وفاء أحمد لـ"العرب": نحن أمام انفجار أدبي لم تتم السيطرة عليه حتى الآن

الكاتبة والروائية الإماراتية وفاء أحمد واحدة من الأديبات اللاتي ساهمن في إثراء المشهد الثقافي الإماراتي بكتاباتهن البارزة، ووفاء ليس هدفها الإبداع فحسب، بل أيضا إثراء عقول القراء وإلهاب خيالهم من خلال كتاباتها التي تجمع بين الأصالة والحداثة، وتحاكي القيم والهوية. "العرب" كان لها هذا الحوار معها حول عوالم كتاباتها ورؤاها الفكرية والثقافية.
تجمع الدكتورة وفاء أحمد بين عدة مجالات، فهي أكاديمية جامعية، كما أنها سيدة أعمال وكاتبة وباحثة وإعلامية وروائية، وهي أيضا مؤسس مؤسسة الرخ للعلاقات العامة والنشر والتوزيع وهي الرئيس التنفيذي للمؤسسة التي تدعم الثقافة الإماراتية والكاتب الإماراتي، إضافة إلى القوة الناعمة في بلدها.
إضافة إلى كتبها تكتب أحمد في الصحافة، وهي حاصلة على بكالوريوس اللغة العربية في جامعة الإمارات العربية المتحدة وعلى الماجستير والدكتوراة في الأدب الإماراتي من جامعة الوصل بتقدير امتياز عام 2016. كما أنها حاصلة على شهادة الماستر في إدارة الأعمال عام 2022.
الأدب والنقد
في هذا الحوار نغوص مع الدكتورة وفاء في عوالم الكتابة، ونكتشف رحلتها الأدبية، رؤاها المستقبلية، ومكانة الأدب الإماراتي على الساحة العربية الدولية.
بداية تعرّف نفسها لقراء “العرب” قائلة “وفاء أحمد إنسانة وكاتبة وقبل كل شيء، أم محبة لا أحب الحلول الوسط ولا أن أكون في موقف وسط، ولا أحب الرمادي بين الأبيض والأسود ولا النفاق والكذب ولا الصداقات المعلقة ولا الإجابات والناس المتأرجحة، أحب الناس الصادقين معي لا أبقى في علاقات سامة، ولا أنصت لمن يحاول كبح طموحي، أحب كل ما في حياتي نهائيا حتميا قطعيا، جازما.”
نسألها كيف جاءت إلى عالم الرواية؟ وهل الأمر يتعلق بشكل من أشكال التجريب الإبداعي بحثا عن الذات أم ماذا؟ لتجيبنا “ما أشعر به أننا لا نأتي إلى الرواية، هي من تأتي إلينا بأحداثها وفنيتها وشخصياتها ووصف المكان وأيضا بتلك الأرواح التي نحييها في مخيلتنا ونكتبها على الورق لتجسد انفعالات حقيقية بين دفتي كتاب. هل الأمر يتعلق بشكل من أشكال التجريب الإبداعي بحثا عن الذات؟ الأمر بالنسبة إلي أعمق من ذلك، إنه جوهر الحياة والوجودية وفلسفة عميقة تجاه الفن إن كان بحثا عن الذات فهو بحث عن الذات التي تحوي أبطال الرواية وتكملهم وتحاورهم وتنفعل معهم، وتشاركهم أفراحهم وآلامهم، إنه عالم من التخييل.”
حصلت أحمد على شهادة الدكتوراه في الأدب الإماراتي، نسألها عن الفرق بينه وبين الأدب العربي وكيف تنظر إلى هذه الخطوة في سياق الأدب الإماراتي؟ لتقول “كنت أود أن أضيف قيمة بحثية تعبر عن الإشكاليات الإنسانية التي ناقشها الأدب الإماراتي، تلك المنافذ الأدبية للروح الإنسانية وكيف عبر الأدب الإماراتي فنيا وأدبيا عنها، مثل الفقر والحروب وصراع الإنسان مع الزمن وصراعه مع الحياة، تلك المشكلات الفلسفية العميقة.”
تجربتها الأدبية تمثل جانبا إنسانيا في الطرح وتلامس قضايا الآخرين، وهي ترى أن تجربتها سؤال إنساني، مضيفة أنه “منذ أن نولد ونحن نسير في خطى الحياة على جميع الجوانب الإنسانية وأحداثها، إنها صراعاتنا الخاصة مع الحياة والحزن والألم. ما أقيمه في تجربتي أنني أقيس الزوايا والفصول والقضايا وأعيد صياغتها بلغة إنسانية غارقة بفلسفتنا المجردة.”
أصدرت أحمد كتابين الأول “الوطن في الشعر الإماراتي المعاصر”، والثاني “قضايا الإنسان في الشعر الإماراتي المعاصر”، وربما بين عنواني الكتابين واشتغالاتهما شبه، تقول الكاتبة لـ”العرب”، “في الحقيقة هي محاولة مني كباحثة إماراتية إثراء الأدب الإماراتي بالدراسة والتحليل، كون الأدب العربي قديما وحديثا حصل على حقه بالدراسة من الباحثين العرب، أما الأدب الإماراتي فيحتاج إلى المزيد من البحوث والدراسات، يكمن الشبه في أن حب الوطن والغربة عنه يعتبر قضية إنسانية في البحث، وأيضا في كونهما معنيان بالأدب الإماراتي، أما الاختلاف فيكمن في القضايا الإنسانية التي تناولها البحث الثاني وحب الوطن في ذات الشاعر الذي تناوله البحث الأول.”
أما عن رؤيتها للمشهد الأدبي والثقافي الإماراتي اليوم فتقر بأنه في نشاط دائم وحركة مستمرة، مشيرة إلى أن هناك كتابا فيه يستحقون أن يكونوا جزءا من الأدب الإماراتي ولكن منهم من اقتحم عالم الكتابة يود أن يقال عنه كاتب فقط.
تحول أدبي كبير
تتحدث أحمد عن روايتها “حدث في الجامعة الأميركية”، وتقر بأنها بنيت بنسيج اجتماعي يتداخل فيه الزمان والمكان عبر قصة ثلاث نساء في مراحل حرجة من حياتهنّ، عايشن الحب والخيانة والفراق.
أما عن مدى ارتباطها بصفتها روائية بالمكان وبروزه في ما تكتب، فتعلق الكاتبة “في الحقيقة لم تكن أي من رواياتي مرتبطة بالمكان الذي عشت فيه طفولتي على وجه الخصوص، والرواية الثانية التي كانت فلسفية تصف التبت والتأمل والحياة من منظور رجل فقد الشغف فيها.”
تخطينا معا الحواجز وعبرنا إلى المملكة وصولا إلى عجلة الزمن وإلى حلم الملايين على سطح الأرض، الحكمة ليست في العودة بالزمن بل بتغيير ما في داخلنا لنصل إلى الخلاص من تبعات الكوارث والزمن، إنها رواية حب الشياطين، تتحدث أحمد عن المغزى من الرواية وإلى أين تريد أن تصل الكاتبة فيها، تقول “أصف الرواية بالفلسفة العميقة التي لم تأخذ حقها من القراءة والدراسة والنقد، هي الفلسفة الأزلية وصراع الإنسان مع الزمن كما تروي عبر صفحاتها رغبتنا الدائمة بالعودة بالزمن لتغيير الماضي بدل النظر للمستقبل، ومحاولة تغيير مستقبلنا، إنها الخلاص من الشعور الإنساني العميق بالحياة المرتبطة بالمخيلة.”
المرأة في أعمال أحمد تشكل جزءا من اهتمامها تقول لـ”العرب”، “كوني امرأة أشعر بأهمية نقل قضايا المرأة في المجتمع، ولكن كوني جزءا من دولة أعطت المرأة حقوقها ولديها توجه كبير لتمكين المرأة هذا جعلني أهتم بالكتابات الفلسفية كصراع الإنسان مع الحياة وصراعه مع الزمن والحروب والكوارث وغيرها، لأن المرأة في النسيج المجتمعي الإماراتي حصلت على كافة حقوقها ولا تحتاج كثيرا إلى من يناقش مشاكلها وانفعالاتها، لذلك اتجهت لطرح القضايا الإنسانية التي تلامس البشر جميعا وليس المرأة فقط.”
أما عن منظورها للحداثة، وهل في اللغة أم في الفكر أم في الرؤية؟ تقول الكاتبة “الحداثة مصطلح عام كبير يحوي اللغة والفكر والرؤية والصور ومنهجية الأدب الحديث وغيرها من المدارس، إنه عالم ضخم، فالحداثة تقدم نفسها على أنها إشكالية تستعصي على الحل من المنطلق النظري، وقد ساعد التجريب المستمر في الفن والأدب على نمو الإدراك الواعي للتغيير عند الفنانين والأدباء، من خلال سعيهم للانفصال عن الحقب السابقة، لتأكيد القدرة على الإبداع والتفوق في ظل إيقاعات الزمن المتلاحقة، والتطور المذهل في النمو المعرفي والمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقد تجلت آثار هذا التجريب في العديد من الأعمال الأدبية.”
وتسألها “العرب” كيف تقرأ الرواية الراهنة في العالم العربي؟ وهل نحن فعلا أمام تحوّل أدبي أم أن ما نعيشه هو فقط وفرة في الكتابة؟ تجيبنا “الوطن العربي والخليجي والإماراتي حافل بالروايات المدهشة، علينا فقط أن نبحث عن الجودة، نعم نحن أمام تحول أدبي كبير تقوده مجموعة من الكتاب وأيضا وفرة غثة في الكتابة للمقتحمين في عالم الكتابة فقط ليقال لهم اسم كاتب، فنحن أمام انفجار أدبي لم تتم السيطرة عليه حتى الآن.”