الشارقة تحتضن بلاغة "قل ما لديك للنهر" لسما الشيبي

صور فوتوغرافية بانورامية لمصائر الشعوب في الشرق الأوسط وأفريقيا.
الأربعاء 2023/05/24
جسد الأنثى رمز للهجرة

في عالم تسوده الحروب والنزاعات والأزمات، وينتقل الناس فيه أفرادا وجماعات في عمليات هجرة متكررة، رأت الفنانة سما الشيبي أن توثيق ما يمكن أن تخلّفه هذه التطورات على واقع المنطقة هو عين الفن وجوهره، وهو القادر على إيصال الرسالة بكل وضوح.

تقدم صالة “أيام” منذ السابع والعشرين من فبراير الماضي وحتى الثلاثين من يونيو القادم معرضا للفنانة الفلسطينية –العراقية – الأميركية سما الشيبي تحت عنوان “قل ما لديك للنهر”. 

يجيء المعرض احتفاء بـ20 عاما من إنتاج سما الشيبي الفني الغزير والمتبلور بشكل كبير عبر السنين دون خروجه عن خط المواضيع التي تناولتها الفنانة. مواضيع كالعزلة والحرية والهجرة القسرية وآثار الحروب والفساد على النفوس والأجساد والبيئة الطبيعية. ويقام المعرض في “مركز مرايا للفنون” في الشارقة وهو برعاية محمد رضا وسيما عزام.

آفاق مفتوحة 

الأعمال تتحدث عن تجارب تنقّل وهجرات متعاقبة من مكان إلى آخر بسبب الأزمات والحروب وآثارها على الفرد والمجتمعات
الأعمال تتحدث عن تجارب تنقّل وهجرات متعاقبة من مكان إلى آخر بسبب الأزمات والحروب وآثارها على الفرد والمجتمعات

يضم معرض “قل ما لديك للنهر” مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية الفنية والتي هي في معظمها بانورامية تأخذ الزائر إلى عالم مفتوح الآفاق لا تظهر فيه العناصر الجزئية البصرية والمُحددة إلا كمحرك للمشهد العام أو نقط انطلاق لسرد يوفّق ما بين الشعر والتاريخ والسياسة ويضرب بعرض الحائط كلاسيكية النظرة إلى العديد من الأشكال سواء كانت أشياء أو كائنات بشرية.

وهذا المعرض للفنانة متعددة الوسائط سما الشيبي يشبه عنوانه. ففيه من الناحية البصرية انفتاح الآفاق البحرية – النهرية في صور تؤسس لمنطق اللامحدودية ذات القدرة الاستيعابية الهائلة والمتعلقة من ناحية بمصائر الشعوب والجغرافيا المتحللة من حدودها، ومن ناحية أخرى فيه إعلان خفوت اكتراث هذه الآفاق “المائية” شعبا وأرضا، بالمخاطر المُحدقة بها، نتيجة ما فاض أو “قيل” لها (في الإحالة إلى العنوان: قل ما لديك للنهر) وذلك على الأرجح بسبب القنوط والملل الذي بات مستشريا في نفوس أهل المنطقة.

ويجدر الذكر هنا أن هذا النهر الذي تتحدث عنه الفنانة/المصورة ليس بنهر محدد كنهر دجلة والفرات ولا هو حتى بنهر حصريا. فهو البحر، وهو الصحراء أيضا، وهو بمجمله المدّ المكتنز للهدير والخرير والمُبدي كثبانه وأمواجه وكسراته وانشطاراته تحت سطوة الشموس الحارقة في المنطقة (الطبيعية منها وغير الطبيعية).   

المعرض هو بمثابة حدث فني ليس فقط لأن مدة عرضه تستغرق ما يقارب خمسة أشهر بل لأن من الممكن جدا اعتباره إيتمولوجيا بصرية يتشابك فيها خاص الفنانة مع عام منطقة الشرق الأوسط وصولا إلى شمال أفريقيا. 

تجيء هذه الخلطة أولا بما يشبه دراسة لفترة شاسعة من ناحية الزمن والمكان، ومن جهة ثانية تأتي كعملية تأويل شخصية وتخمين بما ستؤول إليه منطقة شرق الأوسط وشمال أفريقيا، باعتبار أنها كبيئة طبيعية وشعوب، تعيش تحت ضغط الحروب وموجات الهجرة القصرية ونقص المياه المتعاظم في ظل حكومات غير معنية بمستقبل البلاد. 

ويضم المعرض أعمالا فوتوغرافية ذات طابع معاصر ومنحى مفهومي طاغ. ويشير البيان الصحفي المرافق للمعرض إلى أن الأعمال “تتحدث عن تجارب تنقّل متكررة وهجرات متعاقبة من مكان إلى آخر بسبب الأزمات والحروب وآثار كل ذلك على الفرد وعلى المجتمعات بشكل عام”.

ويضيف البيان “تنتمي الأعمال إلى مجموعتين. الأولى بعنوان ‘مقدمة لمدينة دائرية’ والمجموعة الثانية بعنوان ‘إحياء’. أعمال المجموعة الأولى هي أعمال تنتمي إلى فن التجهيز والفن الافتراضي وتعتمد على تقنيات تمّ تطويرها لأهداف عسكرية وتتناول فترة العراق مع بعد الحرب وتحديدا عاصمتها بغداد لتقابلها بأسلوب غرائبي خيالي مع الأراضي المائية/الخضراء المنتشرة تاريخيا في جنوب بلاد ما بين الرافدين”

الفنانة استوحت ما أنجزته من الجماليات الإسلامية القائمة على نماذج هندسية ومتماثلة في إشارة إلى اللانهائية

ومن المعروف أن هذه المناطق كانت تعج بأصناف الحياة وروعة المشاهد الطبيعة في تداخل شاعري مع وجود أهل المنطقة وذلك قبل أن يحل القحط والتجفيف المقصود للمساحات المائية لأسباب سياسية معروفة.

ويشير البيان الصحفي إلى أن وسط هذه المشاهد الدائرية المصوغة بخيال شاعري تقف امرأة تشبه شهرزاد “ألف ليلة وليلة” كرمز لنجاة الأنثى بقوة الابداع والفكر الخلاّق. غير أن الناظر إلى تلك المرأة التي يلفها الغموض والغائصة تارة والطائفة تارة أخرى على صفحة ماء بحري أو نهري أو صحراوي، في الإشارة إلى ما ذكرناه آنفا، ستأخذه، أي الناظر، إلى صورة أقل تورّدا من شهرزاد، ولكن ليس أقل نورانية منها. ستحيله إلى ما يشبه منارة مضيئة بغموضها وظلها لتشبه الثقب الأسود في الكون لناحية كونه مغناطيسيا جلاّبا ومنفذا إلى عوالم أخرى ذات صيغ أقل ظلامية وهلاكا.

أما المجموعة الثانية من الأعمال فتنتمي إلى ما عنونته بـ”إحياء” وهي أشبه بتتمة لمجموعتها “سلسلة”. 

مجموعة “إحياء”، وحسب البيان الصحفي للمعرض هي تلك التي أنجزتها الفنانة “بعد عودتها إلى العراق بعد أكثر من 40 سنة لتشهد التحول الفظيع الذي حصل في عراق ما بين النهرين واحتضار منطقة شمال العراق نتيجة الجفاف الذي أصابها”.

أما مجموعة “سلسلة” التي تختمها مرحلة “إحياء” فهي ترتكز على فكرة “نشوء الاشتباكات بين المواطنين والدولة ووقوع الأزمات التي تؤثر حتما على عوالم الفرد المادية والنفسية. ومجموعة “سلسلة” هي  مستوحاة من رحلات الرحالة الشهير ابن بطوطة. وقد استخدمت الفنانة جسدها وجسد الأنثى بشكل عام كمفتاح يرمز إلى للهجرة وإلى بوابة العودة الشاقة على السواء. 

اكتشاف للمكان 

أسلوب غرائبي خيالي
أسلوب غرائبي خيالي  

وقد ذكرت الفنانة المصورة سابقا أن هدفها من هذه المجموعة كان اكتشاف أكبر عدد من الأماكن الصحراوية في المنطقة أسوة بابن بطوطة لتجد ذاتها في جوّ ذهني وعاطفي مختلف قوامه إدراك عمق أزمة نقص الماء العذبة التي تهدد باستمرار استقرار الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليتحول مشروعها الفني أمام ما رأت إلى رحلة البحث، وحسب ما تقول، عن “الصلة مع الماء ومع بعضنا البعض كمجتمعات مترابطة، وكأمم ستعاني من مستقبل سنرثه جميعا وقد أرهقه وجه التغير المناخي في سياق الخلل السياسي والاجتماعي”. 

الأعمال تتحدث عن تجارب تنقّل متكررة وهجرات متعاقبة من مكان إلى آخر بسبب الأزمات والحروب وآثار كل ذلك على الفرد وعلى المجتمعات

لم تأت الأعمال مأساوية، بل على العكس إذ حافظت على تفاؤل النواة في الزرع والبراعم في الأحراش التي سحقها صيف حارق. وقد “استنجدت”، إذا صح التعبير، بالعوالم الصوفية اللصيقة بشخصيتها كفنانة عراقية وفلسطينية قبل أن تكون أميركية بحصولها على الجنسية الأميركية. جاءت الصور أشبه بمرايا مصقولة بالسكون والنور تنعكس عليها وتنبثق منها كل ما هو ربانيّ نوراني. 

وقد أشار البيان الصحفي إلى كون الفنانة استوحت ما أنجزته “من الجماليات الإسلامية القائمة على نماذج هندسية ومتماثلة في إشارة إلى اللانهائية”.

وأضاف البيان أن الفنانة استوحت أجواء أعمالها من الشاعر الصوفي أسدي علي الذي اعتاد أن يبدأ قصائده بـ”أنا الصحراء” وذكر في أحد قصائده بما ما معناه أن رماله تتوق إلى الله وتتضرع إليه أن يبقي أرضه ونسله في وحدة ووصال.

ولدت الفنانة في البصرة بالعراق. نالت درجة البكالوريوس في التصوير من جامعة كولومبيا وحصلت على الماجستير في التصوير والفيديو والفنون الإعلامية من جامعة كولورادو. لها مشاركات في معارض فنية عديدة ومعارض فردية  منها في هاواي ونيويورك وتكساس وهيوستن وباريس ولندن وبيروت، وجزر المالديف، والشارقة، ودبي.

14