة لتقديم الأفضل. وأنا أدعم المرأة الكاتبة بشكل كبير، لا من باب التفرقة بينها وبين الرجل الكاتب، لكن لأن ظروف المرأة أصعب كونها تتحمل مسؤوليات عديدة في وقت واحد، وكونها ما تزال في بعض المجتمعات العربية أسيرة عادات وتقاليد بالية تجدها عورة في كل شيء في الكتابة وفي الظهور وفي النشر، ولا تلقى التشجيع من العائلة والمحيط إلا بشكل نادر وبسيط. وأيضا على الجانب الآخر من ضفة الحقيقة، نجد من يحاول استغلال المرأة الشاعرة وتصديرها إعلاميا بشكل هابط، وخاصة عندما تكتب عن الحب وغيرها من المشاعر الإنسانية التي نعيشها جميعا".

الأدب ليس رفاهية

◙ القارئ الأول لما أكتبه هو أنا
◙ القارئ الأول لما أكتبه هو أنا

ونتطرق مع الشاعرة إلى حضور القارئ في ما تكتب، إذ تقر بأن “القارئ الأول لما أكتبه هو أنا، فإذا استسغت ما أكتبه، أقدمه لغيري، أؤمن بقدسية الكلمة والشعور، وبأن المعاني الراقية ترتقي بذائقتنا الحسية والأدبية، فوظيفة الأدب هي الارتقاء بالإنسان إلى مستوى فكري أفضل، وإلا ما الفائدة من قراءة القصيدة والقصة والرواية، أليس الأجدى مثلا قراءة كتب التنمية البشرية وغيرها من الكتب العلمية التي تقدم المنفعة العملية للإنسان؟".

وتتابع "الأدب ليس رفاهية ثقافية، بل هو حصيلة تجارب فكرية لغوية تمثل هوية وبيئة وتراث الإنسان، وكان الشعر قديما ديوان العرب، ومنه عرفنا نمط حياة الإنسان العربي ومآثره وإنجازاته وأفراحه وأحزانه، التدوين والكتابة هما أهم الاختراعات البشرية، وهي لغة التخاطب، وفي كل احتلال نعيشه نجد المحتل يحاول طمس اللغة والهوية الثقافية للبلد المحتل، أليس هذا ما تفعله إسرائيل منذ بدء احتلالها لفلسطين؟".

◙ الكتابة الشعرية والأدبية في عمقها ترتكز على الموهبة، ولكن التراكم المعرفي والثقافي للشاعر يضيف إليها الكثير

نسألها عن رأيها في أدب الإنترنت المنتشر حاليا على السوشيل ميديا، فتقول "أدب الإنترنت لا رقابة عليه، لذا تجد الجيد والسيء على حد السواء، ووسائل التواصل الاجتماعي هي وسيلة للانتشار السريع، والمتابعات بأعداد كبيرة لا تدل على جودة المنشور، لقد كثر الغث وفسدت الذائقة الأدبية الفكرية".

أما عن رأيها في الملتقيات الأدبية ووظائفها، فتعتبر أنها في غالب الأحيان مناسبات للعلاقات العامة والاجتماعية، وتوثيق الصلة بين الأدباء والشعراء، أما تطوير القصيدة واقعيا يحدث على مستوى البيئة والمجتمع وتطور نمط الحياة، وتبادل الخبرات الشعرية بين الشعراء، وتذكر هنا نازك الملائكة التي بدأت في كتابة الشعر الحر في فترة زمنية مقاربة جدا للشاعر بدر شاكر السياب وزميلين لهما هما الشاعران شاذل طاقة وعبدالوهاب البياتي، وهؤلاء سجلوا في اللوائح بوصفهم رواد الشعر الحديث في العراق بعد صراع طويل دار بينهم حول بداية كتابة الشعر الحر أو الحديث.

وتعرف الشاطر نفسها قائلة "نوار إنسانة عندها شغف بالحياة، وترسم ملامح الحلم على أرض الحياة، وتنفخ فيه من روحها، ليصبح واقعا تعيشه"، مضيفة "الطموحات كثيرة وليس لها حدود، وأنا أحاول فقط، وكل ما كتبته هو محاولات، أتمنى أن ترتقي وتبلغ المدى وتحدث الأثر الذي أرجوه ألا وهو إيقاظ الحب في داخلنا كبشر، الحب الذي يجعلنا نعيش إنسانيتنا في أعلى مراتبها فقط لا غير".

12